ياسين السليمان - الخليج أونلاين-
أثار افتتاح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مشروع "نيوم" العصري في 24 أكتوبر 2017، العديد من الشكوك حول المشاريع التي أعلنتها المملكة طيلة السنوات الماضية، وإمكانية تنفيذها في ظل العجز الكبير بالموازنات المالية السنوية.
حيث يعزز تلك المخاوف تعثر أو تأخر أو إلغاء عشرات المشاريع المفترض إنجازها قبل سنوات، منها المركز المالي في الرياض، أو ما تعرف بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ومبادرة الغاز السعودية، وأخرى وضعت في الأجندة لكنها ذهبت أدراج الرياح.
ومنذ إعلان مشروع المدينة الاقتصادية في يناير من العام 2006، تسعى المملكة لأن تكون واجهة الرياض المالية، حيث يتميز المشروع بتنوع خدماته وتصاميمه الخارجية، التي تتضمن أبراجاً سكنية ومكاتب عمل، ومناطق ترفيهية، ومواقف للسيارات، وجسوراً مظللة للمشاة، فضلاً عن مترو يربط بنايات المركز معاً.
وتحاول المملكة، منذ إعلان رؤية المملكة الاقتصادية 2030، الخروج من شبح الأزمة المالية التي تعيشها من جراء انهيار أسعار النفط، منذ العام 2014؛ من خلال إطلاق مشاريع لتنويع اقتصادها بدل الاعتماد على النفط، إلا أن إعلان الحكومة مؤخراً مراجعة أهداف رؤية المملكة أحبط الكثير من الشركات والمستثمرين، بدواعي أن الخطة "غير واقعية"، حسبما نقلت "فايننشال تايمز" عن مستشارين في الحكومة السعودية في سبتمبر الماضي.
- المدينة الاقتصادية
منذ إعلان المشروع يشكك مختصون واقتصاديون في إمكانية تنفيذ الرياض للمدينة الاقتصادية كما هو معلن، أو حتى نجاحه في ظل المناخ الاقتصادي "المتأزم"، لا سيما أن "مجموعة بن لادن" مقاول المشروع، لا تزال تلاحقها أزمة تنفيذ المشاريع منذ عام 2015 على خلفية سقوط رافعة الحرم، ومنعت من تنفيذ المشاريع حتى اكتمال التحقيقات لتعود للعمل، لكنها لم تعد كما كانت سابقاً، إذ أنهت خدمات أكثر من 70 ألف موظف، وتعرضت لخسائر تجاوزت 200 مليار ريال سعودي.
وكان من المفترض أن يدشن مركز الملك عبد الله المالي أولى مراحله في عام 2016، إلا أنها تأجلت بسبب الظروف المالية الصعبة التي تعانيها المملكة بعد أزمة أسعار النفط عام 2014، ليعلن موقع "مشاريع السعودية" الحكومي في يوليو 2017 بأن المركز المالي معروض للبيع بعد تعثر الشركة المشرفة على المشروع وتفاقم مشاكلها المالية مع المقاولين.
وفي خضم المشاكل التي تعاني منها الكثير من المشاريع في المملكة، تساءل مجلس الشورى السعودي في يوليو الماضي عن مركز الملك عبد الله المالي، وعن وضعه الحالي، وملكيته، وأسباب تأخر إنجازه، لتجيب المؤسسة العامة للتقاعد، المالكة للمشروع، عن هذا التساؤل بأن "أعمال المشروع متوقفة حالياً بسبب مطالب المقاولين بحقوقهم، وتجري مفاوضات مع صندوق الاستثمارات العامة لشراء المركز، وتقييمه من جهات خارجية"، بحسب "موقع مشاريع" السعودي.
ووسط تناقض يبدو واضحاً، وضبابية تحيط بمستقبل المشروع، أعلن المدير المكلف بإدارة المشروع، سلمان البيز، لوكالة "رويترز"، في أبريل الماضي، أن المرحلة الأولى من المشروع ستبصر النور خلال شهر يونيو أو يوليو من العام الجاري، إلا أنه تأجل إلى نهاية العام 2017، من دون ذكر الأسباب.
ليس المهم أن يتأخر المشروع بضعة أشهر ليكتمل ويكون مشروعاً ناجحاً وعصرياً كما هو مخطط له، لكن اللافت أن المرحة الأولى من المشروع التي أعلن عنها البيز تمثل 20% فقط من حجم المشروع الكلي الذي تجاوزت عملية بنائه 10 سنوات، ويضم مركزاً للمؤتمرات ومسجداً ذا طراز معماري عصري.
