حنين ياسين - الخليج أونلاين-
أهدرت العائلة الحاكمة في السعودية، خلال الأشهر الأخيرة، مئات المليارات من الدولارات رغم ما يواجهه اقتصاد المملكة من عقبات دفعتها للجوء إلى جيوب المواطنين والمقيمين وفرض ضرائب، ورفع أسعار سلع رئيسية، في محاولة لتعزيز إيراداتها المالية في ظل ارتفاع فاتورة نفقاتها لمستويات قياسية وتدني أسعار النفط.
وتجاوزت تلك الأرقام المهدرة التي تحولت إلى عبء يثقل كاهل المواطن السعودي الـ461.3 مليار دولار، دفعت المملكة الجزء الأكبر منها في إطار اتفاقيات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته للبلاد منتصف العام الماضي، فيما أنفق جزء آخر على رفاهية ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، بحسب ما أوردته صحف أجنبية عالمية.
وبحسب تقارير منفصلة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن الأمير بن سلمان اشترى لوحة "المسيح المخلص" للرسام العالمي ليوناردو دافنشي، من مزاد في نيويورك، بقيمة 450 مليون دولار، واقتنى يختاً بقيمة 550 مليون دولار، إضافة لشرائه قصر لويس الرابع عشر في فرنسا، بسعر وصل إلى 300 مليون دولار.
تلك المليارات كانت تملك السعودية عدة خيارات لاستغلالها لتحلق باقتصادها وتحافظ على ثبات أسعار السلع فيها لسنوات طويلة وتنعش جيوب المواطنين.
وفيما يأتي يستعرض "الخليج أونلاين" بالبيانات والأرقام أهم الأزمات التي كان يمكن إيجاد حلول سريعة ومجدية لها بتلك الأموال المهدرة.
أولاً- رفع أسعار الوقود
قرّرت السلطات السعودية، الاثنين 1 يناير 2018، رفع أسعار البنزين، بنسب تراوحت بين 82 و126%.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، قالت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية، إن بنزين 91 سيباع بسعر 1.37 ريال (الدولار يساوي 3.75 ريالات) للتر الواحد بدلاً من 0.75 ريال، بزيادة قدرها 82.6%، وسيباع بنزين 95 بسعر 2.04 ريال للتر بدلاً من 0.90 ريال، بزيادة قدرها 126.6%.
ويقدر استهلاك السعودية من البنزين فقط، بحسب تقرير نشرته صحيفة الرياض في مارس 2017، بنحو 617 ألف برميل (البرميل 159 لتراً) يومياً.
وبناء على ما سبق من بيانات فإن السعوديين يستهلكون يومياً 98 مليون و103 آلاف لتر من مادة البنزين، أي ما يقدر ثمنه وفق أسعار (بنزين 91) قبل الزيادة بـ73 مليوناً و577 ألفاً و250 ريالاً (19 مليوناً و620 ألفاً و593 دولاراً)، ويبلغ بعد الزيادة الأخيرة نحو 134 مليوناً و401 ألف و110 ريالات (35 مليوناً و840 ألفاً و283 دولاراً).
ويبلغ فرق زيادة الأسعار يومياً- حسب سعر (بنزين 91)- 60 مليوناً و823 ألفاً و860 ريالاً (16 مليوناً و219 ألفاً و690 دولاراً)، أي إن مجموع ما ستحصله المملكة من زيادة أسعار النزين سنوياً سيبلغ 22 ملياراً و200 مليون و708 آلاف و900 ريال (5 مليارات و920 مليوناً و186 ألفاً و927 دولاراً).
وبعملية حسابية بسيطة، فإن السعودية كان يمكنها الحفاظ على أسعار البنزين قبل الزيادة (حسب كمية الاستهلاك الحالية)، لمدة 77.9 عاماً، في حال خصصت الأموال التي دفعتها للرئيس ترامب، ونفقات ولي العهد (461.3 مليار دولار)، لدعم أسعار الوقود.
