الخليج أونلاين-
لم تنتهِ قضية إفلاس "سعودي أوجيه"، التي كانت فيما مضى من أعمدة عالم المقاولات في السعودية، فما زال آلاف العاملين فيها يطالبون بدفع تعويضاتهم ومستحقاتهم المالية، وسط تجاهل من رئيس الشركة السابق، سعد الحريري، من جهة، والحكومة السعودية من جهة أخرى.
وقبل أسبوع، اعتصم عدد من الموظفين والعمال المصروفين أمام مقرّ السفارة السعودية، وذلك بعد إصدار لجنة الموظفين المصروفين من الشركة بياناً طالبت فيه رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، ووزارة العمل السعودية بإيجاد حلٍّ لقضيتهم.
ويأتي الاعتصام بعد لقاءات مع القائم بالأعمال السعودي في لبنان، وبعد رسالة وجّهتها اللجنة قبل أشهر إلى الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، طالبته بإيجاد حلّ لقضيّة دفع رواتبهم وتعويضاتهم بعد صرفهم من الشركة.
وكانت شركة سعودي أوجيه تعدّ من الشركات العريقة في السعودية، تأسّست عام 1978، بالعاصمة الرياض، وعملت في مجال المقاولات، ووصل عدد الموظفين بها إلى 56 ألف موظف، وبدأت الشركة تعاني في نهاية عام 2014 من مشاكل مالية وصلت إلى حدّ العجز عن دفع رواتب العمال.
وتعمل الحكومة السعودية حالياً على إعادة هيكلة شركة "سعودي أوجيه"، رغم أنّ الأخيرة لا تملك أصولاً كثيرة لأنّها خرجت من السوق السعودي، وقرّرت تصفية أعمالها، في حين أن السلطات مصمّمة على استرجاع كافة الأموال والأصول التي تمّ بيعها، ما يعني تحوّل ملكيتها إلى الحكومة.
- خصومة أنهت الشركة
القصة وصلت إلى منتهى السوء في أغسطس من العام الماضي، عندما طُويت صفحة "سعودي أوجيه"، إحدى أكبر شركات قطاع الأعمال والمقاولات السعودي، لتطوي بذلك تاريخاً حافلاً بالإنجاز والأصول المالية استمرّ 39 عاماً.
ويأتي هذا الإغلاق على أثر تخفيض الحكومة السعودية الإنفاق على مشاريع البناء الفخمة التي كانت تتولى إنشاءها الشركة، لكن هناك من نظر إلى هذه الخطوة على أنها دليل على تراجع النفوذ السعودي على آل الحريري وعلى لبنان نفسه، خاصة بعد تحالف سعد الحريري مع العماد ميشال عون، حليف حزب الله اللبناني، في أكتوبر من العام 2016.
وما زاد الأزمة اشتعالاً مطالبة الحريري، في يونيو من العام الماضي، بضرورة إبقاء لبنان خارج الصراع بين المملكة وإيران، وأنه لا يعارض مشاركة حزب الله في أعمال حكومة بلاده.
من جانب آخر، يُنظر في نفس الوقت على أن تصفية "سعودي أوجيه" من السوق تأتي ضمن إعادة ترتيب الاقتصاد الذي يشرف عليه ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، حيث اعتقل بكر بن لادن، رئيس أكبر شركة إنشاء وإعمار في السعودية، والذي تمكّن من إدارة أكبر برامج البناء على مدى عقود، وفرض دفع تسوية مالية للحكومة بعد اتهامات لرئيسها بالفساد.
وقالت مجموعة "بن لادن"، في بيان لها السبت 13 يناير، إن بعض مساهميها قد يتنازلون عن حصص في المجموعة للحكومة السعودية؛ في إطار تسوية مالية مع السلطات.
ومجموعة "بن لادن" شركة عائلية على غرار "سعودي أوجيه"، تأسّست في العام 1931 من قبل محمد عوض بن لادن، والد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق، وقد فرضت نفسها كشركة عملاقة في مجال البناء، وقامت خصوصاً بتوسيعات في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وسعت السعودية للحصول على 100 مليار دولار من خلال الشخصيات الثرية والنافذة التي اعتُقلت في نوفمبر الماضي، ضمن قضايا فساد، لكن سعد الحريري كان احتجازه مغايراً، حيث أُجبر على الاستقالة في ذات الشهر من منصبه كرئيس للوزراء، قبل أن يعود عنها بعد تدخّل مباشر من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
لكن صحيفة "ميدل إيست آي" أشارت في تقرير لها في ذات الفترة، إلى أن احتجاز الحريري ليس بعيداً عن الاحتجازات التي جرت للأمراء ورجال الأعمال، بل لإجباره على التنازل له عن المليارات التي باسمه واسم العائلة، وهي حصيلة عمل "سعودي أوجيه" لعقود في مشاريع كبرى في السعودية.
