ملفات » الفساد في السعودية

الفجوة الغامضة.. أين تذهب عائدات 2 مليون برميل نفط سعودي يوميا؟

في 2017/11/03

نيك ستادميلر - أراب دايجيست-

في مقابلة لرويترز حول مدينة نيوم العملاقة في المملكة العربية السعودية، صرح ولي العهد، «محمد بن سلمان»، بأن اكتتاب أرامكو يسير على ما يرام، وسيعززه مشروع جديد بقيمة 500 مليار دولار في المدينة العملاقة، وتحدث عن موضوعات أخرى مثل أمله في جذب المستثمرين، واتفاق أوبك، وأزمة قطر، وحرب اليمن. وقال: «نسير في الطريق الصحيح إلى عام 2018 … سيتم افتتاح الاكتتاب العام في 2018 ... ولكن (تفاصيل) الإدراج لا تزال قيد المناقشة ... سيتم طرح نيوم في الأسواق كأول أول مدينة رأسمالية في العالم ... هذا هو الشيء الفريد الذي سيكون ثوريا في المدينة ونموها».

وجاءت المقابلة بعد تقرير يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، قال إن أرامكو السعودية تنظر في وضع خطط أولية لإدراج قائمة دولية لبيع أسهم خاصة، ربما في الصين. ومع عدم وجود تأكيد حول سوق الأوراق المالية التي سيتم إدراج أرامكو فيها، هناك تكهنات كانت قد انتشرت في الأسابيع الأخيرة حول الاكتتاب، مع التركيز بشكل خاص على مسألة الشفافية.

أزمة الشفافية

وفي ورقة تخص كلية الاقتصاد بلندن، تم نشرها الشهر الماضي، جاء ما يلي: « كانت هناك ضجة رسمية كثيرة بشأن الخصخصة المقترحة لشركة أرامكو في رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030، مع واحدة من الفوائد الرئيسية للخصخصة، وهي زيادة الشفافية من خلال عرض الأرقام المالية للشركة».

وحتى عام 2017، كانت الكويت فقط هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لديها ميزانية شفافة وخاضعة للمساءلة ومستقلة، تشمل عائدات النفط. لكن بقية دول مجلس التعاون الخليجي ليس لديها ميزانية مستقلة تخضع للمساءلة بشكل عام. وهناك أدلة قوية تشير إلى أن هناك مبالغ كبيرة من إيرادات الميزانية غير المعلن عنها، والتي تذهب إما إلى القطاع الخاص أو في المعاملات الحكومية السرية، وتتركز أساسا في التحويلات الخارجية، والنفقات العسكرية والمخصصات الملكية الخاصة.

وكما ناقشنا في مقال نشرناه في 31 مايو/أيار، بشأن الفساد في السعودية، تعاني المملكة من مشكلة شفافية حادة. وفي مبادرة الموازنة المفتوحة، التي تقيم البلدان على ثلاثة معايير، هي الشفافية والمشاركة العامة والرقابة على الميزانية، فقد حصلت السعودية على درجة «صفر» من أصل 100 درجة للمعايير الثلاثة، عام 2015. وعلى الرغم من أنه من المعروف أن كل فرد من أفراد العائلة المالكة يتلقى مخصصات من الميزانية، وهو ما تم تفصيله في تسريبات لويكيليكس اعترف بها أحد الأمراء فإن التحويلات إلى العائلة المالكة لم تكن مدرجة حتى في ميزانية الدولة الأخيرة

وعلى الرغم من أن ليس كل الأموال المفقودة ينتهي بها المطاف في حسابات مصرفية في الخارج، فإن هناك طريقة واحدة لمحاولة حساب كم من المال تم الحصول عليه بطريقة غير شرعية، من خلال النظر في من يملك الثروة في الملاذات الضريبية في جميع أنحاء العالم. وفي عام 2015، نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بيانات تسربت من قبل أحد موظفي بنك إتش إس بي سي، أشارت إلى وجود السعودية في المرتبة رقم 11 من بين الدول التي لديها أكبر مبالغ بالدولار في بنك إتش إس بي سي الخاص. وكان الحد الأقصى للمال المرتبط بعميل واحد متصل بالمملكة، بقيمة بلغت 704.3 مليون دولار. وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة، عام 2007، ما قيمته 16 ألف دولار.