ثانياً- فرض ضريبة القيمة المضافة
بالتزامن مع رفع أسعار الوقود بدأت السعودية، مطلع الشهر الجاري، تطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5% على مجموعة كبيرة من السلع والخدمات.
ويقدر خبراء في الشأن الاقتصادي أن يبلغ حجم الإيرادات المتوقعة من تطبيق ضريبة القيمة المضافة في السعودية نحو 35 مليار ريال (9.33 مليارات دولار) سنوياً.
وبمعادلة حسابية مشابهة لسابقتها فإن المبالغ التي صرفتها السعودية تعادل ما ستجنيه من ضريبة القيمة المضافة طوال قرابة 49 عاماً.
ثالثاً- تحويل "أرامكو" لشركة مساهمة
قرر مجلس الوزراء السعودي، الجمعة 5 يناير 2018، تحويل شركة "أرامكو" للنفط إلى شركة مساهمة طبقاً لنظامها الأساسي.
وأرامكو هي أكبر شركة نفط في العالم، ويبلغ رأسمالها 60 مليار ريال (16 مليار دولار)، مقسمة على 200 مليار سهم عادي، بحسب النظام الأساسي الحالي للشركة.
وتعتزم الحكومة السعودية طرح 5% من "أرامكو" للاكتتاب العام خلال 2018، لتعويض ما تعانيه من نقص في إيرادات البلاد بسبب تراجع أسعار النفط.
وبموجب ذلك فإن المملكة ستحصل على 350 مليار ريال (93.33 مليار دولار) من وراء طرح 5% من أسهم الشركة للاكتتاب، ويعادل هذا الرقم ما يزيد قليلاً على 20% فقط مما دفعته السعودية لترامب ولثمن مشتريات بن سلمان الأخيرة، ما يعني أنه كان بالإمكان تجاوز تحويل أرامكو لشركة مساهمة.
رابعاً - عجز الموازنات (2014-2018)
في العام 2014 سجلت المملكة العربية السعودية، التي كانت تعتمد بشكل شبه كلي على إيرادات النفط، أول عجز في موازنتها العامة، قُدِّر بـ14.40 مليار دولار، وذلك بعد انهيار أسعار النفط عالمياً، وفقدانها 45% من قيمتها.
ومنذ ذلك الوقت أصبح الإعلان عن عجز الموازنة طقساً سنوياً، ففي العام 2015 بلغ العجز 89 مليار دولار، وتبعه عجز في 2016 بقيمة 79.2 ملياراً، قبل أن ينخفض في 2017 لنحو 61.33 ملياراً، و52 مليار دولار في 2018، وفق بيانات الموازنات العامة المنشورة على موقع وزارة المالية السعودية.
تلك الفجوات بين الإيرادات والنفقات في الموازنات العامة كان يمكن للمملكة تجاوزها أيضاً، فالرقم الإجمالي لعجز الموازنات خلال الأعوام الأربعة الماضية والسنة الحالية، يبلغ 295.93 مليار دولار، أي ما يشكل 64.1%، من مجموع ما دفع للرئيس الأمريكي وما أنفقه الأمير بن سلمان على مقتنياته الثمينة.
خامساً- الدين العام
الدين العام للسعودية الذي يرتفع مؤشره سنوياً بشكل متسارع، كان يمكن أن يصبح سراباً، لو خصصت 25.3% فقط مما تم إهداره العام الماضي لسداده.
فقد كشفت أرقام الموازنة العامة للسعودية للعام 2018، أن قيمة الدين العام للمملكة وصلت مع نهاية العام 2017 إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية العام 2016.
ويشكل الدين السعودي نحو 17% من الناتج المحلي للبلاد في 2017، فيما كان 13.1% بـ2016، و1.6% في 2014.
يأتي ذلك في حين أن الدين العام لم يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار، في نهاية 2014، وفق بيانات سابقة لوزارة المالية السعودية.
