حين غرقت المدن كما تفعل كل عام ـ وكما ستفعل في الأعوام القادمة ـ كان خطاب الناس انفعاليا غاضبا وحاقدا على الفساد والمفسدين، وهذا يحدث لأن الناس العاديين الذين لا يعطون كل أمر حقه من التدبر والتأمل والتفكير العميق يكونون عاطفيين ومتسرعين مما يجعلهم يبدون حمقى في آخر المطاف حين تتجلى الحقائق.
كثيرون نظروا إلى نصف النفق الممتلئ ولم يتأملوا النصف الفارغ من النفق، والنصف الممتلئ من النفق يقول إن هذه الأحداث السنوية هي إحدى أبرز الدلائل على سوء الفساد وأنه العدو الأول للتنمية والمعطل الحقيقي لكل الأحلام بغد أفضل.
أما النصف الجميل والفارغ من النفق فيشير إلى العكس تماما، فالفساد محرك رائع للتنمية والاقتصاد وهذه حقيقة الأمر التي لا يراها العامة والدهماء.
تخيلوا أن الأمطار العادية التي زارت الأرض في الأسبوع الماضي وجدت أن أهل الأرض مهدوا لها ممرات ومعابر ومضت في حالها دون أن تتوقف في الأنفاق وتتسلل إلى أحواش الأمانات والبلديات ودون أن يغضبها وجود مدن تعترض مسارها الذي حددته لنفسها قبل أن تغادر السماء.
وبغض النظر عن الملل الذي سيحدث لو أن الأمطار تأتي وتذهب دون أن تؤذي الناس ويؤذونها، فإن الأمر الأهم هو الحراك الاقتصادي الجميل الذي لم يكن ليحدث لو غاب الفساد. فقد كانت الورش والمقاولون وشركات التنظيف ومحلات قطع الغيار ومواد البناء وكثير من القطاعات تعمل بكل طاقتها.
كان الفساد رائعا حتى على المستوى الكوميدي، ولعل أبرز الظرفاء في أحداث الأسبوع الماضي هي أمانة المنطقة الشرقية التي قالت إن كمية الأمطار التي هطلت على المنطقة الشرقية خلال 24 ساعة تعادل حالة مطرية لحدود عام ونصف.
ورغم طرافة هذا التصريح إلا إنه تشويه للفساد فالسبب الحقيقي الذي لم يكن يجعل مياه الأمطار تتجمع في الأنفاق في المنطقة الشرقية هو عدم وجود الأنفاق. ومنذ أن أنشئت الأنفاق في الدمام وهي تمتلئ بالمياه حتى دون وجود المطر.
وعلى أي حال..
لعلنا نؤسس لثورة عالمية في الاستثمار في الفساد وتسويقه، ولن تقل أهمية في حياة الشعوب عن الثورة الصناعية الكبرى.
عبدالله المزهر- مكة السعودية-