ملفات » الفساد في السعودية

كيف تصبح ثريا على طريقة «محمد بن سلمان»؟

في 2018/05/18

وول ستريت جورنال- ترجمة زياد محمد -

كان الأمير «محمد بن سلمان» مراهقاً عندما أدرك أن والده الأمير «سلمان بن عبدالعزيز» كان فقيراً وفقاً للمعايير الملكية السعودية.

وفي الوقت الذي أصبح فيه أبناء مؤسس المملكة العربية السعودية أثرياء من الأعمال التجارية الحكومية، قام «سلمان» الذي كان حينها حاكم العاصمة بدعم أسرته من خلال تبرعات من أخيه الملك، وقرر الأمير «محمد» تغيير ذلك، وفقاً لما قاله بعد ذلك لمساعديه.

بعد حوالي عقدين من الزمان، أصبح «سلمان» هو الملك، وأصبح «محمد بن سلمان»، هو ولي العهد الذي يقول إنه يريد القضاء على الفساد وإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي ليتماشى مع خطوط أكثر عصرية.

ويعد الأمير «محمد» أيضاً ثريا بشكل خيالي، وفي السنوات الأخيرة، حصل على واحدة من أكبر اليخوت في العالم، بالإضافة إلى قصر فرنسي ولوحة للرسام «ليوناردو دافنشي» بقيمة 450 مليون دولار منحها لاحقاً إلى دولة الإمارات.

وتقدم الطريقة التي جمع بها الأمير ثروته لنا مثالاً على الطرق التي تستمر بها المملكة الأوتوقراطية التي تعد بالأساس شركة عائلية، في مزج المشاريع التجارية والأنشطة الحكومية إلى درجة بعيدة عن الأعراف الغربية.

خلط الأنشطة الخاصة بعمل الدولة

وعلى الرغم من أن العائلة المالكة السعودية كانت معروفة منذ فترة طويلة باحتفاظها بحصة من دخل الدولة النفطي، لكن التعاملات التجارية الأخرى التي يشارك فيها الفرع المسيطر للعائلة قد تم التكتم عليها بشكل أوثق.

فالأمير «محمد» هو المدير الإداري، والمالك لحصة 20%، من شركة منتجة للمواد الكيميائية والتي تزوّد الشركات الكبيرة التي تسيطر عليها الدولة، وفقاً لما أظهرته إيداعات الشركات السعودية في الآونة الأخيرة العام الماضي، وأظهرت السجلات السعودية أن الشركة التي يمتلك أغلبيتها اثنان من إخوة ولي العهد الأصغر سناً؛ قد حصلت على ترخيص واسع النطاق من الحكومة.

بالإضافة إلى ذلك، في عام 2015، ساعد الأمير «محمد» في هندسة صفقة بمليارات الدولارات بين شركة إيرباص العملاقة الأوروبية للطيران، وشركة الخطوط الجوية السعودية المملوكة للدولة، وفقاً للوثائق التي استعرضتها صحيفة «وول ستريت جورنال» ومقابلات مع عدة مشاركين في الصفقة، وتساوي قيمة هذه الصفقة بالنسبة لعائلته عشرات الملايين من الدولارات.

وامتنعت متحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن عن التعليق على التعاملات التجارية للأمير «محمد».

وتشير قصة صفقة إيرباص إلى أن هذا الاختلاط بين الأعمال التجارية والحكومة لا يزال يشكل عنصراً أساسياً في الاقتصاد السعودي، على الرغم من حملة القضاء على الفساد التي أعلن عنها ولي العهد ضد العديد من أفراد العائلة المالكة الذين قال الأمير إنهم استغلوا سلطتهم في الثراء.

وفي الواقع، قررت شركة إيرباص القيام بتعاملات تجارية مع عائلة الملك على الرغم من تحفظاتها على التمييز الباهت بين المصالح المالية الخاصة والعامة، وفقا لأشخاص مطلعين على المسألة.

ورفض متحدث باسم شركة إيرباص التعليق قائلاً إن الشركة لديها سياسة عدم مناقشة أي من تعاملاتها التجارية التي قد تخضع للتحقيق من قبل وكالات إنفاذ القانون.

أنشئت الدولة السعودية الحديثة في عام 1932 عندما قام «عبدالعزيز بن سعود» بتوحيد منطقتين من شبه الجزيرة العربية وأصبح الملك الأول، وسرعان ما اكتشف الجيولوجيون الأمريكيون النفط في الصحراء، موفرين بذلك تدفقاً من المال لتمويل نمط حياة فخم للعائلة المالكة.

