كارين يونغ - لوفير-
تمر المملكة العربية السعودية منذ فترة بمرحلة من إعادة الهيكلة من أعلى إلى أسفل، الأمر الذي خلق عددا من المخاطر والفرص للمواطنين وللأسرة الحاكمة على السواء. وكانت هناك سلسلة من التصريحات حول تحول السياسة العامة للمملكة، مثل الحديث عن الإدماج الاقتصادي للمرأة، والحد من سلطة رجال الدين، والوعود بتبني الاعتماد على الروبوتات والتكنولوجيا الجديدة، وإتاحة فرص الاستثمار المفتوح في المدن الاقتصادية الخاصة الخاضعة لقوانين منفصلة.
ويبدو أن إعادة تشكيل (أو تفكيك) الدولة السعودية محتمل جدا. ولا ينبغي أن تكون أخبار الاعتقالات الجماعية وتجميد الأصول المالية لرجال الأعمال والوزراء، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، أمرا مفاجئا. ومع ذلك، بالرغم من كافة البيانات حول نوايا التغيير، فهناك بعض الجوانب الجامدة من الاقتصاد السعودي ترفض أن تتزحزح.
وسيكون للجهود الرامية إلى الانقلاب على الركائز المؤسسية للنخبة السياسية والاقتصادية في المملكة، واستئصال الممارسات الفاسدة، عواقب إقليمية تتجاوز الخطط الرامية إلى تعزيز قوة رئيس الوزراء اللبناني. وقد نوقشت الآثار المترتبة على مناخ الأعمال وسمعة المراكز المالية المجاورة، مثل دبي، تلك النتائج التي قد تعرقل خطط الخليج للتنويع الاقتصادي. وقد وضعت البنوك المركزية في كل من الإمارات العربية المتحدة والكويت نصائح بشأن بعض أصحاب الحسابات السعوديين، بالتعاون مع السلطات السعودية لتطهيرها من الفساد. وسيكون للعمل السياسي خلال الأسبوعين الماضيين أثر سلبي على الاستثمار المحلي والنشاط الاقتصادي في دول «مجلس التعاون الخليجي». ويحتل جدول أعمال الإصلاح الاقتصادي المشترك المرتبة الثانية في أولويات السياسة العامة بالنسبة للأمن الإقليمي واستقرار النظام.
وكانت المؤشرات المبكرة لعمليات البيع في أسواق الأسهم الإقليمية خطيرة. وقد تراجعت القيمة السوقية للبورصات في دول المجلس مجتمعة إلى أدنى مستوى لها في العام، حيث خسرت 6.8 مليارات دولار من قيمتها في غضون 72 ساعة من بدء حملة التطهير. إلا أن الأسهم السعودية حققت بعض الارتفاعات بفضل تدخل صندوق الاستثمار العام السعودي، صندوق الثروة السيادية في المملكة، الذي أصبح الآن مكلفا باستهداف كل من الفرص الاستثمارية الداخلية والخارجية.
ولا تزال التداعيات خارج الرياض تنتشر. وستعاني دبي، كمركز مالي إقليمي لمديري الأصول، من هروب رؤوس الأموال من الاستثمارات السعودية الموضوعة هناك. وقد استطاعت أسواق دبي وأبوظبي، منذ فترة طويلة، استغلال حالة الأسواق الناشئة كوسيلة لإدراجها في محافظ مالية كبيرة للشركات المدرجة محليا، ولم تصدر هذه القائمة إلا عام 2014. وتسعى السعودية إلى هذا الوضع الآن. وبالنسبة لأسواق رأس المال الإقليمية وأسواق الأسهم، فإن هذا سيعرضها لضغط دائم.
وفي حين تعد مكافحة الفساد خطوة مهمة في عملية الإصلاح الاقتصادي في المملكة، فإن آلية «التطهير» الحالية تعمل على أكثر لأجل استقرار النظام وتوطيده بدلا من إضفاء الطابع المؤسسي وسيادة القانون. وكما هو الحال بالنسبة لمعظم عمليات الإصلاح الاقتصادي، فهناك مشاكل تتعلق بتسلسل الإصلاحات ووضع دعم مؤسسي لتطبيق الإصلاحات بشكل عادل ومستدام. فالفساد والإقراض المتواصل والمحسوبية والتحيز في التعاقد، كلها عوامل متوطنة في بيئة الأعمال السعودية، ولكن معظمها يعود إلى القوة الدافعة للاستثمار والنفقات الرأسمالية في البلاد، وهي الدولة نفسها، وليس الجهات الفاعلة في القطاع الخاص.
الإصلاحات المؤسسية
وهناك عمليات دعم موازية من شأنها أن تساعد على ضمان حقوق المستثمرين المحليين والأجانب، وهو أمر ضروري للنمو. وهناك بعض التغييرات المؤسسية الاقتصادية الجارية التي تستحق الاهتمام وبعض الثناء المؤقت. غير أن نجاحها يعتمد على قدرة الدولة على وضع وإنفاذ القواعد، وتوسيع نطاق الاستثمار والمساحة التجارية للمواطنين والأجانب على حد سواء.
