الشرق القطرية-
أحيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجدل الذي أثير قبل عدة أشهر حول احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في السعودية مرة أخرى، وأقر بلغة صريحة وغير دبلوماسية أن السلطات السعودية كانت تحتجز الحريري بالفعل، وأن فرنسا هي التي أنقذته، بالتزامن مع احتجاز عدد كبير من الأمراء السعوديين في فندق الريتز.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أزاح للمرة الأولى الستار عن بعض كواليس أزمة احتجاز الحريري، وشرح في حديثه مع قناة BFM TV، أهمية السياسة الخارجية لبلاده، تطرق إلى الدور الذي لعبته بلاده في لبنان، وخاصة أزمة رئيس الوزراء سعد الحريري الأخيرة مع الرياض.
وقال ماكرون: “هذه هي الدبلوماسية الفرنسية، وهذا هو توجهنا، توجهت إلى الرياض لإقناع ولي العهد السعودي، وبعدها دعوت رئيس وزراء الحريري، وهو ما جعل لبنان يخرج من أزمة خطيرة”، وأضاف: “لو لم يكن صوت فرنسا مسموعاً لاندلعت الحرب في لبنان”.
وتابع الرئيس الفرنسي قائلاً: “أذكر.. رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تم التحفظ عليه في السعودية لأسابيع عدة”.
وقدّم الحريري يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي استقالته بشكل مفاجئ من الرياض، واتهم حزب الله وإيران “بالسيطرة” على لبنان، وبقي لأسبوعين في الرياض وسط ظروف غامضة، تواترت التخمينات حينها عن تواجده بشكل قسري، إلى أن غادر الرياض متوجهاً إلى باريس ليلتقي بماكرون بعد وساطة فرنسية، قبل أن يتجه إلى بيروت.
ونظم اللبنانيون حملات على المستويين الشعبي والدبلوماسي تطالب بعودة الحريري إلى بيروت، خاصة بعد أن اعتبره رئيس الجمهورية ميشال عون “محتجزاً” رغم إرادته في المملكة. وقد اوفد وزير الخارجية جبران باسيل يومها إلى سبع عواصم أوروبية زارها خلال 48 ساعة فقط، ومنها باريس، للمساهمة في الجهود الفرنسية للإفراج عن الحريري، إلا أن الرياض نفت كل هذه المعلومات وتوترت إثر ذلك العلاقة بين البلدين.
وتراجع رئيس الوزراء اللبناني عن استقالته فور عودته إلى بيروت، دون أن يكشف عن ظروف استقالته حتى الآن، مراعيا عودة الانفتاح السعودي عليه، وعلى فريقه السياسي، ولكن ليس من دون تداعيات سلبية على علاقته بالمملكة، حيث يعتقد مراقبون لبنانيون أن السعودية لم تدعم الحريري كفاية في الانتخابات النيابية الأخيرة، فخسر الكثير من رصيده البرلماني، وقد حمل وزير الخارجية التركي صراحة السعودية مسؤولية هذه الخسارة.
ورطة وتخبط
ومن ناحية ثانية، بدأ الحريري حملة إقالات في صفوف فريقه السياسي شملت حتى الآن عددا من المسؤولين أبرزهم ابن عمته ومستشاره الرئيسي نادر الحريري، وقرر إبعاد وزير الداخلية نهاد المشنوق عن موقعه الوزاري في الحكومة المقبلة، والاثنان من المغضوب عليهما سعوديا بسبب مواقفهما الحادة ضدها إبان تلك الأزمة.
المستغرب أن الأوساط المقربة من السعودية في بيروت حاولت امتصاص صدمة القنبلة التي فجرها الرئيس الفرنسي، فخرجت الإعلامية اللبنانية، بولا يعقوبيان التي أجرت مقابلة حصرية مع الحريري أثناء إقامته بالرياض، قالت إن الحريري كان حراً عندما قابلته، وقالت في تغريدة على حسابها على تويتر، كل كلمة قلتها بعد اللقاء كانت صادقة وتعبر عن حقيقة ما شاهدت، كان حراً في منزله عندما وصلت بعد أكثر من أسبوع على الاستقالة وكان معه مرافقوه الذين ذكرت أسماءهم.
شهادة الإعلامية اللبنانية التي أصبحت نائبة حديثة بالبرلمان، وهي التي كانت موظفة في تلفزيون الحريري الممول سعوديا طوال 15 عاما، لاقت هجوماً عنيفاً من متابعيها على تويتر، فقد اعتبر بعضهم أنها كانت مضطرة لإجراء هذه المقابلة بتلك الصورة التي خرجت عليها أمام العالم. وسخر الكثير من هذا إعلانها الجديد واعتبروه محاولة يائسة وبائسة لدحض تصريح الرئيس الفرنسي، وتساءل آخرون كيف سيصدقونها بعد كلام ماكرون الذي أكد أن الحريري كان محتجزاً بالرياض.
