الخليج الجديد-
"ستقام شعيرة الحج هذا العام بأعداد محدودة من جنسيات مختلقة من داخل السعودية مع اجراءات احترازية دقيقة حفاظا على أمن وسلامة حجاج بيت الله الحرام".
هكذا حسمت السلطات السعودية الجدل حول مصير موسم الحج لهذا العام، بالتزامن مع جائحة "كورونا" التي ضربت أكثر من 180 دولة حول العالم، وتسببت في إصابة أكثر من 7 ملايين شخص، وقرابة نصف مليون حالة وفاة.
وسجلت المملكة قفزة بأعداد الإصابات بـ"كورونا"، مسجلة 4233 إصابة جديدة، الأحد الماضي، وهو المعدل اليومي الأعلى منذ بدء تفشي الفيروس، ليتجاوز إجمالي عدد الإصابات المسجلة في البلاد منذ بدء تفشي الوباء حاجز الـ161 ألف إصابة، بينما بلغ إجمالي عدد الوفيات في المملكة جراء "كورونا" 1307 حالات وفاة.
حج بلا حجيج
وفق البيان السعودي، فإن الحج هذا العام سيقام بأعداد قليلة جدا؛ بسبب "استمرار مخاطر جائحة كورونا، وعدم توافُر اللقاح والعلاج للمصابين بعدوى الفيروس حول العالم، وللحفاظ على الأمن الصحي العالمي".
ولم يحدد البيان السعودي، رقما محددا للحجاج المسموح لهم بإقامة مناسك الحج، أواخر يوليو/تموز المقبل، لكن التقديرات تشير إلى بضعة آلاف في أفضل الأحوال من المواطنين والمقيمين داخل المملكة.
وكانت السعودية مهدت لهذا القرار بمطالبة وزير الحج السعودي "محمد صالح بن طاهر بنتن"دول العالم التريث قبل إبرام عقود الحج والعمرة.
وعزز الموقف السعودي بشأن الحج قرار إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، عدولها عن المشاركة في موسم الحج بسبب المخاطر المرتبطة بـ"كورونا".
وأعقب القرار الإندونيسي، إعلان ماليزيا وسنغافورة والسنغال أيضا إلغاء مشاركة مواطنيها في الحج، بينما حث مسؤولون مسلمون في دول أخرى، المملكة، على إلغاء الحج هذا العام بسبب مخاطر تفشي الوباء.
وسبق قرار إلغاء موسم الحج، الذي يعد سابقة منذ تأسيس المملكة عام 1932، قرارات مماثلة بإلغاء مناسبات عالمية أخرى بسبب "كورونا"، أبرزها قرار اليابان تأجيل عقد دورة الألعاب الأوليمبية هذا العام.
وتستقبل المملكة قرابة 3 ملايين حاج سنويا من الداخل والخارج، وتخشى مع هذا العدد الضخم خروج الأمور عن السيطرة، والتعرض لموجة ثانية عنيفة من تفشي الوباء.
وتأتي المملكة في المركز الأول عربيا والـ15 عالميا بالنسبة لعدد الإصابات، وهو ما يبرر إقدامها على ذلك القرار رغم تبعاته الاقتصادية الباهظة.
فاتورة ضخمة
اقتصاديا، يصعب حصر الخسائر المباشرة وغير المباشرة لقرار إلغاء موسح الحج، الذي يعني توجيه ضربة قاصمة لقطاعات السفر والسياحة والفندقة والضيافة والبيع بالتجزئة.
وتشكل عائدات الحج والعمرة مصدرا مهما للميزانية السعودية؛ حيث تعود سنويا على خزينة المملكة بنحو 12 مليار دولار، وفق أرقام رسمي نقلتها وكالة "رويترز". فضلا عن المكاسب التي تحققها القطاعات المرتبطة بالحج، ومنها الأعداد الكبيرة من فرص العمل التي يوفرها الموسم للسعوديين والوافدين.
وتشهد مكة المكرمة والمدينة المنورة رواجا كبيرا خلال الموسم، مع كونهما وجهتي الحجاج لأداء المناسك والوقوف بعرفة، إضافة إلى زيارة قبر ومسجد النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم.