ولاحقا، قام العديد من أبناء «عبدالعزيز»، كان لديه العشرات من الأبناء، وأحفادهم ببدء الشركات بالحصول على عقود حكومية بدون مناقصات عبر الاستفادة من سلطتهم السياسية.

استمرت تلك الممارسات بعد وفاة الملك «عبدالعزيز» في عام 1953 وبدأ تمرير التاج إلى سلسلة من أبنائه، وكان أحد الأمراء يحتكر رخصة البريد السريع الوحيدة في البلاد، من خلال مشروع مشترك مع شركة «دي إتش إل»، وهو مثال متكرر للكيفية التي وجّهت بها العائلة المالكة أرباح الأعمال التجارية تجاه نفسها.

تمدد الأمير التجاري

لم يركز الأمير «سلمان» كثيرا على جمع الثروة، كما يقول أشخاص مقربون من العائلة، وبينما بنى إخوته ثروات كبيرة، بنى «سلمان» السلطة.

أمضى الملك الحالي 48 عاما في منصب حاكم الرياض، حيث كان يشرف على توسع المدينة من جيب صحراوي إلى عاصمة ناطحات السحاب الحديثة الشوارع الواسعة من خلال الدولارات القادمة من النفط.

وقد أعطى الأمير «سلمان» الأولوية لتعليم لأبنائه حيث أصبح واحدا من الإخوة غير الأشقاء للأمير «محمد» رائد فضاء، كما أصبح آخر بروفيسور مدرَّب في أكسفورد.

وفي حوالي العام 2000 كان لدى الأمير «محمد» المراهق ما سمّاه بعد ذلك «إدراكاً صادما» وهو أن أباه لم يكن غنياً.

كان الأمير «سلمان» آنذاك يحصل على المال من أخيه الملك «فهد»، لقد عاش حياة كفاف - حتى لو كانت مترفة - ينفق الأموال على نفقات العائلة، بدلاً من الادخار أو الاستثمار.

عندها قام الأمير القلق، في سعيه للحصول على مزيد من الاستقلال المالي، بجمع حوالي 100 ألف دولار للاستثمار في الأسهم السعودية.

وظل الأمير «محمد» يتاجر خلال دراسته في كلية الحقوق، وخلال أوائل عام 2010، مع ترقّي والده في المراتب الملكية، تم تعيينه في سلسلة من المناصب الحكومية، وخلال ذلك الوقت، كوّن الأمير «محمد» مليارات الريالات السعودية، مئات الملايين من الدولارات، عبر سوق الأسهم السعودية، كما أخبر العديد من الأشخاص من المقربين منه.

مدّ الأمير «محمد» نشاطه في الأعمال التجارية، وتظهر سجلات الشركات السعودية اعتبارًا من 2017 أنه يمتلك حصصًا في خمس شركات تطوير عقاري على الأقل، فضلاً عن شركة إعادة تدوير، كما أنه يمتلك 20% من شركة وطن للاستثمارات الصناعية المحدودة، وهي شركة منتجة للمواد الكيميائية التي تزود الشركات التي تسيطر عليها الدولة، بما في ذلك شركة النفط الحكومية، حسبما تظهر الوثائق.

وبرزت شركة تدعى «ثروات» كلاعب رئيسي في الأنشطة التجارية لعائلة الأمير «محمد»، ووفقاً لإقرارات الشركات السعودية، فإن أحد إخوانه الأصغر، «تركي بن ​​سلمان»، يمتلك 99% في حين يمتلك شقيق آخر هو «نايف»، النسبة المتبقية 1%، ولاحقا اشترى الأمير «تركي» حصة أخيه، وفقاً لما قاله «عامر السلهام»، الرئيس التنفيذي لـ«ثروات».

من الناحية العملية، يسيطر الأمير «محمد» على الأعمال التجارية لشركة «ثروات»، ويستفيد منها، وفقاً لما يقوله مصادر مطلعة على تعاملاتهم التجارية.

تمتلك شركة ثروات وفرعها أغلبية في شركة تقنية تدعى «جوراء» والتي حصلت على ترخيص واسع النطاق من الحكومة السعودية في عام 2014، وفقا لما أظهرته السجلات السعودية، وقد سمح الترخيص لها أن تصبح واحدة من ثلاث شركات تشغل شبكات الهاتف المحمول الجديدة في البلاد.

