نيكولاس كولتشي وديفيد كيركباتريك - نيويورك تايمز-
لا يكتفي أقارب الملك «سلمان» بحكم المملكة العربية السعودية، بل هم أيضا يتحكمون بها تجاريا.
وتمتلك شركة استثمارية سعودية كبرى، أسسها أحد أبناء الملك، ويرأسها الآن آخر، حصة كبيرة في تكتل يقوم بأعمال حكومية واسعة النطاق، بما في ذلك شراكة لبناء السفن مع مقاول دفاع فرنسي، وهناك شركة أصغر، أسسها آخر من أبنائه، تستثمر في الرعاية الصحية والاتصالات والتعليم وغيرها من المجالات التي تمولها الدولة.
ولا يبدو أن أي تضارب في المصالح هنا مخالف للقانون.
مكافحة انتقائية
ولكن الآن، يقود شقيقهم ولي العهد، «محمد بن سلمان»، حملة واسعة ضد ما وصفه بـ«الفساد»، حيث اعتقل ما لا يقل عن 11 أميرا من آل سعود، بيد أن المصالح التجارية المعقدة، وغير المفصح عنها في أغلب الأحيان، لأسرته تثير تساؤلات حول ما يعنيه هذا الاتهام في مملكة لم يتضمن القانون فيها حتى الآن سوى القليل من التنظيم، ولا يوجد بها قانون يجرم الاستفادة الشخصية من المناصب في الأعمال التجارية مثل البلدان الأخرى.
ولم تكشف الأسرة الحاكمة قبل ذلك قط عن مصادر دخلها، وكم يأخذ أعضاؤها من عائدات النفط في البلاد، وكم يكسبون من عقود الدولة، أو كيف ينفقون على أنماط حياتهم الفخمة.
ولم يشرح الملك «سلمان» أبدا من أين حصل على المال لشراء ما تصل قيمته إلى 28 مليون دولار من المنازل الفاخرة في لندن، تماما كما لم يقل ابنه، ولي العهد الأمير «محمد»، أبدا كيف تمكن من شراء يخت تجاوز ثمنه 500 مليون دولار، كان قد رآه وقرر امتلاكه واشتراه، في يوم واحد.
كما أن المملكة الملكية المطلقة، لم تحاول أبدا إنشاء نظام قضائي مستقل للفصل في الدعوات، وإذا تم تعريف الفساد بأنه التربح الخاص على حساب المال العام، فإن التدابير الحالية، التي يتم تصويرها كتغيير ثوري، تبدو ملاحقات انتقائية.
وقالت «كاثرين ديكسون»، الباحثة في منظمة الشفافية الدولية: «لا يزال استخدام موارد الدولة (السعودية) لصالحك الخاص مسموحا به، إذا كنت جزءا من الفصيل الحاكم أو زمرة الموالين، ولكن لأن الفساد هو ما يهتم به الناس، فإنه يستخدم كنداء حشد للعامة لتبرير حملة القمع».
وقارنت هي وآخرون حملة الأمير «محمد» لمكافحة الفساد بحملة الرئيس «شي جين بينغ» في الصين، أو الرئيس «فلاديمير بوتين» في روسيا، حيث غالبا ما تكون الدعاوى القضائية ذات دوافع سياسية.
وقد تم اعتقال ما يقرب من 500 شخص الآن بمزاعم فساد كجزء من الحملة، ويحتجز الكثيرون في فندق ريتز كارلتون، في ما قد يكون أكثر سجن في العالم فخامة.
وكان مجلس الوزراء السعودي قد أعلن الثلاثاء أن جميع عمليات الاعتقال «تستند إلى أدلة محددة على ارتكاب جرائم وارتكاب أعمال بها تجاوزات جنائية وانتهاكات غير مشروعة».
وأضاف المجلس أن «حقوق المتهمين والوقائع المتعلقة بالجرائم يحميها القانون في جميع المراحل خلال التحقيق والإجراءات القضائية».