إزاء ذلك اضطرت وزارة الخارجية السعودية مجددا إلى نفي واقعة احتجاز الحريري، وقالت إن ما ذكره الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن احتجازه لأسابيع عدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في الرياض، هو كلام غير صحيح، بحسب تغريدة على حساب الوزارة الرسمي على تويتر.
هذا النفي نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن مصدر في الخارجية وورد فيه أن المملكة كانت ولا تزال تدعم استقرار وأمن لبنان وتدعم دولة الرئيس الحريري بكافة الوسائل".
قراءة سياسية
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني علي حمود قرأ في النفي السعودي ثلاث نقاط رئيسية:
أولا: استخدم البيان لغة غير دبلوماسية بالقول إن كلام ماكرون غير صحيح (كذب) ولم يستخدم تعبير "غير دقيق" الدارج استعماله في هكذا حالات، وكأن السعودية أرادت أن ترد بالمثل على الرئيس الفرنسي، لا بل إنها تجاوزت الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، حيث إن بيان الخارجية السعودية يعتبر أن ماكرون كاذب، وفي ذلك إهانة مباشرة لفرنسا ورئيسها، مما يؤشر على احتمال نشوب أزمة دبلوماسية بين البلدين.
ثانيا: حفل بيان النفي بالمواقف السياسية ضد إيران وحزب الله ولم يتطرق إلى وقائع أزمة احتجاز الحريري، فهو بيان سياسي تناول أزمات المنطقة وخصوصا اليمن، وتحدث بإسهاب عن الدور السعودي في لبنان، مذكرا فرنسا بأنها كانت ضحية أيضا للإرهاب الإيراني. فظهرت الخارجية السعودية وكأنها تغطي على جريمة بإثارة جرائم أخرى أكثر فظاعة.
ثالثا: يلاحظ تمسك بيان الخارجية السعودية بحسن العلاقات مع فرنسا، وهذا اعتراف ضمني بالفشل السعودي في أزمة الحريري، واعتراف بصوابية السياسة الفرنسية يومها .
وخلص حمود إلى القول: لفرنسا أسبابها في تفجير هذه القنبلة الآن، وقد تكون متعلقة بتطورات الاتفاق النووي الإيراني، والخلاف الأوروبي الأميركي حوله، إلا أن المهم في هذه المسألة ثبوت التخبط السعودي في لبنان، بشهادة دولية لا يرقى إليها الشك.
مواجهة سعودية ألمانية
الحريري كان حاضرا وبقوة في أزمة دبلوماسية ثانية تفجرت بين الرياض وبرلين على خلفية فرض الرياض عقوبات على الشركات الألمانية؛ حيث كشفت وسائل الإعلام الألمانية عن خفايا وأسرار القرار السعودي بمعاقبة برلين تجاريا، وحددت 6 أسباب صنعت التوتر وأججت الخلاف منذ 2015.
وحسب التقارير، فإنه يمكن إجمال محاور المواجهة السعودية الألمانية حاليا في ستة أركان مثلت الأسباب الرئيسية للأزمة جاء على رأسها معارضة برلين للحصار المفروض على قطر "فضلا عن رفضها لاحتجاز الحريري في الرياض" حيث كان هذا التطور فارقا في العلاقة بين الرياض وبرلين، فالأخيرة تحركت بعنف لإنهاء هذا الأمر، وقادت تحركات مع فرنسا للضغط على السعودية لإطلاق سراح الحريري، والذي تراجع عن استقالته من منصبه، والتي أعلنها من الرياض، بمجرد عودته إلى بلاده، مما شكل إحراجا للمملكة. وحضرت تلك الأزمة في تصريحات وزير الخارجية الألماني المفجر لأزمة استدعاء السعودية لسفيرها في برلين. يضاف إلى تلك الأسباب رفض ألمانيا المساس بالاتفاق النووي مع إيران، وهذا التطور جعل السعودية تنظر إلى ألمانيا، على اعتبار أنها داعمة لعدوها اللدود، إيران.
الأزمة مع إثيوبيا
لاحت خلال الأيام القليلة الماضية في سماوات العلاقات السعودية الإثيوبية بوادر أزمة دبلوماسية "تكثفت سحبها ومؤشراتها بشكل مفاجئ خلال الساعات الأخيرة" حيث كشفت مصادر دبلوماسية إثيوبية أن أديس أبابا استدعت سفيرها في الرياض وقنصلها من جدة وتشير المعطيات والتطورات إلى أن سبب تلك الأزمة رجل الأعمال السعودي المليادرير محمد العمودي المعتقل في الرياض "الذي أرجأت المملكة بشكل مفاجئ إطلاق سراحه" بعد أن كانت قد وعدت رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد علي بتسليمه له والمغادرة معه على نفس الطائرة. وكشفت مصادر دبلوماسية أن إثيوبيا استدعت سفيرها من العاصمة السعودية الرياض وقنصلها من مدينة جدة بشكل مفاجئ، ما يضاعف أزمات الدبلوماسية السعودية.