لدى شركة «ثروات» أسهم في مزارع الأسماك والعقارات والخدمات التقنية وتجارة السلع الزراعية والمطاعم، وتقول شركة «نسق القابضة»، وهي شركة استثمار تملكها ثروات، على موقعها على الإنترنت إنها تستثمر في البناء للاستفادة من «خطة التنمية العاشرة للحكومة بما في ذلك استثمارات بقيمة 358.2 مليار دولار في مجال العقارات».

وتدل إقرارات الشركات السعودية على أن ثروات تملك شركة تشترك مع نظام «أوشسنر» الصحي في نيو أورليانز لجلب السعوديين إلى الولايات المتحدة لزراعة الأعضاء.

وقد زودت الخطوط الجوية السعودية المتعسرة، شركة ثروات بفرصة مربحة أخرى.

صفقة الطائرات الضخمة

ففي عام 2014، وبناء على نصيحة خبراء غربيين في التحول، توصلت شركة الطيران التي كانت تخسر الأموال إلى اتفاق مبدئي مع شركة إيرباص لتنشيط أسطولها القديم، وكان من شأن هذا الترتيب أن يزود «السعودية» بعشرات من الطائرات الممولة من صندوق الاستثمار العام للحكومة السعودية، وفقاً لما قاله أحد الأشخاص الذين شاركوا في المحادثات، ومن خلال الموافقة المسبقة على أخذ 50 طائرة، ستحصل السعودية على خصم كبير.

وكما اتضح بعد ذلك، فقد كانت عائلة الأمير «محمد» في تلك اللحظة تتطلع لاستثمارها الخاص في مجال الطائرات، حيث كان المستثمرون في الشرق الأوسط يبحثون عن بدائل لسوق العقارات المشبع، وكانت شركات الطيران تتطلع إلى التخفيف من ميزانياتها عن طريق تأجير الطائرات بدلاً من شرائها بالكامل.

اكتسبت «ثروات» في عام 2014 حصة بنسبة 54% في بنك كوانتوم للاستثمار، وهي شركة مقرها دبي ولديها تاريخ ضئيل من عقد الصفقات، وقد أصبح الأمير «تركي بن سلمان» رئيس كوانتوم.

وشكل المسؤولون التنفيذيون من كوانتوم مع بنك صغير آخر شركة تدعى «International Airfinance Corp» للدخول في أعمال تأجير الطائرات.

أصبحت هذه الشركة مديرة لصندوق سمته «أليف» تم تنظيمه للالتزام بالقيود الإسلامية ضد دفع الفائدة، ووافقت إيرباص على استثمار 100 مليون دولار في هذا الصندوق إذا خصص لشراء طائرات إيرباص فقط، وفي 23 يونيو/حزيران 2014، أقامت إيرباص مع الشركة الجديدة حفلا في لندن للإعلان عن الصندوق الجديد، والذي استضافه الأمير «تركي بن ​​سلمان». وكان الصندوق يهدف إلى جمع 5 مليارات دولار في الأسهم والديون كما تظهر وثائق الصفقة.

بعد ذلك، في يناير/كانون الثاني من عام 2015، توفي الملك «عبدالله» وتعثرت صفقة طائرات ايرباص والسعودية.

بعد فترة وجيزة من تسلّم «سلمان» العرش، أخبر المسؤولون السعوديون شركة إيرباص بأن لديهم خطة جديدة، وفق ما يقوله أشخاص مطلعون على الصفقة؛ فبدلاً من بيع الطائرات إلى الحكومة السعودية، ستبيعها إيرباص إلى صندوق «أليف» المتصل بعائلة «سلمان»، والتي بدورها ستقوم بتأجير الطائرات إلى السعودية.

يقول الأشخاص الذين شاركوا في العملية إن السعودية لم تطلب مناقصات تنافسية من شركات التأجير، ورفضت تقدم الشركات التي تسعى إلى تقديم أسعار تنافسية قبل اختيار الصندوق للقيام بهذه الصفقة.

في وقت الصفقة، كان بعض المديرين التنفيذيين لشركة إيرباص لديهم تحفظات، وقد واجهت إيرباص تحقيقات في فساد محتمل في الخارج من قبل سلطات إنفاذ القانون الغربية، بما في ذلك تحقيق من مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في المملكة المتحدة، بخصوص رشوة محتملة من قبل شركة تابعة لشركة إيرباص في السعودية، ولم تكن ترغب في المزيد من المشاكل.

في نهاية المطاف، رجعت إيرباص عن قرارها وقررت المضي قدما، لقد كانت تلك واحدة من أكبر صفقات الطائرات لهذا العام، وبالإضافة إلى ذلك، فقد قرر مسؤولو إيرباص: «نحن لا نريد منع ابن الملك من ممارسة الأعمال التجارية».