سادساً- الاحتياطي النقدي
تهاوى احتياطي النقد الأجنبي لدى السعودية بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، فبعد أن بلغ 737 مليار دولار عام 2014، انخفض إلى 487 ملياراً العام الماضي.
وبعيداً عن أسباب هذا الانخفاض القياسي في احتياطي النقد الأجنبي فإن المملكة كان يمكنها تجاوزه أيضاً، فقيمة الانخفاض (250 مليار دولار)، تعادل 54.1% من مجموع ما دفع للرئيس ترامب خلال زيارته التاريخية للسعودية، وما أنفق ولي العهد على شراء اليخت واللوحة الفنية والقصر (461.3 مليار دولار).
سابعاً - البنية التحتية (جدة وعسير نموذجاً)
في 21 نوفمبر 2017، غمرت السيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة أحياء مدينة جدة لتُغرق شوارعها الرئيسية وعدداً من أنفاقها، ما تسبب بتعطيل الدراسة وتوقف حركة المواصلات والملاحة البحرية في ميناء جدة الإسلامي عدة ساعات.
منطقة عسير، جنوب غربي السعودية، هي كذلك واجهت مصير جدة، فقد تناقل ناشطون سعوديون على مواقع التواصل، في نوفمبر 2017، مقاطع فيديو أظهرت حجم الإهمال وسوء البنية التحتية من جراء الأمطار الغزيرة التي تساقطت على المنطقة.
ويظهر الفيديو المتداول مياه الأمطار وهي تملأ أرجاء مستشفى عسير، وسط عملية إخلاء عاجل للمرضى بالعناية المركزة.
وتكشف تلك المشاهد للسيول في جدة وعسير عن حاجة السعودية إلى تطوير البنية التحتية لمدن رئيسية في البلاد.
وكان بإمكان الحكومة السعودية تنفيذ المئات من مشاريع شبكات تصريف مياه الأمطار لتغطي معظم مناطق البلاد، لو أنفقت الأموال المهدرة سابقة الذكر على هذا الأمر، فتكلفة المشروع الواحد لا تتجاوز الـ13 مليون دولار فقط.
والرقم الأخير يأتي استناداً لإعلان بلدية مدينة أبو ظبي الإماراتية، في نوفمبر الماضي، عن البدء بتنفيذ مشروع لبناء شبكة تصريف مياه الأمطار في 5 مناطق رئيسية بالمدينة، بتكلفة إجمالية تبلغ 45.4 مليون درهم (12.36 مليون دولار).
ثامناً- أزمة السكن
تواجه السعودية منذ سنوات طويلة أزمة إسكان كبيرة، وفي نوفمبر الماضي، كشف "صندوق التنمية العقارية" السعودي عن وجود قوائم انتظار طويلة للراغبين في الحصول على قروض لبناء مسكن في البلاد.
وأوضح الصندوق العقاري، آنذاك، أن بإمكانه إقراض 34 ألفاً من أجل السكن، بتمويل يصل إلى 500 ألف ريال (133 ألف دولار)، من أصل 88 ألفاً على قوائم الانتظار.
وإضافة لما سبق، فإنه بحسب تقديرات سابقة لشركة الاستشارات "سي.بي ريتشارد إيليس"، فإن نحو 60% من المواطنين السعوديين يعيشون في شقق مستأجرة.
ولم تكن أزمة السكن هذه لتبلغ مراحل متقدمة لو أنفقت "أموال ترامب" و"نفقات الأمير الشاب" الواردة في بداية التقرير، على تمويل بناء مساكن جديدة.
ويبلغ متوسط ثمن الوحدة السكنية 500 ألف ريال (133 ألف دولار)، ما يعني أن ما أهدر من أموال (461.3 مليار دولار ) يمول بناء 3 ملايين و468 ألفاً و421 وحدة سكنية، ستكون كفيلة بحل أزمة السكن.