- سوء الإدارة
إلى جانب السياسات الاقتصادية الجديدة والعلاقة التي تضرّرت بين بن سلمان والحريري، يجمع مراقبون اقتصاديون على أن العامل الرئيس الذي أدّى إلى انهيار الشركة يتعلّق بسوء الإدارة وغياب الحوكمة، فقد كشفت تحقيقات المملكة ضعف وانهيار مؤشرات الحوكمة والجدوى، لتتحوّل الشركة مع مرور الوقت إلى عبء اقتصادي.
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن المشكلة التي تواجه السلطات السعودية المعنيّة تتمثّل في غياب الأصول المالية للشركة، والتي يمكن اللجوء إليها لدفع مستحقات العاملين.
بدأت قصة الشركة بالتراجع منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، عام 2005، وتولى قيادة الشركة سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية الحالي، وأخوه أيمن الحريري، حيث واجهت الشركة أزمة حقيقية بدأت ملامحها تطفو أكثر عام 2013؛ تمثّلت في الأزمة المالية التي أطاحت بعملاق المقاولات والإنشاءات في المملكة ومشكلة دفع رواتب موظفيها.
ولكون "سعودي أوجيه" لها مشاريع حكومية عملاقة، تدخّلت الحكومة السعودية بشكل قويّ أمام تفاقم أزمة الشركة، وحاولت وزارة العمل إيجاد حلول لمسألة العمال والموظفين، وتضمّنت نقل خدمات أو تجديد الإقامات مجاناً، أو تأشيرة خروج نهائي لمغادرة السعودية، إلا أن الشكاوى المرفوعة ضد "سعودي أوجيه" بدأت تتزاحم في صالات المحاكم ومكاتب الجهات الرسمية حول تأخّر تسديد الرواتب بشكل غير مسبوق.
ورغم الدفعات المالية للمشاريع الحكومية التي من المفترض أن تنفّذها الشركة طوال السنوات الماضية، فإن عدد الدعاوى المرفوعة ضد الشركة بلغ 31 ألف دعوى، إذ إن "الموت البطيء" قد خطّ مساراً واحداً للشركة؛ وهو طريق الإفلاس والانهيار، وأجبر "الإمبراطورية السعودية" على إيقاف كافة مشاريعها الداخلية والخارجية، بحسب صحيفة "عكاظ"، في أغسطس من العام الماضي.
وخلال الأشهر الـ 10 الماضية، حاولت الشركة التخلّص من أعباء 40 ألفاً من موظفيها، وأقدمت على بيع أكثر من 30 مليار ريال من أصولها الثابتة في السعودية، إضافة إلى شركاتها الخارجية في أوروبا ودول الخليج.
كما تدخّلت وزارة العمل السعودية لإيجاد حلول معقولة ترضي العمال، بعدما وصلت شكاوى من نحو 30 ألف عامل ضد الشركة، في حين تقول مصادر حقوقية: إن "بعض العاملين الآسيويين جرى ترحيلهم بالإكراه من السعودية، ومنهم من تم حبسه عدة أيام قبل الترحيل".
وتدخّل أيضاً عدد من السفارات في السعودية؛ منها الفرنسية واللبنانية والباكستانية، في الضغط على الشركة لتسديد ما بذمّتها من أموال لموظفيها، لكن دون جدوى.
لكن اللافت في هذا المسار أن محمد بن سلمان أبدى شماتة كبيرة، وفق صحيفة "ميدل إيست آي"، عندما التقى برؤساء صحف سعودية، في ديسمبر 2016، حيث قال عندما سئل عن "سعودي أوجيه" إنها تستحق ما جرى لها، زاعماً أن "هناك عرضاً حكومياً قُدّم لها لكن لم تقبله"، وفهم الحاضرون أن العرض المقصود هو الاستحواذ عليها مقابل دفع ديونها.