قيود على الملكية الأجنبية
وتحتاج هذه الإصلاحات إلى التوسع فورا، وخاصة في فتح جميع القطاعات للاستثمار الأجنبي دون قيود. وكان قانون الوكالات التجارية، الذي يتطلب من المستثمر لكي ينشئ شركة أجنبية في البلاد أن يدخل في شراكة مع مواطن سعودي، قد جرى تخفيفه منذ عام 2000. ومؤخرا، أعلنت الحكومة السعودية أنها بصدد السماح بـ100% من الملكية الأجنبية، في 3 قطاعات، هي الهندسة والتعليم والصحة، في محاولة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وخفض الإنفاق الحكومي في هذه المجالات.
المناطق الاقتصادية الخاصة
لا تعد المناطق الحرة والمدن الاقتصادية الجديدة آلية جديدة للتنمية الاقتصادية (كما أنها لم تكن فعالة جدا) في المملكة، ولكنها تشكل محور خطة «رؤية 2030». وتعتبر الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية، التي شكلت عام 2000، وتم منحها سلطة قانونية أكبر عام 2006، هي الجهة المنظمة لهذه المدن. وهناك 4 منها لا تزال قيد العمل، وهي مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، التي تقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وتعمل كميناء بحري. ومدينة المعرفة الاقتصادية، في المدينة المنورة، وهي مركز لتكنولوجيا المعلومات، مع خطة لخلق 20 ألف وظيفة. وهناك مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، التي من المقرر أن تصبح مركزا للنقل البري، ومدينة جازان الاقتصادية، جنوب جدة، التي من المقرر أن تصبح مركزا صناعيا مع خطط لمحطات تحلية المياه والكهرباء.
وتعد هذه استثمارات ضخمة بالنسبة للدولة، الأمر الذي يتطلب نفقات كبيرة من رأس المال وعقود كبيرة مع الشركاء من المطورين الرئيسيين، ولكن لا يوجد إطار واضح للشراكة بين القطاعين العام والخاص حاليا بالنسبة للملكية المشتركة في المشاريع طويلة الأجل، مثل محطات توليد الكهرباء أو مرافق المياه والصرف الصحي المطلوبة في هذه المناطق الاقتصادية الخاصة.
السياسة الضريبية
ولم يتضح بعد أثر السياسة الضريبية الجديدة. وستبدأ ضريبة القيمة المضافة الجديدة البالغة 5%، على معظم السلع والخدمات، في يناير/كانون الثاني عام 2018، غير أن جمعها وإدارتها سيكونان اختبارا جديدا للحكومة. ولا يزال السعوديون والمغتربون يتعلمون الخطوات الأولى في العيش مع الضرائب. وقد تم إدخال العديد منها عام 2017، بما في ذلك الضرائب الجديدة على استهلاك المشروبات السكرية والتبغ، وضريبة الأراضي الجديدة غير المستخدمة، والتي استهدفت الأثرياء (والعديد من المالكين) الذين لديهم ممتلكات غير مطورة في المراكز الحضرية، والضرائب الجديدة على العمال الأجانب وأسرهم. ومن المرجح أن يؤدي تنفيذ هذه الضرائب إلى بعض التضخم في الأسعار عام 2018.
سياسة العمل
وتشهد سياسة العمل حالة تغير مستمر. وتشكل العمالة السعودية عقبة رئيسية أمام تحقيق النمو الاقتصادي. وأظهرت الإحصاءات الحكومية الرسمية أن معدل البطالة بين الرجال السعوديين يبلغ 12.7%، و23.3% بين الشباب (الذكور والإناث)، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 29 عام. وبالنسبة للنساء السعوديات، فإن أرقام البطالة هي أسوأ بكثير، بنسبة 33.1%.
وقد منع الأجانب من العمل في بعض القطاعات، بما في ذلك طب الأسنان والتجزئة، وحدثت خسارة كبيرة في الوظائف بين غير المواطنين، وتقلصت بالتالي صناعة البناء والتشييد (مع ضعف الإنفاق الحكومي على المشاريع)، وتمت خسارة ما يقرب من 70 ألف وظيفة بين الربعين الأول والثاني من عام 2017. ونتيجة لذلك، انخفضت التحويلات المالية إلى أدنى مستوى لها منذ 4 أعوام، مما سيؤثر على الاقتصادات الضعيفة بالفعل في بلدان مثل باكستان وبنغلاديش ومصر. وعلى الرغم من فقدان الوظائف بين الوافدين، لم يكن هناك نمو مماثل في خلق فرص العمل للمواطنين. ففي قطاع الصناعات التحويلية، على سبيل المثال، انخفضت الوظائف غير السعودية بمقدار 6700 وظيفة في الربع الثاني من عام 2017، في حين تم خلق 1000 فرصة عمل جديدة فقط.
