ملفات » الفساد في السعودية

متّهمو الفساد بالسعودية.. عودة للمناصب مشروطة بالمليارات

في 2018/01/20

الخليج أونلاين-

قبل شهرين تقريباً، أُلصقت بهم تهم فساد واختلاس أموال للدولة، فوجدوا أنفسهم داخل أفخم سجن في العالم، وما إن دفعوا ثمن حريتهم مبالغ طائلة، حتى عفا ولي العهد، محمد بن سلمان، عمّا سلف.

أمراء ووزراء سعوديون وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها محاطين بهيئة لـ "مكافحة الفساد"، بعد قرار ملكي أفضى لأوسع حملة اعتقالات غير مسبوقة في تاريخ المملكة.

لكن محمد بن سلمان، الذي أشرف بنفسه على الحملة، أوعز بإطلاق سراح أولئك الذين خضعوا لمطالبه، من خلال تسويات مالية وصلت إلى 100 مليار دولار أمريكي، حسب مصادر ملكية رفيعة.

وبعد أن اتهمهم بالفساد واختلاس الأموال، وجد بعض هؤلاء أنفسهم أمام حياة تبدو عادية بعد الإفراج عنهم، لا سيما أن وزيراً عاد إلى منصبه، وأميراً لقي نفسه في أحضان بن سلمان مُرحّباً به.

- وزير "فاسد" يمثّل السعودية

وبعد أن أفرجت السلطات السعودية عن وزير الدولة ومستشار الملك، إبراهيم العسّاف، بعد احتجازه في إطار حملة مكافحة الفساد، عادت المملكة لتصدّره ممثّلاً عنها للعالم؛ من خلال ترؤّسه وفدها إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

العسّاف، الذي كان أيضاً وزيراً للمالية وعضواً في مجلس إدارة شركة "أرامكو" السعودية للنفط، كان من بين الذين احتجزتهم وحققت معهم "هيئة مكافحة الفساد"، قبل أن يُطلق سراحه مقابل تسوية مالية.

وبعد ظهوره ضمن الحضور في اجتماع لمجلس الوزراء، في وقت سابق من الشهر الجاري، قال مصدر سعودي لوكالة رويترز إنه تمّت تبرئته من ارتكاب أي مخالفات، واستعاد منصبيه كوزير دولة ومستشار للملك.

وشارك وزير الدولة في اجتماع مجلس الوزراء، في 3 يناير 2018، وهو ما ظهر في صور نشرتها وكالة الأنباء السعودية كأول ظهور للعساف في أولى جلسات المجلس للعام الجاري، بعد تبرئته.

وعليه فإن مشاركة العساف في اجتماع المجلس بحضور بن سلمان، تضع علامات استفهام حول الحملة التي طالت نحو 200 شخص، وتشكّك في مصداقية هدفها المتمثل بالفساد ومكافحته.

حتى وإن كان العساف بريئاً من التهمة الموجهة إليه ولم تثبت عليه، رغم تأكيد الرياض أن الاعتقالات تمّت بعد بحث وتحرٍّ دام ثلاث سنوات؛ فإنه من غير المنطقي إعادته إلى رئاسة الوزراء بهذه السرعة، كما يقول ناشطون عبّروا عن صدمتهم إزاء ذلك.

ناشطون آخرون اتّهموا السلطات السعودية بأنها تملك أدلة على تورّط مسؤولين وأمراء بقضايا فساد، إلا أنها اختارت إطلاق سراحهم بعد التوصّل إلى تسوية مالية معهم، وهو ما يراه كثيرون هدفاً مبطّناً للحملة.

وعلى ما يبدو فإن إعادة العساف إلى منصبه وتكليفه بتمثيل السعودية في منتدى "دافوس" الاقتصادي، تشير إلى أن الشخصيات التي لها نفوذ كبير قد تحتفظ بمواقعها إذا تعاونت مع التحقيقات.

ولم تتضح تفاصيل التسوية التي أدّت إلى الإفراج عن العساف، لكن نماذج عمليات الإفراج السابقة تشير إلى أنه وافق على تسوية مالية، كما فعل ما يزيد عن 20 آخرين عادوا إلى حياتهم الطبيعية دون محاكمات.

- أمير "فاسد" واستقبال بحفاوة

الشخصية الأكثر أهمية على المستوى السياسي من بين المعتقلين، الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وجد نفسه بعد 3 أسابيع من الاحتجاز بتهمة الفساد في أحضان المتسبّب باعتقاله، مُستقبلاً إياه بحفاوة.

فبعد أن كان "فاسداً ومختلساً" في نظر السلطات السعودية، ظهر الأمير متعب في صفٍّ رفيع المستوى لاستقبال بن سلمان، خلال حضوره حفل سباق الخيل السنوي، في ميدان الملك عبد العزيز للفروسية، بالجنادرية في الرياض.

وغادر الأمير، نجل العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، مقرّ توقيفه في فندق "ريتز كارلتون" بالرياض بعد أن توصّل مع السلطات السعودية إلى اتفاق مالي لم يُكشف عن تفاصيله.

وقال مسؤول سعودي لصحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الأمير صاحب النفوذ الواسع، الذي كان يتولّى وزارة الحرس الوطني، أُطلِق سراحه مقابل "اتفاق تسوية مقبول"، قد يُعادل أكثر من مليار دولار أمريكي.

الأمير متعب، ومن قبله العساف ونحو 23 آخرين، أُفرج عنهم بعد اعتقالهم بتهم الفساد، عادوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية بعد أن دفعوا مبالغ مالية ثمناً لحريتهم، ما يؤكّد أن الحملة لا تهدف لمكافحة الفساد.

وعودة هؤلاء إلى حياتهم الطبيعية ينزع عن حملة الاعتقالات والإفراجات المشروعية والصدقية؛ لكونها تبدو أقرب إلى الابتزاز منها إلى حملة جدية لـ "مكافحة الفساد".

حتى وإن ثبتت التهم بحق المعتقلين فإنه لم يتم إعمال القانون من خلال تنفيذ العقوبات ضد المتهمين، ما يعني أن الحملة فعلاً جاءت لتساعد بن سلمان في تعزيز قبضته على السلطة بعد استبعاد ابن عمه، محمد بن نايف.

وهذا الأمر يطرح سؤالاً حول عودة "الفاسدين" إلى مناصب جديدة بعد التسويات المليارية التي دفعوها مقابل حريتهم، أم إنهم سيمارسون نفوذهم لدعم الفساد واستعادة ما دفعوه؟

وشنّت السلطات السعودية حملة اعتقالات غير مسبوقة في تاريخ المملكة، طالت أكثر من 200 شخص؛ بينهم أمراء ورجال أعمال ووزراء ومسؤولون.

وبدأت الحملة بعد إصدار العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في 4 نوفمبر، أمراً ملكياً أعلن فيه تشكيل لجنة خاصة برئاسة ولي العهد، محمد بن سلمان، "للتصدّي للفاسدين".