لو كنتُ في مكان معالي الدكتور خالد المحيسن رئيس الهيئة الوطنيَّة لمكافحة الفساد (نزاهة)، لآثرتُ الصمتَ بدلاً عن التصريح بأنَّ ثمَّة موظَّفين قد أبلغوا عن حالات فساد، فطالتهم أيدٍ خفيَّة سبَّبت لهم (التعثُّر) في وظائفهم. والتعثُّر هنا مصطلح «مُهذَّب» لقائمة من الأعمال الانتقاميَّة التي يمكن للمتنفِّذ الفاسد توجيهها إلى المبلِّغين الشرفاء؛ حتَّى يخرُّوا صرعى، بل ربما عضُّوا على أيديهم من شدَّة الندم على أدائهم ما يقتضيه المتوجب عليهم شرعًا وعقلاً!
كيف يا معالي الدكتور تُطلق تصريحًا بهذا الحجم المرعب؟! هو في الواقع تحذيرٌ من معاليكم لكلِّ مَن تسوِّل له نفسه فضح ملفات الفساد التي يراها أمام عينه تكبر وهو صامت، وتتوغَّل وهو جامد!! ماذا تتوقَّع (نزاهة) بعد هذا التصريح من رئيسها؟ كيف؟ وأقصى ما لديه هو أنَّ (نزاهة تتعاون مع المُبلِّغين لحمايتهم، وفقًا للإمكانات النظاميَّة المتاحة لديها).
وفقًا للإمكانات النظاميَّة المتاحة، وتحتها 20 خطًّا لا تطمئن المبلِّغ، ولا تشجِّع -حتمًا- على كشف ملفات الفساد، طالما أنَّ حماية المُبلِّغ تتمُّ وفقًا للمتاح، والمتاح فقط. أمَّا وراء ذلك، فمسؤوليَّة المُبلِّغ، ولا يلومنَّ مُبلِّغ إلاَّ نفسه إن أصابه شرٌّ، أو ناله أذى.
اقتراحي أن تُقلِّص نزاهة عدد موظَّفيها، أو تمنحهم إجازات مفتوحة؛ لأنَّ عدد المُبلِّغين سيتناقص بدرجةٍ مريعة بعد اليوم. وأمَّا كشوف (نزاهة) عن الفساد عن طريق اجتهاداتها وموظَّفيها، فقد سبقها إليها أجهزة أخرى، منها المباحث الإداريَّة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وديوان المراقبة، والمراقبون الماليُّون، وغيرهم.
كم هو صعب أن يشعر الأمينُ التقيُّ المطَّلعُ على الفساد بأنَّه وحيد مُعرَّض للخطر إنْ بلَّغ؟ وفي الوقت نفسه هو مُعرَّض لغضب الله إنْ سكت! لماذا هذان الخياران المتناقضان؟.
كنتُ أتوقَّع أنْ يعمل رئيس نزاهة في صمت بالغ، وبجهد دؤوب لاستصدار آليَّات واضحة صارمة لحماية المُبلِّغين من أيِّ انتقام، ذلك أنَّ هؤلاء المُبلِّغين يتحدَّثون باسم الوطن كله، ويُقدِّمون خدمات جليلة للوطن كله.
هؤلاء أمانة في أعناق كلِّ الشرفاء المخلصين؛ لذا فحمايتهم من أيِّ تعسُّف واجبٌ لا لَبْسَ فيه، ولا مِنَّة.
سالم بن أحمد سحاب- المدينة السعودية-