ملفات » الفساد في السعودية

رحيل العمالة الأجنبية ينذر بمتاعب جديدة للاقتصاد السعودي

في 2018/01/23

الخليج أونلاين-

ينتظر الاقتصاد السعودي مزيداً من المتاعب خلال السنوات المقبلة، فالسعودية تشهد حالياً موجة رحيل غير مسبوقة للعمال الأجانب، بالتزامن مع عدم وجود عمالة محلية بديلة مؤهلة، ما قد يعطل عمل معظم الشركات والمصانع والمؤسسات الخدمية في البلاد، التي تعتمد على أكثر من 10 ملايين عامل وافد.

ويواجه العمال الأجانب بالسعودية تحديات متصاعدة، بدأت بإقرار رسوم إقامة مرتفعة عليهم، وبزيادة أسعار السلع والوقود، وفرض ضرائب جديدة، ما دفع مئات الآلاف من العمال الآسيويين والعرب للعودة لمواطنهم.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كشف تقرير رسمي صادر عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالسعودية، عن خروج 558 ألفاً و716 عاملاً وافداً من سوق العمل السعودي، خلال العام 2017.

يأتي ذلك بعد أن طبقت السلطات السعودية رسوماً على العمالة الأجنبية ومرافقيهم بنحو 100 ريال (26.7 دولاراً) عن كل مرافق شهرياً، ابتداء من يوليو 2017، ترتفع سنوياً لتصل إلى 400 ريال (106 دولارات) شهرياً، عن كل مرافق في 2020.

وبدأت الحكومة السعودية، تحصيل مقابل مالي على العمالة الوافدة يتراوح بين 300 - 400 ريال (80 إلى 106.7 دولارات) شهرياً، حسب أعداد العمالة الأجنبية مقابل الوطنية، ابتداء من مطلع 2018.

وتوقعت وزارة المالية بالمملكة أن يحقق بند الإيرادات من المقابل المالي على الوافدين في 2018، نحو 28 مليار ريال (7.5 مليار دولار).

كما أن السعودية تسعى لاستبدال العمالة الأجنبية الوافدة بعمالة محلية، لذلك كثفت في الآونة الأخيرة، من توطين العمالة في العديد من القطاعات الاقتصادية.

وفي مارس 2017، طرحت وزارة العمل السعودية خطة "سعودة" سوق العمل التي تنص على رفع نسب التوطين في الشركات العاملة في البلاد، بهدف خفض نسبة البطالة بين المواطنين التي تجاوزت الـ12%.

الخبير الاقتصادي، حسام عايش، رأى أن خروج العمالة الأجنبية في هذا الوقت قد يسبب مشكلات اقتصادية للسعودية تتمثل في صعوبة توفير عمالة محلية بديلة ومدربة، ما قد يؤثر على الأداء الاقتصادي لبعض القطاعات.

وقال عايش، في حديث لـ"الخليج أونلاين": إن "رحيل العمال الأجانب سيكون له نتائج غير محسوبة، خاصة بخروجهم من قطاعات اقتصادية لم يتهيأ السعوديون بعد للعمل فيها، أو ربما يستنكفون عن العمل بها".

وأوضح أن عدم وجود عمالة سعودية مؤهلة وبديلة للعمال الأجانب سيؤدي إلى تراجع الإنتاجية بقطاعات اقتصادية مختلفة، وهو ما قد يحدث نوعاً من الهزة في تقديم الخدمات بالمملكة وسينعكس سلباً على اقتصاد البلاد.

وتوقع عايش خروج المزيد من العمالة الأجنبية من السعودية خلال السنوات المقبلة، خاصة من متوسطي الدخل.

وعلاوة على تأثيرات رحيل الأجانب على الشركات والمصانع والمؤسسات بسبب عدم وجود عمالة محلية بديلة، فإن مغادرة تلك الأعداد دفعة واحدة ستتسبب بأضرار لقطاعات اقتصادية مثل العقارات ومحال البيع بالتجزئة، ومشاريع وأنشطة أخرى كانت تعتمد بشكل رئيسي على استهلاك الوافدين، كما يقول الخبير الاقتصادي.

يشار إلى أن حجم استهلاك سكان السعودية من المواد الغذائية قدر في العام 2016 بنحو 65 مليار دولار، بحسب دراسة أعدتها شركة "برايس واتر هاوس كوبر" الدولية لصالح شركة "أسواق المزرعة السعودية".

وعند توزيع هذا الرقم على عدد سكان السعودية فإن نصيب الفرد سيكون 2047.7 دولاراً سنوياً، إذا أخذنا بالحسبان إحصاء سكان السعودية للعام 2016، البالغ وفق البيانات الرسمية، 31 مليوناً و742 ألفاً و308 نسمات، بينهم 20 مليوناً و64 ألفاً و970 سعودياً، و11 مليوناً و101 ألف و338 مقيماً غير سعودي.