تاسعاً - تطوير الصناعات المحلية
تعد السعودية من الدول الأعلى استهلاكاً على مستوى العالم، فبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، فإن قيمة واردات المملكة للعام 2016، بلغت نحو 509.6 مليارات ريال (135.89 مليار دولار).
وتشكل واردات السعودية من الاحتياجات الرئيسية؛ كالمواد الغذائية والدواء، النسبة العليا من استهلاكها المحلي.
ووفق أرقام الهيئة العامة للإحصاء، المنشورة في مارس 2017، فقد بلغ حجم واردات السعودية الغذائية في العام 2016، نحو 42.7 مليار ريال (11.39 مليار دولار)، وهو ما يشكل قرابة الـ70% من احتياجاتها المحلية.
كما أن واردت المملكة من الأدوية تشكل 80% من استهلاكها، بحسب تصريحات رئيس البرنامج الوطني لتطوير التجمّعات الصناعية في السعودية، أحمد السالم، التي نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية، في أبريل الماضي.
وتعكس الأرقام السابقة ضعفاً بالغاً في قدرة الصناعات السعودية على تلبية الاحتياجات الاستهلاكية المحلية.
ذلك الضعف يمكن تجاوزه بتعزيز الصناعات المحلية خاصة الصناعات المرتبطة بالمواد الغذائية والأدوية، ولن تحتاج إقامةُ مصانع متخصصة بهذا الأمر إلى الكثير من الأموال مقارنة بما دُفع للرئيس الأمريكي.
ولا تتجاوز تكلفة بناء مصنع لإنتاج الأدوية المتنوعة مبلغ الـ46.8 مليون دولار، وذلك استناداً لتكلفة أحد مصانع الأدوية الذي أقامته سلطنة عمان. ووفقاً لوكالة الأنباء العمانية الرسمية، فإن تكلفة بناء مصنع لإنتاج الأدوية المتنوعة بمنطقة "ريسوت" في محافظة ظفار بسلطنة عمان، بلغت نحو 18 مليون ريال عماني (46.81 مليون دولار).
وينتج المصنع، بحسب الوكالة العمانية، المضادات الحيوية والأدوية الهرمونية والاستيرويدات، وأدوية علاج مرض البول السكري، والأدوية الخاصة بعلاج أمراض القلب وضغط الدم، وغيرها. وتبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية للمصنع نحو 900 مليون قرص دواء، و300 مليون كبسولة دواء، و20 مليون زجاجة أدوية شراب، و11 مليون أنبوبة مرهم.
تلك المصانع في حال إنشائها لن تلبي الاحتياجات المحلية من الأغذية والأدوية فقط، بل إنها كفيلة بتوفير مئات الآلاف من فرص العمل، وهو ما يعني تقليص معدلات البطالة في البلاد التي تجاوزت الـ12%، ونسبة الفقر التي بلغت نحو 25%.
وأظهر تقرير نشرته هيئة الإحصاء العامة في السعودية، في شهر نوفمبر الماضي، ارتفاع العاطلين عن العمل بين الربعين الأول والثاني من العام 2017 بنسبة 19%، ليقفز عدد الباحثين عن فرص عمل من 906 آلاف و552 شخصاً في الربع الأول، إلى مليون و75 ألفاً و933 فرداً خلال الربع الثاني.
ووفق التقرير الحكومي فإن 169 ألفاً و381 شخصاً انضموا للعاطلين عن العمل في المملكة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2017.
أما عن معدلات الفقر فلا يوجد تقديرات رسمية عن ذلك، إلا أن صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قد نشرت تقريراً لها، مؤخراً، يفيد بأن "ما بين مليونين وأربعة ملايين سعودي يعيشون على 17 دولاراً يومياً، وأن الدولة تخفي الفقر بشكل جيد".
كما أن بعض التقديرات الإعلامية الخليجية والأجنبية تشير إلى أن نسبة الفقراء في المملكة العربية السعودية تصل إلى 25% من السعوديين.