ليلة غرق مركز الملك عبدالعزيز للإثراء والمعرفة كانت ليلة كئيبة حزينة وهو على بعد خطوات من ليلة الاحتفاء به وتدشينه من قبل خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لم يكن الحزن لمجرد (الخرخرة) التي أصبحت ظاهرة موسمية مألوفة، وإنما كان الألم أن نرى صرحا عظيما تتهاوى قلاعه أمام سرطان الفساد حيث كنا نحسبه عصيّا على الفساد محصنا عنه وإذا به يلحق بما سبقه ويصاب بالداء وهو الذي كان دواء له وترياقا للمصابين به، هكذا كانت قصة العملاق (أرامكو) في ليلة ماطرة كشفت المستور وأسقطت الأقنعة.
ما حدث في مركز الملك عبدالعزيز للإثراء والمعرفة كارثة بحق الوطن وسلوك محبط لجهود الإصلاح ومكافحة الفساد ولن يصلح ذلك الجرح إلا بفتح تحقيق جاد ومحايد وفق القانون حول أسباب تلك الكارثة وتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة حفاظا على المال العام وتدعيما للنزاهة ومكافحة للصوص الذين لا يكترثون بالوطن ولا بمصالحه وإنما يلهثون وراء تورم جيوبهم من المال الحرام، ووثائقنا القانونية قادرة على تجريمهم وإدانتهم إذا ما تحركت المؤسسات القانونية والقضائية في البلد.
في مثل هذه المشاريع يمكن اكتشاف مكمن الخلل وبؤرة الفساد بكل بساطة؛ لأن إجراءاتها من يوم الإعلان عنها ونشر كراسة المواصفات والمقاييس وانتهاء بتسليم المشروع تسليما ابتدائيا ونهائيا مرورا بالإجراءات القانونية من فتح مظاريف ومتابعة التنفيذ؛ كل تلك الإجراءات تتم وفق مسطرة قانونية ومهنية متعارف عليها، فالعقد مع المقاول يكون متضمنا كراسة مواصفات مفصلة ودقيقة لكل جزئية بالمشروع ومتى ما اكتشف ان هناك خللا بتلك المواصفات فإن المساءلة تقع على الشركة المنفذة وكذلك الجهة المشرفة التي أوصت بتسلّم مشروع معيب؛ لأنها هي الجهة الموكل لها فحص التزام المقاول بالمواصفات المتعاقد عليها، أما إذا كان المقاول ملتزما بذات المواصفات ومع هذا حدث هذا العيب في المبنى فإن الجهة المنفذ لصالحها المشروع هي المسؤولة عن ذلك الخلل؛ لأن المواصفات المعلنة في كراسة الشروط والمواصفات لم تكن دقيقة أو أنه تم تعديل تلك المواصفات أثناء التنفيذ وإلزام المقاول بذلك التعديل.
وفي كل الأحوال فإنه من المهم الإعلان عن كل الإجراءات القانونية المعمولة في معالجة تلك الكارثة حتى لا يصاب الناس بالإحباط ويصلوا إلى قناعة بأن القضاء على الفساد كالغول والعنقاء والخل الوفي، مستحيل أن تراها في هذه الحياة الدنيا.
عبدالرحمن اللاحم- عكاظ السعودية-