أكدت مصادر عليا مطلعة لـ ”الرياض” بأنه لم يجر محاكمة أي وزير أو التشهير به منذ صدور نظام محاكمة الوزراء قبل ٥٨ عاما أي منذ ١٣٨٠هـ، مشيرة إلى أن نظام محاكمة الوزراء في المملكة حدد ثماني مواد في نظام المملكة وعددا من الإجراءات القانونية والتحقيقية والقضائية، ضد الوزراء المتهمين في قضايا فساد وسوء استخدام سلطة.
إذ قرر النظام معاقبة الوزير المتجاوز وموضع الاتهام بالسجن لمدة تتراوح من ثلاث إلى عشر سنوات في حال ارتكب عددا من المخالفات، ويترتب على الحكم بإدانة الوزير، عزله من منصبه وحرمانه من تولي الوظائف العامة أو أية وظيفة، كما يوجب النظام على الوزير رد ما أفاده من جريمته، وتأليف لجنة تحقيق من وزيرين أو من في مرتبتهما وعضو شرعي برتبة رئيس محكمة كبرى على الأقل ورفع تقرير بالدراسة خلال ٣٠ يوما.
وبعد التحقيق مع الوزير يتخذ مجلس الوزراء قراره، إذا قرر الاتهام عمد إلى تشكيل هيئة المحاكمة، وفي حالة الاتهام يجرى تبليغ المتهم، كما يحق لمجلس الوزراء عند إقراره إحالة المتهم إلى المحاكمة أن يقرر حبسه احتياطاً لحين انعقاد أول جلسة من جلسات هيئة المحاكمة.
هذا وأعطى النظام الحق لمجلس الوزراء في إصدار قرار بكف يد المتهم عن العمل إلى أن يفصل في أمره، مع إيقاف صرف رواتبه، وعند المحاكمة تشكل هيئة خاصة لمحاكمة الوزير مكونة من ثلاثة وزراء يرأسهم الأكبر سناً وعضوين شرعيين برتبة رئيس محكمة كبرى على الأقل.
القضاء يتدخل في هذه الحالة
فيما كشف الناطق الرسمي باسم وزارة العدل منصور القفاري لـ ”الرياض”، عن دور وزارة القضاء في محاكمة الوزراء، الذي يكمن في حال صدور حكم بعقوبة القتل من الهيئة المشكلة لمحاكمة الوزير، حيث إنه في حال كان الحكم صادرًا بالأغلبية وليس الإجماع، فتحال القضية إلى القضاء للبت فيها، وفقاً لما جاء في نظام محاكمة الوزراء.
وأفاد القفاري: أن نظام محاكمة الوزراء الصادر بالمرسوم ملكي رقم 88 وتاريخ 22/9/1380هـ، نص على أن يقوم رئيس مجلس الوزراء بتأليف لجنة تحقيق من وزيرين أو من في مرتبتهما وعضو شرعي برتبة رئيس محكمة كبرى على الأقل، مؤكداً أن لجنة التحقيق تتولى دراسة الموضوع والتحقيق فيه، وترفع تقريراً بنتيجة ذلك، كما نص النظام على أن تتولى محاكمة الوزراء هيئة تشكل من "ثلاثة وزراء" يختارهم مجلس الوزراء بطريق القرعة، وعضوين شرعيين برتبة رئيس محكمة كبرى، على الأقل.
حزم ملك
وتأتي هذه الخطوة الأولى من نوعها تأكيداً على حزم القيادة في محاسبة كل من أساء استخدام السلطة وانتفع بها لمصالحه الشخصية، وفي المملكة أوليت جريمة إساءة استخدام النفوذ اهتماماً مبكراً، وورد لها تنظيم محدد من حيث العقوبات المقررة لها، وكانت ضمن مفهوم (استغلال النفوذ)، حيث نصت المادة الثانية من المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 19/11/1377هـ الفقرة (أ) على: "معاقبة كل موظف يثبت ارتكابه لجريمة استغلال نفوذ وظيفته لمصلحة شخصية في داخل الدائرة أو خارجها، وذلك بسجنه لمدة لا تزيد عن عشرة سنوات أو بغرامة لا تزيد عن عشرين ألف ريال".
كما نصت الفقرة الخامسة من هذه المادة على: "تطبق هذه العقوبة على من يسيء الاستعمال الإداري، كالعبث بالأنظمة والأوامر والتعليمات على غير وجهها الصحيح أو غير موضعها بقصد الإضرار بمصلحة حكومية لقاء مصلحة شخصية، واستغلال النفوذ أياً كان نوعه في تفسير الأوامر وتنفيذها عن طريق مباشر أو غير مباشر".
كما نصت الفقرة الثامنة من هذه المادة على: "تطبق هذه العقوبة على من يسيء المعاملة أو يقوم بالإكراه باسم الوظيفة، كالتعذيب أو القسوة أو مصادرة الأموال، وسلب الحريات الشخصية، ويدخل في ذلك التغريم، والتنكيل، والسجن، والنفي، والإقامة الجبرية في جهة معينة، ودخول المنازل بطريقة غير نظامية مشروعة، والإكراه على الإعارة أو الإجازة أو البيع أو الشراء، وتحصيل ضرائب تزيد على المقادير المستحقة نظاماً".