الحماية من الإفلاس
ويلزم إضفاء طابع رسمي على قانون الإفلاس. ومن المتوقع أن يتم اعتماد مشروع قانون قيد النظر من قبل مجلس الشورى منذ عام 2016، عبر مرسوم ملكي يصدر في أوائل عام 2018، ولكن هناك حاليا القليل من التفاصيل أو الوضوح لإطار التخلص المنظم من الشركات الفاشلة، وخاصة في الشركات بين شركاء أجانب ومحليين.
أسواق الأسهم
وستحتاج أسواق الأسهم إلى توسيع نطاق الحقوق والوصول إلى الأجانب. وقد تم منح الأجانب القدرة على شراء الأسهم في البورصة المحلية عام 2015، ولكن فقط كمستثمرين من مؤسسات ينوبون عنها. وفي عام 2016، تم تخفيف هذه القيود، مما سمح للأفراد الأجانب بشراء الأسهم في شركات محلية في البورصة، ولكن ذلك اقتصر على أجزاء من الشركات. ومن المقرر أن يتيح سوق ثانوي جديد للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يسمى «نمو»، السماح بالملكية الأجنبية الكاملة للشركات المدرجة في البورصة، ابتداء من عام 2018، ولكن قد لا يكون لدى الأجانب خيارات كثيرة في البداية.
وهناك عدد قليل من الشركات في البورصة الرئيسية، تداول، والتوقعات منخفضة بالنسبة للشركات الصغيرة الجديدة المستعدة للانضمام إلى «نمو»، على الرغم من خطة الحكومة لإنشاء صندوق مخصص بقيمة 1.07 مليار دولار، داخل صندوق الاستثمار العام، للشركات الصغيرة والمتوسطة. وقد يكون من المفيد وجود نظام دعم إيكولوجي، مثل حاضنات الأعمال أو شيء أقرب إلى إدارة الأعمال الصغيرة، لكن الأمر ليس واضحا بعد.
الخصخصة والشراكات
تحتاج الخصخصة المبكرة في أصول الدولة، في معالجة المياه والمرافق، إلى إثبات قدرة الحكومة على إدارة المناقصات العادلة. ويتعين إضفاء طابع رسمي على إطار الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وبسرعة، قبل أن تتعمق الحكومة السعودية بشكل أكبر في جدول أعمالها الطموح. وتعتزم الحكومة بيع أو خصخصة ما يصل إلى 27 مطارا، في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بحلول نهاية عام 2018، على الرغم من أنه لم يتم إقفال أي من عمليات البيع بعد.
استثمار الدولة المهيمنة
ولا تزال الدولة السعودية هي الجهة الفاعلة الرئيسية في الاقتصاد، حتى في خطط الخصخصة والتحرير الواسعة. ولم تظهر الدولة نيتها التراجع عن مزاحمة الاستثمار الخاص وفرص الشركات التنافسية في المجالات التي تهيمن عليها الدولة، مثل عقود المقاولات. وبينما كانت هناك فرص للشركات الجديدة لتولي زمام المبادرة، فقد استثمر الصندوق على وجه السرعة في حصص كبيرة، وأبرز من جديد معضلات الملكية والسوق الحرة.
وفي شراكات جديدة مع مستثمرين أجانب، بما في ذلك استثمارات ضخمة بقيمة 45 مليار دولار في صندوق سوفت بانك، تستهدف الاستثمارات التكنولوجية على الصعيد العالمي، تستخدم السعودية استراتيجياتها القديمة المتصلة بالإقراض. وفي مقابل 45 مليار دولار لصندوق سوفت بانك، البالغ قيمته 100 مليار دولار، وعد الصندوق باستثمار 25 مليار دولار داخل المملكة.
وقبل إحداث تغيير حقيقي في اقتصاد المملكة، فهناك بعض الحواجز الكبيرة التي تحول دون ذلك. ويكاد النمو يتوقف تماما في جميع أنحاء دول «مجلس التعاون الخليجي»، في حين تستمر الحكومات في النضال من أجل موازنة ميزانياتها. وفي السعودية، انخفضت الاحتياطيات الأجنبية إلى 485 مليار دولار في سبتمبر/أيلول، مع وتيرة انخفاض متزايدة خلال العام الماضي، على الرغم من الاقتراض الكثيف في كل من أسواق الدين المحلية والدولية. ومرة أخرى، سيكون توقيت وتسلسل جهود الإصلاح ضروريا لتحفيز نمو القطاع الخاص، دون الاستنزاف الشديد لموارد الدولة. ويجب تسريع عملية الموازنة بين الاستثمار الذي تديره الدولة واستثمارات القطاع الخاص.
وفي حين أن هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى رؤية الهزة السعودية كدليل على أن الطرق القديمة للسياسة في المملكة تتغير، وعلى الرغم من أجندة الرياض الاقتصادية الطموحة، فهناك أسباب قليلة قد تنبئ بثورة في الاقتصاد السعودي.