واستنادا إلى بيانات من تسريبات بنك إتش إس بي سي في ورقة حديثة من قبل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهي منظمة غير ربحية بالولايات المتحدة الأمريكية، تحاول حساب إجمالي الثروة العابرة للبحار للبلدان في جميع أنحاء العالم، وجدت أنه في عام 2007، بلغ إجمالي الثروة العابرة للبحار للسعودية 234 مليار دولار، والإمارات العربية المتحدة 189 مليار دولار، والكويت 115 مليار دولار. وقطر 80 مليار دولار، وعمان 42 مليار دولار.

ويحلل «نيك ستادميلر» أدناه محاولات حساب التسرب من إجمالي إيرادات أرامكو (المحلية والأجنبية) من خلال طرح التكاليف المقدرة ومقارنة هذا الرقم بدخل النفط الرسمي في الوثائق الإحصائية لمؤسسة النقد العربي السعودي.

و«نيك» محلل في الولايات المتحدة يركز على الاتجاهات الاقتصادية التي تؤثر على دول مجلس التعاون الخليجي. وقد عمل في المنطقة لمدة 8 أعوام، بما في ذلك عامين كمستشار مع فرع من حكومة دبي، إضافة إلى 6 أعوام مع واحد من أكبر البنوك في الإمارات.

نفقات خاصة

ويأتي تصنيف السعودية في قاع الترتيب على مستوى العالم في تدابير الشفافية المالية. وتصدر المملكة تقريرا عن الإيرادات النفطية الرئيسية في التقارير السنوية، ولكن من الصعب تحديد ما إذا كان هذا يمثل إجمالي الضرائب وأرباح الأسهم المحصلة من أرامكو. وبالمثل، لم يتم الكشف عن معلومات مالية مفصلة من أرامكو، على الرغم من احتمال تنفيذ الاكتتاب العام العام المقبل. وعبر معالجة الفارق بين عائدات الحكومة التقديرية من أرامكو والقادمة من الضراب وصافي الأرباح، ومقرنتها مع الأرقام الرسمية يمكن استنتاح ما قد تتلقاه الحكومة في بند «محفظة خاصة»، والذي يعني أي تحويلات إلى أفراد العائلة المالكة. وأي محاولة لتحديد حجم هذه الفجوة تجبر المحلل على وضع عدد من الافتراضات، وبالتالي ينبغي النظر إلى النتائج بحذر. ومع ذلك، يؤدي تنفيذ هذه العملية إلى الخروج بنتائج أولية مفيدة.

ونبدأ مع بيانات الإنتاج من خلال الاستعراض السنوي لشركة أرامكو، والذي يظهر إجمالي استخراج النفط الخام، وبلغ 3.8 مليار برميل عام 2016. كما قامت الشركة بتصنيع 665 مليون برميل من النفط المصنع في العام الماضي، وبيع 366 مليون برميل من الغاز الطبيعي المسال. وباستخدام أسعار السوق للنفط الخام وهوامش التكرير والسوائل، نحصل على رقم إيراد عام 2016 بما يقل قليلا عن 160 مليار دولار أمريكي. ثم نفترض أن تكلفة الاستخراج تبلغ 7 دولار للبرميل، وهو ما يقرب من متوسط العديد من التقديرات لهذا الرقم. وبعد إضافة التكاليف العامة والإدارية البالغة 12 مليار دولار أمريكي، وهي مماثلة لشركات النفط العالمية الأخرى ذات الحجم المماثل. وعلاوة على ذلك، تقوم الحكومة بجمع ضريبة 20% من أرامكو على استخراج النفط، و85% ضريبة على الأرباح. يترك ذلك أرامكو بأرباح صافية تقدر بـ 14 مليار دولار أمريكي، وتقوم الحكومة بجمع الضرائب والمخصصات الملكية عن قيمة 107 مليار دولار أمريكي. وعلى افتراض أن الحكومة ستحصل على أرباح إضافية من صافي أرباح أرامكو، فإن إيرادات النفط الحكومية السعودية يجب أن تبلغ 121 مليار دولار أمريكي، أو ما يزيد قليلا على 450 مليار ريال سعودي.