ما يعني أنه في حال مغادرة العمالة الأجنبية للسعودية سيفقد سوق الأغذية في المملكة وحده نحو 22 ملياراً و732 مليوناً و656 ألفاً و50 دولاراً، سنوياً، وهو ما سيتسبب بخسائر هائلة لشركات ومصانع المواد الغذائية.

وحول إمكانية إحلال عمالة محلية في سوق العمل السعودي، قال عايش: إن "تأهيل العمالة السعودية يحتاج إلى وقت، إضافة إلى أنهم قد يرفضون العمل وفقاً للشروط التي كانت مفروضة على العمالة الوافدة".

وأشار إلى أن المجتمع السعودي غير معتاد على العمل في مهن ربما تكون شاقة أو تحتاج إلى جهد عضلي أو عقلي كبير.

وحول هذه النقطة، قال الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، لـ"الخليج أونلاين": إنه "على مدار عقود لم ينجح التعليم بالسعودية في تقديم خريجين يسدون الفجوة بسوق العمل أو مؤهلين للوظائف المطلوبة التي يشغلها العمال الأجانب".

كما أن القطاع الخاص السعودي، وفق الصاوي، لا يزال يفضل العمالة الأجنبية لعدة مزايا؛ منها انخفاض الرواتب، وارتفاع درجة المهنية والإنتاجية.

أما العامل السعودي فيفضل العمل الحكومي- محدود الفرص- لما يوفره له من مزايا اجتماعية ومالية أفضل، بحسب الخبير الاقتصادي.

وفي نوفمبر الماضي، كشفت وزارة العمل بالمملكة عن تهرب سوق العمل من توظيف السعوديين، وهو ما يتعارض مع خطة "سعودة" الوظائف التي طرحتها الوزارة في مارس 2017، وتنص على رفع نسب التوطين في الشركات العاملة في البلاد.

وقال نائب وزير العمل السعودي، أحمد الحميدان، في تصريحات له، في أكتوبر الماضي، إن 90% من مؤسسات القطاع الخاص وشركاته في المملكة تتهرب من توظيف السعوديين، وتتحايل على وزارة العمل من خلال تكليف إدارة الموارد البشرية بوضع الحلول المناسبة حيال استمرار استقدام العمالة الوافدة.

الكاتب الصحفي السعودي راشد محمد الفوزان استعرض، في مقال نشره مؤخراً بصحيفة "الرياض" المحلية، تأثيرات غياب العمالة الأجنبية عن المملكة، قائلاً: إن "غياب 10 ملايين وافد من العمالة النظامية المؤهلة للعمل في قطاعات مختلفة، وإخراج المقيمين الأجانب، يعني توقف عجلة الاقتصاد كلياً وتماماً".

وأضاف الفوزان: "يرى البعض أن هؤلاء المقيمين الأجانب يأتون وكل السلبيات معهم، ولكن في حال مغادرة هؤلاء بلادنا من سيعمل إذاً في مهن النظافة والبناء والمستشفيات والمصانع والمطارات والصيانة والخدمات وغيرها مئات المهن والحرف (..) إننا ببساطة سنتوقف وتتوقف عجلة الاقتصاد كلياً وتماماً عن العمل".

ودعا الكاتب السعودي إلى توفير بديل يستطيع العمل وفقاً للقواعد المطروحة قبل الحديث عن رحيل العمالة الأجنبية.

جدير بالذكر أن القطاع الخاص السعودي يعتمد بنسبة تصل إلى 80% أو أكثر على العمال الأجانب الذي يشتغلون بشكل شرعي أو غير شرعي، بحسب بيانات وزارة العمل السعودية.

ويعمل قسم كبير من الوافدين إلى المملكة في مهن يرفض السعوديون العمل بها؛ مثل أعمال النظافة والمطاعم والفنادق والخدمات المنزلية، أما القسم الآخر فيشكل عماد قوة العمل في البناء والصناعة والتجارة والنقل والصيانة والخدمات الصحية، وهو ما لم يتهيأ المواطنون في المملكة للعمل به خلال السنوات الماضية.

جدير بالذكر أن الشركات الخاصة الملتزمة بتشغيل عمال سعوديين تشتكي من تدني إنتاجية هؤلاء، وتخلف الكثيرين منهم عن الدوام، والقيام بمهامهم بشكل يعرقل سير العمل ويرفع تكلفته، بحسب تقرير نشرته قناة "دويتشه فيله" الألمانية.