فايننشال تايمز-
يبدو أن شهية السعودية للأسلحة ومعدات الدفاع الغربية لم تتناقص بالرغم من تدابير التقشف الشاملة التي كشفت عنها الحكومة الشهر الماضي.
وقال أحد المدراء التنفيذيين في شركات صناعة الأسلحة: "كنت أتوقع أن يكون هناك نخفيض، لكن المعلومات من المستويات العليا والأمراء كانت: لا، لن نقوم بذلك، لا تأت وتسأل إن كان مشروعك سيتعثر، بل استمر في العمل بجد، لأننا سنمضي قدمًا"، وأضاف: "لدينا طلبات كثيرة مقدمة".
إنفاق الدفاع لم يتراجع
بعد يومين من إعلان الرياض عن إجراءات التقشف، مُنح جناح الدفاع في "بوينج" عقودًا بقيمة 2.6 مليار دولار لتزويد المملكة بأكثر من ألف صاروخ أرض-جو وصواريخ مضادة للسفن.
ويقول الخبراء إنه في حين أن ذلك كان جزءًا من اتفاقيات طويلة الأجل، إلا إن حقيقة استمراريتها علامة على أن أحد أكبر مستوردي الأسلحة في العالم لا يزال ينفق على الدفاع.
وقالت شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية لتصنيع الأسلحة، التي تزود الحكومة السعودية بأنظمة "ثاد" للدفاع الصاروخي، إنها لم تشهد تراجعًا في الإنفاق على الدفاع من قبل أي من عملائها الرئيسيين في الشرق الأوسط.
وقال "روبرت هاروارد"، الرئيس التنفيذي لوحدة "لوكهيد" للشرق الأوسط، إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت ضغوط الميزانية ستنتقل إلى الدفاع، لكنه قال إنه يتوقع أن العملاء -بما في ذلك السعودية- سيواصلون مشترياتهم.
وأضاف: "التهديدات الإقليمية ليست في حالة تراجع وأصبحت غير قابلة للتنبؤ أكثر من أي وقت مضى. سيتعين على البلاد أن تتخذ خيارات بشأن الميزانيات، مثلما تفعل دائمًا".
وقال مسؤول تنفيذي آخر في شركة للدفاع في الخليج إن شركته لم تشهد أي تحول في المواقف من العملاء، لكنه أشار إلى أن ذلك قد يتغير، مضيفًا: "أعتقد أن ذلك يرجع إلى أن تداعيات ما يجري لم تنتقل إلى هذا المستوى بعد".
وإذا كان لا بد من إجراء تخفيضات؛ يتوقع المحللون أن تكون من نصيب مبيعات الأسلحة الجديدة باهظة الثمن، والتي ساعدت ولي العهد "محمد بن سلمان" في التزلف للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، فعندما استضاف "ترامب" الأمير السعودي في البيت الأبيض في 2018، رفع لوحة مكتوب عليها 12.5 مليار دولار مقابل مبيعات الأسلحة إلى السعودية، بما في ذلك الطائرات والدبابات والسفن البحرية.
التأثر مسألة وقت
وقالت "فينيلا ماكجرتي"، الزميلة البارزة في اقتصاديات الدفاع بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "يبدو أنه لا مفر من وصول تخفيضات الإنفاق الحكومي على الدفاع وخاصة الاستثمار في البرامج الجديدة. يهدد الخطر أي شئ يتجاوز المتطلبات الأساسية، بما في ذلك التهديدات الرئيسية مثل إيران".
وقالت وزارة المالية السعودية لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن المملكة ستواصل دعم القطاع العسكري ولن تدخر موارد للدفاع عن شعبنا وأرضنا".
كما قالت الوزارة إنها تعمل على ترشيد الإنفاق لضمان حصول المملكة على معدات دفاعية "بالتكلفة المناسبة وبالكمية المناسبة والمواصفات المناسبة".