كما نصت المادة الثالثة من المرسوم على أنه: "يحكم على من تثبت إدانته بالتعويض المناسب لمن أصابه ضرر، وترد المبالغ التي أخذت بغير وجه شرعي إلى أربابها".
ثم صدر المرسوم الملكي رقم 15 في 7/3/1382هـ، الخاص بنظام مكافحة الرشوة الذي حل محله النظام الحالي للرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/36) لعام 1412هـ، والذي عالج هذه الجريمة بصورة منفردة عن بقية جرائم إساءة استعمال السلطة.
ولما صدر نظام الخدمة المدنية عام 1397هـ، جاء النص صريحاً بتجريم إساءة استعمال السلطة، حيث نصت المادة (12/1) من هذا النظام على: "أنه يحظر على الموظف إساءة استعمال السلطة الوظيفية"، والفقرة (ب) حظرت استغلال النفوذ، كما نصت المادة (12/1) من اللائحة التنفيذية للنظام على: "أنه يحظر على الموظف استعمال سلطة وظيفته ونفوذها لمصالحه الخاصة"، وكانت هذه النصوص صريحة في تجريم إساءة استعمال السلطة وتمييزها عن جرائم استغلال النفوذ.
لا أحد فوق الحساب
وانتهجت المملكة نهج المحاسبة والعقاب، وأنه لا يوجد لديها من هو فوق الحساب، ولذلك استحدثت هيئة وطنية لمكافحة الفساد من أهم مهامها التحقيق والتحري والبحث في قضايا الفساد، وقد رفعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" بعد اتخاذ الإجراءات النظامية إلى المقام السامي الكريم، قبل شهر من الآن، نتائج تحرياتها وتحققها بشأن ما تم تداوله في وسائل الإعلام حول "توظيف ابن وزير الخدمة المدنية سابقاً خالد العرج بطريقة غير نظامية"، وما اكتشفته الهيئة بشأن مخالفات تعاقد عدد من الوزارات مع مواطنين برواتب عالية.
وأوضحت نزاهة في بيانها بأنها باشرت مهام أعمالها بالتحرّي والتحقق مما نُشر في وسائل التواصل الاجتماعي، والبلاغات التي تقدم بها عدد من المواطنين في الموضوع ذاته، وتبيّن لها أن تلك التعاقدات مؤقتة، وتمت على "برنامج استقطاب الكفاءات المتميزة"، وبمراجعة إجراءات التعاقد مع ابن وزير الخدمة المدنية السابق، اتضح للهيئة أن وزارة الشؤون البلدية والقروية تعاقدت معه ولم تلتزم في العقد المبرم معه ببعض الضوابط والشروط النظامية اللازمة للتعاقد وفقاً للبرنامج.
وتمثلت تلك المخالفات في عدم قيام وزارة الشؤون البلدية والقروية بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية حيال تحديد المقابل المالي المقرر له للاسترشاد بذلك، ولضمان التناسب في الأجر المحدد مع الخبرة المهنية والتخصص والأجر المقابل لذلك في سوق العمل، وعدم استكمال إجراءات الفحص الطبي، وعدم الالتزام بالسن المحدد للتعاقد وهو أن لا يقل عن 33 سنة.
نهج شفاف
وتعد خطوة المملكة في التشهير والمحاسبة، تأكيداً على انتهاجها مبدأ الشفافية الذي أكدت عليه الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتنظيمها، ورؤية 2030 الطموحة، كما أنها أعطت المواطن قيمته في كونها شريكا حقا في كل مقدرات الدولة، وعنصرا مساندا وهاما في أن يمثل دور الرقيب أمام المسؤول.
خطوة ردع
فيما رأى عضو مجلس الشورى د. محمد الخنيزي: بأن قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في محاكمة وزير الخدمة المدنية السابق خالد العرج يعد قرارا تاريخيا وهاما بالنسبة لمكافحة الفساد، مؤكداً في ذات السياق إلى أن المملكة لديها أنظمة قوية وقوانين في هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة مكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة وجهاتها المسؤولة، وما كان ينقص خلال الفترة الماضية هو التفعيل الذي كنا نفتقره.
وقال الخنيزي: قرار إحالة الوزير للتحقيق، تعد خطوة مهمة جداً وسوف تكون رادعة لجميع المسؤولين على كافة المستويات في عدم استخدام نفوذهم من أجل الحصول على مصالح ومنافع شخصية وتوظيف أقارب وما شابه، بحيث يؤثر على النظام الأساسي للحكم الذي يؤكد على أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، مشيراً إلى أننا في مرحلة الشفافية والثواب والحساب، ومرحلة تعد رادعة لجميع المسؤولين مستقبلاً، بأن يتم الأخذ بعين الاعتبار أنهم لن يفلتوا في المحاسبة في حال استخدموا نفوذهم للحصول على منافع ومكاسب شخصية، معتقداً أن الوزير العرج يعد فاتحة لمحاكمة أي وزير حوله شكوك في سوء استخدام السلطة.
الرياض السعودية-