أما الآخرون الذين لديهم حصة في الصفقة فقد شعروا بسعادة غامرة بسبب مشاركة أمير سعودي، حيث قال أحدهم إنه يعتبر أن تورط الأمير «مخاطرة قليلة المخاطر» للمستثمرين، وأضاف: «لقد رأينا أنه من الجيد تواجد أشخاص لديهم جيوب عميقة وروابط سياسية اعتقدنا أنها ستجعل هذه المعاملة تحدث».

الصفقة مريبة

وترك بعض المسؤولين السعوديين في حيرة من أمرهم، حيث يقول أحد المسؤولين في الحكومة وشركة الطيران: «أعتقد الجميع أنه من المنطقي أن يقوم صندوق الاستثمارات العامة السعودي بتمويل هذه الصفقة»، حيث إن شراء 50 طائرة دفعة واحدة سيؤدي إلى تقديم تخفيض ضخم للسعودية، و بموجب صفقة الإيجار لن تستفيد السعودية من هذا الخصم.

وكشفت مراجعة وثائق الصفقة التي قامت بها «وول ستريت جورنال» والمقابلات مع الأشخاص المشتركين في الصفقة بالتفصيل سلسلة معقدة من المعاملات تعود بالفائدة كاملة لصالح شركة «ثروات».

وكما قال أحد المسؤولين الحكوميين: «في النهاية ذهبت الفائدة إلى ثروات، التي جعلت الآخرين يموّلونها وحققت أرباحاً ضخمة دون المخاطرة بأي من أموالهم».

تبدأ السلسلة المعقدة مع بنك «كوانتوم» الذي تمتلكه «ثروات»، وتم تعيين «تركي بن ​​سلمان» رئيساً له، وقال أشخاص مطّلعون إن كوانتوم نظّمت التمويل من المستثمرين والبنوك لشراء الطائرات، وجمع صندوق «أليف» حوالي 4 مليارات دولار اعتبارًا من 2017.

استخدم الصندوق الأموال لشراء طائرات إيرباص بخصم كبير، أكثر من 60% من سعر القائمة، وفقاً لما قالته مصادر مطلعة، ومن خلال تأجير الطائرات إلى السعودية بسعر السوق - بدلاً من تمرير الخصم – استهدف الصندوق عائداً بنسبة 15%، وهذا أعلى من العائد المعتاد المتراوح بين 7% إلى 9% بالنسبة للصندوق الذي يتعامل مع عقود الإيجار طويلة الأجل لشركات الطيران مثل السعودية.

وكان لدى الشركة التي تدير الصندوق ميزة كبيرة محتملة، فهي تحصل على جزء كبير من أرباح الصفقة، على الرغم من أنها لا تملك أي أسهم في الصندوق، حيث تظهر مستندات الصفقة أن شركة «International Airfinance Corp»، تحصل على 35% وهو عائد مرتفع للغاية بالنسبة للمعدل القياسي الذي يتراوح بين 10% إلى 20%.

ورغم أن بنك «كوانتوم» و«تركي بن ​​سلمان» ليسا من المساهمين في «IAFC» المسجلة في جزر كايمان ولا تفصح عن ملكيتها فإن عمليات الشركة تتداخل مع عمليات البنك، والرئيس التنفيذي لشركة كوانتوم هو أيضًا شريك إداري لشركة «IAFC»، كما أن البنك والشركة يتشاركان في الموظفين، وفقاً لما قالته مصادر مطلعة.

ودافع أحد المشاركين في هيكلة الصفقة عن عائدات الصندوق المتوقعة، وقال إن سعر الإيجار لا ينبغي مقارنته بصفقات تأجير الطائرات الأخرى، وقال هذا الشخص إنه لا يوجد سوى عدد قليل من الترتيبات المماثلة، حيث إنه يشمل العديد من الطائرات ومكوّن التمويل الإسلامي الذي يمكن أن يؤدي إلى قيام شركات الطيران بدفع معدلات إيجار أعلى.

قام الأمير «محمد» بوضع اللمسات الأخيرة على الصفقة خلال زيارة إلى فرنسا عام 2015، وفقاً لما قاله مسؤول سعودي على علم بالصفقة، وبعد فترة وجيزة، نسب ولي العهد الفضل لنفسه في هذه الصفقة في تجمع في قصر سعودي.

وقال الأمير: «أنا العقل المدبر وراء هذه الصفقة»، موضحاً كيف أظهر ذلك نجاحه في الموازنة بين المصالح المالية للدولة مع مصالح عائلته الماليّة».