- أزمات تحتاج إلى حلول
لم يعد خافياً على أحد تأخُّر وتعثر المشاريع الحكومية، التي أعلن عنها على الأقل خلال الـ20 عاماً الماضية، مع وجود مشاريع تنموية مهمة معطّلة في جميع القطاعات، حيث يستغل المديرون والمشرفون على المشاريع بشكلٍ "بشع" بنود أنظمة ترسية المشاريع، والمناقصات، والمشتريات الحكومية القديمة البالية، ويسندون مهام الإشراف عمداً لغير القادرين، ويسمحون بتمرير مقاولي "الباطن" غير الأكفاء، وفتح المجال أمام الممارسات المنحرفة التي يبرع بها هؤلاء، بحسب ما تذكر صحيفة "سبق" السعودية في مقال نشر يوم 10 فبراير 2014.
وفي ظل البيروقراطية الحكومية التي توصف بـ"الطاردة للاستثمارات"، تواجه العديد من المشاريع في المملكة العديد من المشاكل بسبب الإجراءات الحكومية المعقدة في اتخاذ القرارات، وهو ما يسبب تأخر افتتاح المشاريع، أو الحيلولة دون تنفيذها وافتتاحها في موعدها المحدد، حسبما يذكر سلمان البيز، مدير مشروع المركز المالي.
وتبني المملكة آمالاً عريضة على المركز المالي أو المدينة الاقتصادية، إذ تشير خطة المشروع إلى إمكانية إصدار الشركات المسجلة في المركز تأشيرات دخول إلى المملكة، والحصول على تراخيص من السلطات عبر مكاتب مخصصة داخل المركز دون الحاجة لمواجهة التعقيدات لدى الجهات الحكومية.
كما تطمح الرياض من خلال المدينة الاقتصادية إلى منافسة مركز دبي المالي العالمي وجذب المزيد من الاستثمارات.
ويذكر موقع "مشاريع السعودية" أن المملكة رصدت للمشروع، الذي يقع على مساحة مليون و608 آلاف و29 متراً مربعاً، ميزانية قيمتها 27 مليار ريال سعودي (أكثر من 7.2 مليارات دولار)، وشرعت في التنفيذ 10 يناير 2006. فيما حذر خبراء من تأخر إنجاز المشاريع الضخمة، التي تعتمد سنوياً في الموازنات، وتم وضع نفقاتها إلا أنها لم تكتمل بعد.
- مشاريع معطلة
في ديسمبر 2014، قدرت هيئة الرقابة الإدارية عدد المشاريع المعتمدة حكومياً ولم تنفذ في موعدها، بما يتجاوز 3 آلاف مشروع، أهمها مشاريع الإسكان التي رُصدت لها نحو 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار) عام 2012، ولم ترَ النور، وكذلك مشاريع بناء أكثر من 12 نادياً رياضياً ومشاريع الصرف الصحي، وتطوير الطرق المتعثر في مدينة جدة ومكة المكرمة والرياض، فضلاً عن مشاريع المدن الصناعية.
ومع الإعلان المتواصل للمشاريع الطموحة والعملاقة في المملكة، تكمن مشكلة تعثر أو تعطل المشاريع الحكومية في عجز القطاع الخاص عن مواكبة الكم الهائل من المشاريع المعتمدة، كما أن الإنفاق العام يفوق قدرة وتحمل الاقتصاد المحلي بشكل كبير، كما يفوق قدرة قطاعات الإنشاءات على التعامل مع مشروعات التنمية، فضلاً عن عوامل فنية أخرى.
وفي نوفمبر عام 2016، أوقف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في السعودية، برئاسة محمد بن سلمان، التعاقد على تنفيذ مشاريع تصل قيمتها إلى تريليون ريال (266.6 مليار دولار)، لأن حجم الإنفاق عليها "لا يتناسب مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها"، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس).
وحول أسباب تعثر المشاريع في المملكة، وجدت دراسة أعدها معهد الإدارة العامة مع وزارة البلديات والشؤون القروية السعودية، ونشرت نتائجها عام 2014، أن 30% من المشاريع فقط تتمتع بقدر كافٍ من المشرفين، بينما تعاني 50% من المشاريع من تدني مستوى كفاءة المقاول أو مدير المشروع، وبلغ حجم التراكمات السلبية على المشاريع أثناء التنفيذ 77%، كما أظهرت الدراسة عدم التزام المقاولين في تنفيذ المشاريع بنسبة 40%.
وفي ظل تلك الظروف التي تقف حائلاً دون تنفيذ المشاريع على الأغلب في موعدها، تواجه شركات المقاولات الكبيرة في المملكة، مشكلة حقيقية في توفير أيادٍ عاملة لإنهاء تلك المشاريع في وقتها المحدد، في حين شددت الحكومة إجراءات منح التأشيرات للعمالة الأجنبية، وفرضت ضرائب مرتفعة عليهم، في وقت لا يفضل فيه السعوديون العمل في مجال البناء.
