تثور في أعماقي بل أعماقنا دهشة يلفها الجفاف.. أشياء ما زالت عالقة على جدران التساؤلات.. الآهات.. بعد ذاك اللقاء التلفازي على القناة «إياها» حيث اجتمع وزراء على طاولة دردشة حول محاور وطنية كبيرة..
تورطوا حين لامست اضاءات الكاميرات أعينهم، واختنقوا بالميكروفونات وواجهوا شعبا ينتظر بشوق حديثا للوطن.. فتحدثوا.. وجالوا.. وتشتتوا.. وارتفعوا فنزلوا.. ونطق بعضهم فقلنا ليته سكت.. وقفز الراشد منّا يردد تعبيرا عن المشهد:
لا خيــل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم يسعف الحال
مؤكد أن المكاسب تلاشت حين تغطت التبريرات بتنميط إعلامي مستهلك.. ولم ينتبه المسؤول إلى ان خلف الكاميرات اناسا يترقبون.. يتوجسون.. تحدثوا وكأن أحاديثهم في إحدى الزوايا الشعبية..
كلمتان فاغرتان اختزلتا قيمة الحلقة وحجمها.. وأرخت القتامة على صورة المسؤول ومدى ثقة المواطن به.. وطرحه يضخ مرارة وسوداوية.. وتلاشت قيم الاعلام مقابل السبق والاستثارة.. حيث ان التسجيل لم يشفع لتلك الوسيلة بـ«المنتجة» لأجل الوطن وظروفه الحالية..
كتب الكثير وبكى أكثر نتيجة حلقة بثّت كلمتين فقط فعلتا ما فعلت في واقعنا الاتصالي والاعلامي.. ووصلت إلى الآفاق هناك.. لينقلوا عنّا السوء من خلالنا.. وتمنيت ان يتذكروا أن اسوأ أعدائنا سيتخذون من قنواتنا منصات لأحاديثهم الشائبة.. ويتخذون من ألستنا شواهد تدليل سائبة، وبراهين خائبة..
لنكتف بما كتبه الكثير وسأبحر في بُعد قيمة التوزير، وفلسفة الوزارة، وغاية الوزير وإنتاجيته التي- إلى الآن- لم يستوعبها، ولم يفهمها المواطن البسيط حيث يأتي وزير ويذهب وزير في بعض الوزارات فلا يُسمع، أو يُعرف، أو يَجد منسوبوها تطويرات واقعية، وتحولات حقيقية وحلولا ناجعة لكثير من المشكلات.. فالوزير أو المسؤول قد يجعل المواطن طرفا في صراع وزارته أو إدارته، فيتفرغ لأولوياته كوزير ويتناسى أو يتأخر كثيرا عن أولويات المواطن واحتياجاته.. فكم يتذكر المواطن من وزير أو مسؤول ويردد فعله، وكم تحتضن ذاكرة المواطن من إنجازات قُدمت.. لماذا؟
ذاك اللقاء وإفرازاته جعل البعض يُطلق «كونان» بداخله، ويصنع منه محققا وراصدا فهرول بعضهم للبحث عن تفاصيل لا يتوجب بحثها لكنهم بحثوا فوجدوا ثم رصدوا وزادوا أو أنقصوا.. وأخرجوا ما لا يخرج، وطالوا تفاصيل لا تطال.. واستدعوا من تاريخهم وحاضرهم الشيء الكثير.. شهادات التخرج.. الخبرات المهنية السابقة.. السيرة الذاتية هنا وهناك.. وتناقلوا ما لم يؤكد من صور ومستندات لمحسوبيات بتوظيف أبناء بطريقة غريبة.. وتساءلوا لماذا يغرق وزير ما المواطن في صفات محبطة ويجدون ابنه «عوّاما».. من استفزهم لذلك.. نعم هي تلك اللغة التي لم يحسب حسابها الوزير وتحدث بلا مبالاة.. فكان معسكر المواطن معسكرا نشيطا احتفظ بحق الدفاع عن ذاته واسمه وقيمته التي اهرقها البعض دون اعتبار.
مؤكد أن تجربة الخروج في الاعلام من قبل الوزراء الذين لم يعتادوا ولم يتمرسوا بالذكاء اللفظي والمعنوي تجربة ثرية لهم ولغيرهم.. ومؤكد أنها نافعة لكل مسؤول إعادة النظر في قدراته للخروج اعلاميا.. ومراجعة فلسفة ووظيفة إدارات الإعلام الحقيقية في جهاتهم.. كما أن العلاقة بين المسؤول والمواطن أصبحت في حاجة لتشكيل جديد مبني على الثقة والدعم والتفاعل الوطني والابتعاد عن الاقصاءات، أو الاستفزازات..
وأجد أن ما حدث من سوء في وسيلة لم تهتم إلا بالإثارة مؤشر مهم على أن قنواتنا الرسمية أحق وأجدر أن يتوجه من خلالها أي خطاب داخلي للمواطن وأن يهبها المسؤول أيا كانت مكانتها دعمه، فالصور الذهنية عن وسائل إعلامية ما دوما يكون محركا للقبول من عدمه..
ختام القول: خانه التعبير.. المسؤول الحقيقي الحريص لا ولن يخونه حتى التعبير عن وطنه الذي يتشرّبه.. لا وقت للأخطاء، ولا مجال للإثارات، والمغامرات الاعلامية غير المحسوبة.. الوطن بحاجة للمسؤول المسؤول.. وللمفوّه القويم.. وللقوي الأمين.. وللمتفائل الكريم.. وللمحب السليم.. هكذا يكون الوطن كما رسمته قيادتنا الرشيدة.. فكونوا له.
عبدالعزيز اليوسف- اليوم السعودية-