وتزدحم حركة المطارات في جدة والرياض والمدينة باستقبال حجاج الخارج الذين يناهز عددهم مليونا و755 ألفا.
ويأتي السواد الأعظم من حجاج الخارج جوا بنسبة بلغت 94% العام الماضي، في حين جاء 5% من إجمالي الحجاج برا، و1% فقط عبر البحر.
وتنتعش مدن المملكة الأخرى التي يفد منها حجاج الداخل، الذين بلغ عددهم العام الماضي 634 ألف شخص، حسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية.
وتبلغ إجمالي تكلفة الحج بالنسبة للشخص الواحد من حجاج الخارج 5 آلاف دولار في المتوسط، بينما تبلغ تكلفة برنامج الحج العام لحجاج الداخل، نحو 1800 دولار.
وإلى جانب تكلفة الحج، يبلغ متوسط إنفاق الحجاج على السكن والطعام والهدايا نحو 2500 دولار للفرد الواحد.
وينعش الحجيج قطاعات عدة أبرزها تجارة اللحوم (ذبح الهدي)، والمواصلات، والمطاعم، وغيرها من المجالات التي تدر إيرادات كبرى للبلاد.
وتحصد المملكة أرباحا طائلة من استصدار الحجاج لتأشيرات الحج، التي تبلغ قيمتها ألفي ريال سعودي، ما يعادل 533 دولارا.
وينعش موسم الحج حركة تداول الريال السعودي، ويرفع الطلب عليه بقوة في مختلف بلدان العالم؛ ما يقوي العملة السعودية، ويزيد من أرباح شركات الصرافة بالسوق المحلية.
وتفيد تقديرات غير رسمية بأن موسم الحج يوفر سنويا 200 ألف فرصة عمل موسمية، تشمل قطاع الخدمات مثل مرافقة الحجاج، وحراسة المخيمات، وقيادة المركبات، وأعمال النظافة، وكذلك قطاعات النقل، والضيافة، والتغذية، والتجارة، والتسويق.
ووفق تصيحات صحفية لعضو لجنة الحج في الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة، "محمد سعد القرشي"، فإن العوائد المالية لـ300 شركة نقل داخل مكة فقط تعمل في نقل الحجيج وصلت إلى 900 مليون ريال (ما يعادل 240 مليون دولار) خلال موسم حج 2019.
خسائر أخرى
ويعني إلغاء موسم الحج زيادة الضغوط المالية على اقتصاد المملكة، وسط تراجع أسعار النفط، وخسائر قطاع الطيران جراء حظر السفر المفروض بسبب "كورونا".
ويعني تضرر السياحة الدينية، الإبطاء من وتيرة خطط المملكة للتحول إلى مرحلة ما بعد النفط، وبالتالي تراجع فرص تطوير مصادر دخل بديلة للهيدروكربونات.
كان ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" يعول على خطة إصلاح اقتصادي تهدف إلى زيادة عدد الحجاج والمعتمرين إلى 30 مليون سنويا، بما يرفع إيرادات المملكة إلى 50 مليار دولار سنويا.
ويتوقع المحللون أن يعاني اقتصاد المملكة انكماشا حادا جراء إلغاء الحج، في ظل استمرار تراجع أسعار النفط، والكلفة الباهظة لحرب اليمن التي تقودها المملكة ضد الحوثيين، للعام السادس على التوالي.
وإلى جانب الخسائر الاقتصادية، يعني إلغاء موسم الحج، فقدان المملكة لجزء من نفوذها السياسي، باعتبارها وصية على الأماكن المقدسة، وقبلة للحجيج حول العالم سنويا.
ويبدو أن المصائب لا تأتي فرادى؛ فبعد تداعيات الإغلاق الاقتصادي بسبب تفشي "كورونا"، والانهيار الكبير في أسعار النفط، جاء إلغاء موسم الحج ليفاقم من عجز الموازنة السعودية، المتوقع وصوله إلى 80 مليار دولار خلال العام الجاري، مع آفاق قاتمة لدخول اقتصاد البلاد في ركود كبير خلال الأشهر المقبلة.