- مبادرة الغاز السعودي
في أبريل الماضي، أعادت محادثات شركة النفط السعودية "أرامكو" إلى الأذهان مجدداً محادثات الرياض نهاية التسعينيات وأوائل العقد الماضي، مع شركات عالمية كبرى، حول ما بات يعرف باسم "مبادرة الغاز السعودية"، التي جُمّدت بسبب تصاعد الخلافات بين الأطراف المشاركة على نسب وعوائد الاستثمار.
وفي ديسمبر عام 2003، دعت السعودية شركات النفط الكبرى المتعددة الجنسيات، وفي مقدمتها "إكسون موبيل" و"رويال داتش" و"شل"، إلى تقديم مقترحات بشأن الاستثمار في ثلاثة مشروعات قيمتها 25 مليار دولار، إلا أن المملكة تراجعت عن المبادرة، وتركت الموضوع مغلقاً حيث كانت تطمح إلى تعزيز مواردها المالية عبر المؤسسات النفطية.
وقدمت المملكة- صاحبة سادس أكبر احتياطيات للغاز في العالم- تنازلات إلى تلك الشركات؛ للتغلب على المأزق بشأن المناطق المعروضة للتنقيب عن الغاز الطبيعي ومعدلات العائد على الاستثمار، إلا أن شركة إكسن موبيل الأمريكية تخلت عن مشروع تطوير احتياطيات ضخمة للغاز في السعودية، بحسب ما نقلت مجلة فوربس عن (لي ريموند) الرئيس التنفيذي للشركة حينها.
وأجبر تخلي إكسن موبيل عن تطوير المشروع منذ 19 عاماً المملكة على تجميد المشروع، لينضم إلى قائمة مشاريع حكومية مجمدة أو متعثرة لم تنجز رغم وضع الخطط والموازنات المالية الضخمة لها.
- تساؤلات دون إجابات
تطرح الصحف السعودية وخبراء مال واقتصاد على الدوام العديد من التساؤلات حول المبادرة، التي كانت الرياض تخطط من خلالها لتوفير مليون وظيفة، حيث طرحت صحيفة "عكاظ" السعودية العام الماضي تساؤلات وتبحث لها عن إجابات من الجهات الحكومية قائلة: "بعد مضي 18 سنة من عمر المبادرة، و12 سنة من توقيع هذه الاتفاقات.. ما الذي حصل؟ وهل صرح مسؤول واحد عن سير أعمال هذه الشركات والبرنامج الزمني؟.. ماذا تحقق من اكتشافات واستثمارات وتوظيف على الأقل؟".
وأضافت: "مشروع وطني وعملاق وبهذا الحجم الاستراتيجي، لماذا لا تتكرم وزارة الطاقة بإصدار بيان رسمي أو التحدث إلى الناس بشفافية، على الأقل بنفس الطريقة التي كانت تتحدث معهم أثناء المفاوضات والمرحلة التي صاحبت وتلت توقيع العقود؟ فقط لنعرف الحقيقة من مصادرها!!".
وتنتقد الصحيفة السعودية الصمت المطبق من الجهات الرسمية، حول توضيح أسباب الانسحابات المتوالية للشركات الأجنبية من المشروع، في ظل تزاحم الأخبار في الصحف العالمية ووسائل الإعلام الأخرى بالمعلومات المنسوبة لهذه الشركات، حيث ذكرت وكالة "رويترز" في يوليو عام 2016، أن "رويال داتش شل" قد أسدلت الستار حول استثماراتها في مشروع تطوير الغاز السعودي، وأن ثلاث شركات أجنبية أخرى هي: "إيني" الإيطالية، و"ريسبول" الإسبانية، و"توتال" الفرنسية، قد تخلت تماماً عن التنقيب عن الغاز في المملكة.
كما وجهت صحيفة "سبق" المحلية تساؤلاتها للجهات الحكومية مطلع العام 2014، تبحث عن إجابات مقنعة، قائلة: "مَن المسؤول عن تعثر المشاريع، وعدم التنفيذ في المواعيد المحدّدة، وضياع الملايين من الريالات من مكتسبات الوطن والمواطن، وإضعاف الجوانب التنموية لبلادنا القادرة على تعزيز أمن المجتمع واستقراره والعيش الكريم للمواطنين؟".
وتقول إن "تعثر المشاريع الحكومية أصبح ظاهرةً تنموية في المملكة، وتحوّل لإشكالية تعصف بخططنا الاستراتيجية، ولا ترتقي إلى مستوى التطلعات والآمال مما يتطلب مناقشتها بشفافية وموضوعية على أعلى المستويات الإدارية في الجهات المعنية".
ومع هذا الكم الهائل من المشروعات المعلن عنها خلال العقدين الماضيين دون تنفيذ، يطرح التساؤل عن إمكانية أن يشكل مشروع "نيوم" العملاقة قفزة بالمشاريع السعودية العصرية والطموحة التي أعلن عنها منذ سنوات ولم تبصر النور بعد.