لكن الحكومة لم تكشف عن أية تهم أو أدلة محددة، أو حتى عن أسماء المعتقلين، وبدأت الموجة الأولى بعد ساعات فقط من صدور مرسوم ملكي بتشكيل لجنة تحقيق بقيادة الأمير «محمد»، ولم يكن هناك إلا القليل من الوقت للتحقيق.
وتخضع المحاكم للمراقبة الفعلية للملك وولي العهد، ولم يكن من الواضح أي فرع من فروع نظام المحاكم قد يستقبل القضايا، سواء نظام المحاكم الشرعية الرئيسية أو مجلس أكثر تخصصا من محاكم التظلم التي تعالج الشكاوى الإدارية.
صندوق باندورا
وقال «ديفيد أوتاواي»، وهو زميل مختص بشؤون الشرق الأوسط في مركز ويلسون: «إنه صندوق باندورا لبدء محاكمات مكافحة الفساد، من يستثني داخل العائلة المالكة؟ هل هناك أي أمراء أياديهم نظيفة؟».
وقال «ناثان براون»، الباحث في جامعة جورج واشنطن، الذي يدرس الأنظمة القانونية العربية: «لم يقصد من القانون (في السعودية) أن يسيطر على الأسرة الحاكمة بأي طريقة مجدية، أو أن يحكم العلاقات بين الأسرة الحاكمة والدولة، في نهاية المطاف، يمكن للملك وبعض كبار أعضاء العائلة المالكة أن يفعلوا ما يريدون ويجعلونه قانونيا في وقت لاحق».
وأضاف أن عدم وجود تنظيم للتعامل الشخصي لأفراد الأسرة المالكة «يفتح الباب على نطاق واسع لما يمكن اعتباره فسادا في أنظمة أخرى».
ويبدو أن العديد من السعوديين قد أشادوا بحملة القمع، ويمثل الشباب دون سن الـ30 ثلثي السكان، ويشعر الكثيرون بالإحباط بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وقد يشعر البعض ببعض الارتياح في ذلك التعامل التعسفي مع الكثير من الأغنياء وأصحاب النفوذ.
وقال «ستيفن هيرتوغ»، الأستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد، ومؤلف كتاب عن البيروقراطية السعودية: «سيكون من الرائع للجمهور رؤية أفراد مهمين من عائلة آل سعود يعاملون بهذا الشكل بدلا من كونهم طبقة غير قابلة للمساءلة». وأضاف: «تشكو الشركات السعودية من التعدي الملكي منذ عقود»، وقد تكون بعض الحالات واضحة للغاية.
وتقول وسائل الإعلام السعودية الرسمية إن أحد القضايا التي يعتزم الأمير «محمد» التحقيق فيها هي السيول التي ضربت مدينة جدة وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص في عام 2009، وفي هذه القضية، كان رجل أعمال سعودي قد اتهم بالفرار بالملايين من الدولارات المخصصة لنظام الصرف الصحي لمدينة جدة.
وقال «جمال خاشقجي»، رئيس تحرير صحيفة سعودية كبرى، يعيش حاليا في المنفى: «كنا نعرف جميعا، ولم نعلن عن ذلك قط».
وبعيدا عن تلك القضية، لم يظهر إلا عدد قليل من التقارير التي لم يتم الكشف عن هويتها حول الاتهامات المحتملة.
وقد اتهمت حملة في وسائل التواصل الاجتماعي، منسقة باحترافية، والتي يبدو أن الحكومة تنظمها، أهم سجين، الأمير «متعب بن عبدالله»، الرئيس السابق للحرس الوطني وابن الملك الراحل، بإثراء نفسه على حساب المال العام، وتحويل أموال الحرس الوطني لحسابه الخاص، ونقلت التقارير الإخبارية عن مصادر لم تذكر اسمها إنه قام بتعيين موظفين وهميين، ودفع عقودا مبالغ فيها للشركات التى يمتلكها، مقابل معدات مثل أجهزة اتصال لاسلكي ومعدات عسكرية مضادة للرصاص.
