أراب دايجست- ترجمة شادي خليفة -
مع استمرار المملكة العربية السعودية في تنفيذ برنامجها للإصلاح الاقتصادي، فإنّها تزيد من مستوى الشفافية، وهي خطوة حظيت بالثناء من صندوق النقد الدولي، بعد أن أنهى مهمته في المملكة. وقال تقرير صندوق النقد الدولي الذي نُشر في 17 مايو/أيار:
«إنّ الخطوات الأخيرة لزيادة شفافية السياسة المالية من خلال نشر برنامج الميزان المالي وتقرير ميزانية الربع الأول موضع ترحيبٍ كبير. ومن شأن زيادة الشفافية أن تساعد الشركات والمستثمرين من القطاع الخاص على التخطيط بشكلٍ أفضل لقراراتهم المتعلقة بالاستثمار والعمل».
وفي الوقت نفسه، كانت هناك أشياء غريبة تحدث في البيانات الاقتصادية السعودية الرسمية عبر الإنترنت، مما يثير تساؤلاتٍ حول الحالة الحقيقية لاقتصاد المملكة.
وفي وقتٍ سابقٍ، نشرت الهيئة العامة للإحصاء في المملكة تقريرها السنوي لعام 2016 بأرقامٍ جديدة أكبر بكثير من إيرادات السعودية التي سبق نشرها، عن القطاعين النفطي وغير النفطي.
وتشير الأرقام الجديدة إلى أنّ الإيرادات الحكومية الفعلية في عام 2016 بلغت 1.038 مليار ريال أو 277 مليار دولار أمريكي، أي أكثر من ضعف الرقم الرسمي السابق بنحو 140 مليار دولار أمريكي.
وتشتمل أرقام الغاز الجديدة على أرقام أعلى بكثير مما كان يُعتقد سابقًا بالنسبة للعائدات غير النفطية والتي أعلنتها الحكومية السعودية، بقيمة 437408 مليون ريال سعودي (حوالي 120 مليار دولار أمريكي) بينما كانت العائدات غير النفطية وفقًا لبلومبرغ عن عام 2016 حوالي 199 مليار ريال سعودي ( 53 مليار دولار).
واسترعى هذا انتباه النشطاء السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه هذه التناقضات الهائلة وغير المبررة، وهذا ما دفع لتغيير البيانات على موقع «غاز» على شبكة الإنترنت بسرعة، بحيث تم إعادة النسخة الرسمية القديمة مرة أخرى.
ومع ذلك، لم يتم تغيير جميع الأرقام الواردة في كل وثيقة، وفي وقت كتابة هذا التقرير، لا يزال من الممكن العثور على الأرقام الأعلى في التقرير السنوي لعام 2016.
ويقول منتقدو الحكومة أنّ الأرقام الجديدة دليلٌ على الكسب غير المشروع من قبل العائلة المالكة على نطاقٍ واسع، وأنّ 500 إلى 600 مليار ريال سعودي (133 مليار دولار أمريكي) تفقد من الميزانية سنويًا.
وهم يزعمون أنّ ما حدث في هذه الحالة هو أنّه مع انفتاح المملكة استعدادًا للاكتتاب العام الخاص بشركة أرامكو، أصبحت بعض أجهزة الدولة شفافة بشكلٍ أسرع من غيرها، وهذا ما سمح عن غير قصد بكشف تلك الأرقام.
الأقل شفافية
فما هي الحقيقة حول إيرادات الحكومة السعودية وإنفاقها في المملكة؟
استطاع السعوديون مناقشة قضايا الضرائب وتدابير التقشف الأخرى في الفضاء الإلكتروني، منذ أن استُحدثت عام 2015.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، نشر خبيرٌ اقتصاديٌ سعودي يدعى الدكتور «حمزة سالم» تدوينة على الإنترنت، نشرها في موقعه الإلكتروني بعنوان «ما هي الحقيقة وراء اختفاء تريليون ريال من خزينة الدولة؟».
وقال الدكتور حمزة أنّه وفقًا لأرقام الحكومة نفسها، فقد اختفت 1.1 تريليون ريال (267 مليار دولار) في 18 شهرًا من خزائن الدولة. وبعد بضعة أيام، اتُهم الدكتورة «حمزة» بالتشهير، ولكن بعد غضبٍ شعبيٍ على تويتر، تم إسقاط القضية ضده.
واستمر النقاش على الإنترنت. وقد دعمه البعض، وقال آخرون أنّه قدم أرقامًا خاطئة، أو فسر البيانات الرسمية بشكلٍ خاطئ. وقال الدكتور «حمزة» أنّه لا يستخدم سوى أرقام الحكومة الخاصة، التي ربما تكون مخطئة على أي حال.
وقبل خمسين عامًا، كانت الرواتب العائلية الملكية لا تزال مدرجة في ميزانية الدولة.
وقد تم التخلي عن هذه الممارسة منذ فترة طويلة، وأصبحت المملكة العربية السعودية اليوم في المرتبة الأخيرة في العالم في شفافية الموازنة.
والأكثر إثارة للدهشة، هو أنّه لا يبدو أنّ هناك في الغرب، على الأقل، أي حكوماتٍ أو مؤسساتٍ مالية أو وكالات تصنيف، تحاول أن تعول على ما تنفقه العائلة المالكة. وبالنظر إلى أنّ المبلغ قد يكون كبيرًا جدًا، فقد يكون عاملًا مهمًا عند تقييم الصحة العامة للاقتصاد السعودي.
لكنّ المراسلات الحكومية التي أطلقتها ويكيليكس تُظهر أنّ الحكومة الأمريكية تحاول تقدير حجم دخول الأسرة المالكة. ومن المفترض أنّ المبالغ المعنية قد ازدادت كثيرًا منذ أن كُتبت هذه المراسلات السرية عام 1996.
وفي سبتمبر/أيلول عام 2015، نشر حفيدٌ مجهول الهوية لابن سعود رسالة تدعو إلى سقوط الملك، وحذر فيها من أنّ أموال كبيرة تتعرض للاختلاس من قبل الدائرة الداخلية للأسرة المالكة. وذكرت الرسالة أنّ القيادة قد استولت على مبلغ 160 مليار دولار أمريكي (600 مليار ريال سعودي) مع مبلغ إضافي قدره 100 مليار دولار أمريكي (375 مليار ريال سعودي)، يزعم أنّه سيذهب مباشرةً إلى «محمد بن سلمان» وإخوته تركي وخالد ونايف وبندر وراكان. كما ادّعي أنّ عائدات مليوني برميل يوميًا من النفط الخام يتم إرسالها إلى حساب «محمد بن سلمان» باسم الملك.
وتُنكر الحكومة السعودية حصول الأسرة المالكة على أي دخل على الإطلاق من شركة أرامكو.
وتشير استطلاعات الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنّ العديد من السعوديين لا يصدقونهم.