بلغت تقديرات النفقات العسكرية في العام الماضي 198 مليار ريال سعودي (52.8 مليار دولار أمريكي)، بانخفاض نسبته 18.3% عن عام 2018، لكن الوزارة قالت إن الانخفاض يعكس "تحسن المشتريات والتخطيط" وليس انخفاضًا في التمويل، لكن المحللين المستقلين يقدرون أن إنفاق 2019 كان في الواقع أعلى بكثير.
يلف الغموض الإنفاق الدفاعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكن معظم الدول في المنطقة لديها ميل إلى الأسلحة الأمريكية.
ومنذ مارس / آذار، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على مبيعات أسلحة محتملة للإمارات ومصر والكويت والمغرب، شملت قطاع واسع من الأسلحة من الصواريخ إلى تجديد مروحيات أباتشي وطائرات النقل.
لكن السعودية تبرز من بينهم كأكبر مستورد للأسلحة في المنطقة، ومعظمها من الشركات الأمريكية والبريطانية.
استنزاف حرب اليمن
يمثل الدفاع حوالي 17% من ميزانية الحكومة، وقد أنفقت السعودية على مدى 5 سنوات عشرات المليارات من الدولارات في حربها ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.
بلغ الإنفاق الدفاعي للمملكة ذروته مع أعلى مستوى له على الإطلاق عند 87 مليار دولار في عام 2015، عندما دخلت الرياض الصراع اليمني، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وكان ذلك في الوقت الذي بدأ فيه الركود النفطي السابق قد بدأ في إظهار تأثيره السلبي.
ويقول معهد ستوكهولم إن الانفاق الدفاعي السعودي انخفض بنسبة 28% في عام 2016، قبل أن يتصاعد مرة أخرى مع استمرار حرب اليمن وزيادة التوترات مع إيران.
وقال الباحث الرفيع في معهد ستوكهولم "بيتر وايزمان": "يبدو من المرجح أن القيادة في السعودية خلصت إلى أن الحاجة إلى القدرة العسكرية لكسب الحرب في اليمن وردع إيران كانت ملحة للغاية لدرجة أن الإنفاق العسكري يجب أن يزيد على الرغم من ركود 2015".
وأثار الصراع ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان في العالم ووضعت تدقيقا مكثفا على مبيعات الأسلحة الأمريكية والبريطانية للمملكة.
وفرضت السعودية وقفا لإطلاق النار من جانب واحد منذ أبريل / نيسان ويقول دبلوماسيون إن المملكة حرصت على تخليص نفسها من الصراع لبعض الوقت، في خطوة قد تؤدي إلى تحقيق توفير كبير في إنفاقات الدفاع.
وقال دبلوماسي غربي إن الرياض لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تفعل ذلك من موقف ضعف. وفي غضون ذلك، واصل الحوثيون إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ بشكل متقطع على أهداف سعودية.
ومع ذلك، فإن هذه الأزمة أعمق بكثير من تلك التي سببها أحدث تراجع للنفط.
وقال "كريج كافري"، محلل الطيران والدفاع في موقع "أفيشن ويك"، إنه من المرجح تأخر المشتريات التقديرية، بما في ذلك الأسلحة اللازمة لتوسيع القدرات البحرية.
تنظر الرياض في شراء طائرات دورية بحرية من طراز "بوينج P-8"، لكن هذا قد يكلفها ما يصل إلى 3 مليارات دولار تشمل برامج التدريب وتكلفة الطائرات نفسها. ورفضت "بوينج" التعليق.
وقال أحد المديرين التنفيذيين في شركة للدفاع: "يجري الحفاظ على الميزانية العسكرية عادة بسبب ارتباطها بالهيبة والعلاقات الدولية. لكن لا يمكن الجزم أن الأمور لن تتغير. أعتقد أن هناك نوع من دفن الرأس في الرمال وقد يكون ما سيحدث في الواقع شيئًا مختلفًا".