وأفادت الحكومة أن عائدات النفط لعام 2016 بلغت 329 مليار ريال سعودي، أي بفارق يزيد على 120 مليار ريال سعودي مقارنة بالتقديرات المذكورة أعلاه. وقد بلغ التفاوت بين الضرائب التقديرية لشركة أرامكو ومدفوعات توزيعات الأرباح والعائدات النفطية المبلغ عنها من قبل الحكومة 130 مليار ريال سعودي (35 مليار دولار أمريكي) سنويا، بين عامي 2011 و2016.

وهناك مصدران لعدم اليقين حول حجم هذه الفجوة. ولقد استبعدنا بعض مصادر الإيرادات الأخرى لشركة أرامكو، وخاصة البتروكيماويات، بسبب نقص البيانات. وتعني هذه الإيرادات أن الفجوة قد تكون أكبر من تقديراتنا. كما أنه من غير الواضح كم من الأرباح الصافية لشركة أرامكو يتم دفعها كأرباح لمساهميها، وكم يتم الاحتفاظ بها من قبل الشركة للاستثمار في المستقبل. وفي الحالة القصوى، على افتراض عدم دفع أية أرباح، فإن الفرق بين المدفوعات المقدرة للحكومة والإيرادات النفطية المبلغ عنها تتراوح بين 5 و10 مليار دولار أمريكي في العام.

فجوة تتسع

وکان الاختلاف بین مدفوعات أرامکو التقديرية والمدفوعات المبلغ عنھا من قبل الحكومة نحو 35 مليون دولار أمریکي، ما يعادل نحو 1 ملیون برمیل في الیوم من عائدات النفط بین عامي 2011 و2014. ولم تنخفض الفجوة بعد انخفاض أسعار النفط، وتمثل الآن أکثر من 2 ملیون برمیل یومیا من الإيرادات. وشكلت الفجوة العام الماضي 21% من إجمالي الإيرادات المقدرة لشركة أرامكو. ويقترب هذا الرقم من الفجوة البالغة 26%، التي قدرها أحد الباحثين في كلية لندن للاقتصاد، كان يدرس فروقا مماثلة في بلدان مجلس التعاون الخليجي.

ومن غير الواضح ما إذا كان كل الفرق الذي تم تحديده يذهب إلى جيوب الأسرة المالكة. وتقول الورقة البحثية من كلية لندن للاقتصاد إن دول مجلس التعاون الخليجي ربما تستخدم بعض الأموال المفقودة لتمويل بعض النفقات «خارج الميزانية»، وتحديدا الإنفاق العسكري والمنح الأجنبية.

ويثير وجود فجوة كبيرة التساؤلات حول إمكانية طرح أسهم أرامكو في سوق أجنبية. وإذا أرادت أرامكو بيع أسهمها في ولاية قضائية أجنبية، فإنها ستضطر إلى إعلان الضرائب ومدفوعات الأرباح. ویمکن لأي محلل بعد ذلك إضافة ضرائب إجمالیة بالإضافة إلی مدفوعات توزیعات الأرباح لحصة الحکومة، ومقارنة ذلك مع عائدات النفط السعودیة المبلغ عنھا. ويمكن لهذا أن يطرح العديد من الأسئلة غير المريحة للسلطات.

ويترك الهيكل المقترح للاكتتاب مساحة من التذبذب في هذا الصدد. وقالت السلطات إن ملكية أرامكو ستنتقل إلى صندوق الاستثمار العام، ومن ثم سيتم دفع الأرباح إلى الصندوق. ويقوم الصندوق بدوره بتوزيع أرباح نقدية على الحكومة السعودية، وإن كان ذلك بطريقة غير شفافة. وتم تخفيض معدل الضريبة على أرباح أرامكو هذا العام إلى 50%. ومن شأن ذلك أن يعزز كمية الأرباح الصافية المتوفرة لدفعات الأرباح، مما يتيح المجال لإخفاء مبلغ مدفوعات أرامكو الإجمالية للحكومة.