وتزعم التقارير أن شقيقه الأمير «تركي بن عبدالله»، الحاكم السابق للرياض، سيتم اتهامه بتوقيع عقود مبالغ فيها مع شركات يملكها، لمترو الأنفاق تحت الإنشاء في العاصمة.
ولكن في بلد اسمه على اسم عائلته الحاكمة، قد يكون الخط الفاصل بين المال العام والخاص صعبا.
وقال «روبرت جوردان»، السفير الأمريكي السابق لدى السعودية، إن لجنة الفساد لولي العهد يمكن أن تحتجز أي شخص تراه يتصل بالفساد، إنه جزء من الكيفية التي نسجت بها هذه الشبكة.
ولم يكن لدى المحتجز الأكثر شهرة، الأمير «الوليد بن طلال»، حاجة واضحة إلى الكسب غير المشروع، وكان معروفا بشكل جيد كمستثمر في أسواق الأسهم العالمية، وواحد من أغنى الناس في العالم، وكانت مصادر ثروته أكثر شفافية من معظم الأمراء.
بلا رقابة
وكان الأمير «الوليد» ناقدا للاقتصاد المغلق والفساد المتفشي في المملكة، وقالت مذكرة دبلوماسية سرية، عام 1996، إن الأمير «بن طلال» قد أبلغ السفير الأمريكي عن كيف تسيطر حفنة من الأمراء الكبار على مليارات الدولارات في برامج خارج الميزانية، ما يعادل تقريبا مليون برميل من النفط في البلاد يوميا.
ووفقا للمذكرة، فإن مشروع توسعة الحرمين الشريفين ومشروع التسليح الاستراتيجي لوزارة الدفاع «كانا سريين للغاية، ولا يخضعان لأي إشراف أو رقابة من قبل وزارة المالية».
وقد قدمت المذكرة، التي تم الكشف عنها في مجموعة وثائق وزارة الخارجية التي أصدرتها ويكيليكس قبل 7 أعوام، مخططا مفصلا للطرق المتنوعة لتدفقات المال إلى أفراد العائلة المالكة، إما من خزائن الدولة أو من خلال الأعمال التجارية الخاصة في نظام مبهم.
وكان من المعروف أن الأمراء يقترضون المال، ولا يدفعونه ببساطة مرة أخرى، ما أدى تقريبا إلى انهيار البنك التجاري الوطني.
وكان من المعروف أيضا أن العائلة المالكة بمثابة وكلاء حصريين للشركات الأجنبية في المملكة، وعندما أسسوا أعمالهم الخاصة، غالبا ما اعتمدوا على الإنفاق الحكومي أو الإعانات الحكومية.
وقال دبلوماسي آخر، في مذكرة عام 2007، إن الحكومة، وعلى وجه التحديد وزارات المالية والشؤون البلدية والقروية، غالبا ما تنقل الأراضي العامة إلى الأمراء، الذين يقومون ببيعها بأرباح ضخمة للمطورين العقاريين، مشيرا إلى أن الأمير «بندر بن سلطان»، السفير لوقت طويل في الولايات المتحدة، والأمير «عبدالعزيز بن فهد»، ابن الملك فهد المفضل، استفادا من مئات الملايين من الدولارات من خلال بيع الأراضي لقرية مخططة مركزيا شمال جدة.
وكانت عقود الأسلحة منذ فترة طويلة مصدرا للثروة، وأفادت وسائل الإعلام البريطانية أن الأمير «بندر» تلقى أكثر من مليار دولار من المدفوعات السرية من بي إي سيستمز، المقاول العسكري البريطاني الرائد، على مدى عقد من الزمان.
وأصبح ابن الطبيب الشخصي للملك المؤسس «عبدالعزيز»، «عدنان خاشقجي»، تاجر أسلحة ملياردير، ويعمل كوسيط بين صانعي الأسلحة وأعضاء العائلة المالكة.
وقالت السيدة «ديكسون»، من منظمة الشفافية الدولية: «نتحدث في بلدان أخرى عن رشاوى صغيرة، لكن في السعودية، إنها سرقة على نطاق واسع».