في هذه الأيام المباركة ونحن نحتفل في المنطقة الشرقية بزيارة قائد الأمة وصمام أمانها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ليعلن لنا تباشير الفرح بتدشين العديد من مشاريع الخير والنماء لهذا الوطن الغالي، الذي ينمو ويتطور بسواعد أبنائه ودعم قيادته؛ كشفت لنا الأمطار التي هطلت -بفضل من الله- على المنطقة اليومين الفارطين عن خلل كبير في مشاريع البنية الأساسية التي يتمُّ تنفيذها في بلادنا، نتج عنها عدة حوادث ودخول مياه الأمطار إلى بعض المنازل وتماسّات كهربائية وسقوط بعض الأشجار واللوحات الإعلانية واحتجاز سيارات وإغلاق الأنفاق، كما أسقطت الأمطار أقنعة الجودة والاحترافية في إنشاء أغلب المشاريع الحيوية وذات القيمة الإنشائية المرتفعة، حتى أن بعضها وصلت تكلفة إنشائه إلى المليارات، فما إن تفتح السماء نوافذها لسقوط مطر الخير على وطننا الغالي وفي كل أرجاء مملكتنا الحبيبة حتى تغرقَ أبراجنا ومنشآتنا الجديدة وشوارعنا ومركباتنا، بل وبيوتنا، في ظاهرة لا توجد إلا في بلدان «تعشّعش» بداخل أجهزتها البيروقراطية والمحسوبيات، لا يكترثون بما يتسبب به إهمالُهُم، من كوارثَ يدفع ثمنها الناس في ممتلكاتهم، شاء القدرُ أن يتعرضوا للأمطار الغزيرة وتُغلق الأنفاق وتمتلئ بمياه الأمطار.
نحتاج إلى وقفة حاسمة وعقاب صارمٍ، لكل من كانت له يدٌ في تنفيذ المشاريع وسوء تصريف مياه الأمطار بهذا الشكل السيء، ولكل من التزم الصمت عن الغش والخداع الذي يمارسه بعض مقاولي الباطن، مقابل حفنة من الريالات؟!
المؤلم والغريب، أن هذا الشيء الكارثي يتكرر ويحدث سنويًّا دون أن تتعظ الأجهزة المعنية، أو تستوعبَ الدرس، ودونَ أن تتحرَّك الأجهزة الرقابية؛ لمحاسبة المسؤولين المتقاعسين عن أداء واجبهم ومهامهم على أكمل وجه، أو وضع حدٍّ لهذا المسلسل المفزع، الذي يكلف خزينة الدولة مليارات الريالات في مشاريع رديئة؟!
والمُثير للتساؤل أيضًا، تلك المليارات التي تُنفق سنويًّا فيما يُسمى بأعمال الصيانة، ليكتشف المواطن أن معظم هذه الأعمال تتمُّ على الورق فقط، ولا علاقة لها بالواقع، والدليل وايتات شفط المياه وتجمعها في الأنفاق والكباري ودخولها إلى المنازل والمدارس والمنشآت.
لقد كشفت لنا الأمطار غيابًا شبهَ تامٍّ لأجهزة متابعة تنفيذ المشاريع ومراقبتها وانفصالَها عن الواقع ومعاناة المواطنين، كما كشفت مدى تجاهل قياداتها وعدم اهتمامِهم بتقارير هيئة الأرصاد، وإهمال فحص غرف «بالوعات» الأمطار في الشوارع، المطر هو كاشف الفساد كما أطلق عليه البعض، ألا يشعر ويحس هذا المسؤول أو ذاك بقرب موسم الأمطار؟ وهل يحتاج إلى أحد ليذكِّرَه به؟ ولماذا يوافق من الأصل على تسلُّمِ مشروعٍ غير جيَّد من حيث التصميم والتنفيذ؟
يمر موسم الأمطار دون أن نستفيد من مياهها ولم نحافظ على هذه النعمة كما في البلدان المتقدمة التي تستفيد من مياه الأمطار بتخزينها، وجعلنا موسم الأمطار رُعبا للمسؤول وللمواطن ليبقى مسلسل تسرب الأمطار وغرق الشوارع والأنفاق مستمرًّا؛ بسبب عجز الأجهزة المعنية عن مواجهة الأمطار واستغلال مياهها -التي تهدر سنويًّا- في مشروعات تعود على المواطنين بالخير والنماء.
من المسؤول عن تسلُّم مشاريع المياه وشبكات الصرف الصحي، وهى سيئة التنفيذ، وغير مطابقة للمواصفات العالمية؟! ومن المسؤول عن بقاء هذه الشبكات «المعطوبة» إن وُجدَت دون علاجِ ما بها من خللٍ ناجم عن سوء التنفيذ والاستخدام؟! وإلى متى يبقى المواطن يُعالج تقصير الأجهزة المعنية بالرقابة والمتابعة في كل سنة من موسم الأمطار والذي يستبشر الناس بالمطر خيرا ويفرحون به ولكن هذا الاستبشار والفرح لا يدوم طويلا؛ لأنه يصبح بعد ذلك مرعبا ومخلفا خسائر مادية وقد تصل الخسارة إلى الأرواح -لا قدر الله-، المطر أضحى قاتلا للفرح، وذلك لكشفه لنا هشاشة البنية التحتية وعدداً من الأخطاء وسوء التنفيذ في مشاريع تصريف السيول، إضافة إلى ضعف مشاريع السفلتة للطرقات والأساليب الخاطئة المتبعة في ردم الحفريات، وشغل مشي حالك؟!
محمد يحيى الشهراني- اليوم السعودية-