الرشوة هي العمود الفقري للفساد، فهو مال يُمنح أو خدمة تقدم مقابل غض الطرف عن تقصير مؤكد أو لتمرير فاتورة أو مستخلص. وفي أحيان كثيرة يكون المنجز جيداً، لكن المرتشي يصر على مشاركة صاحب الحق في مستحقاته، فيمسك هذا الحق عن طريق تعطيل إجراءات الصرف تعطيلاً يبدو نظامياً، بل ربما استطاع إقناع البعض بأن سيادته غيور على مصلحة الجهة أو المنظمة، وأنه لا يؤدي إلاّ دوره النظامي وواجبه «الوطني».
لكن معظم الرشاوى تنبع من وقائع غض الطرف عن المهازل والمآسي التي يمارسها منفذ الخدمة أو المشروع بدءاً بنقل التنفيذ من (باطن) إلى (باطن) حتى تنتهي إلى ذلك الذي ينفذ المشروع مقابل المال القليل الذي يصله، وهو يعلم كم من المال الكثير وصل جيب الهامور الكبير.
ورشاوي الخدمات والبت في المعاملات هي الأخرى شائعة، وإن كانت مبالغها أقل بكثير! والأجمل من ذلك أن وسائل التقنية الإلكترونية الحديثة قد سدت كثيراً من أبوابها، فما عاد لذلك الاحتكاك البشري سبيل، بل كل يعمل على راحته، يقضي حاجته عبر شاشة إلكترونية.
لكن يظل السؤال الكبير! إلى متى ننتظر مبادرة المواطن للكشف عن هذه الجرائم المروعة في حق الإنسان والمكان؟ والحقيقة إن كثيراً من الناس يحجم عن الكشف والتبليغ، إما خوفاً وخشية، وإما فساداً في الأصل وتحايلاً على نظام أو إجراء.
الخوف مبعثه ضياع المصلحة، فالانطباع السائد أن عملية التبليغ تعني حتماً تعطيل المعاملة لعدة أشهر، كما قد تستلزم جولات من التحقيق وإعادة التحقيق والمساءلة ومواجهة المرتشي والدخول في دهاليز المحاكم وغرف التحقيق. ولذا يستسهل الضحية الدفع والصمت رغبة في الانتهاء وقضاء المطلوب، وربما أوَّلَها بعضُهم تحت مفهوم: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
وأما الفاسدون بطبيعتهم، فلا يمانعون من الدفع أصلاً كي يخترقوا النظام ويظفروا بما لم يظفر به الآخرون.
أخيراً عسى أن يكون من أسلحة مواجهة هذه الآفة مبادرة الجهات المخولة مثل المباحث الإدارية الاستعانة بمؤسسة النقد التي من اليسير عليها مراقبة الملايين التي تدخل في حساب من لم يملك منها شيئاً يوم أن كان على الأعتاب يحلم بأن يكون موظفاً.
سالم بن أحمد سحاب- المدينة السعودية-