واشنطن بوست-
يفتتح في متحف اللوفر الفرنسي معرض لأعمال المعلم والفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، بمناسبة مرور 500 عام على وفاته، والمشكلة بالنسبة لأمناء المتحف الفرنسي والقائمين على المعرض الكبير هي غياب لوحة “سلفاتور موندي” أو “المسيح مخلص العالم” التي بيعت بالمزاد العلني في عام 2017 بقيمة 450 مليون دولار، وقد طلبوا من صاحبها الغامض أن تعرض لكنه متردد.
ولهذا السبب لن تكون اللوحة ضمن اللوحات المعروضة بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” أعده سبستيان سمي. ونقل سمي عن كل من فينست ديلفين ولوي فرانك قولهما إنهما طلبا اللوحة من مالكها والذي يعتقد أنه الأمير محمد بن سلمان (وهو نفسه الذي قالت سي آي إيه إنه من أمر بقتل الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول). ومنذ بيعها في مزاد كريستي بسعر خيالي أثير الكثير من الجدل حول نسبة اللوحة لدافنشي، حيث قال البعض إنها رسمت في مرسمه ولم يرسمها بنفسه.
وسيفتتح معرض “ليوناردو دافنشي” بعد أيام، إلا أن المتحدثة باسم المتحف سيلين ديلفين تقول: “لا نزال ننتظر الإجابة”. والصمت من جانب المالك الجديد مؤلم ومن الصعب فهمه. وربما كان المالك قلقا حول تداعيات إقراض اللوحة، وينتظر تطمينات من المتحف قبل ذلك.
ويقول سمي إن غالبية خبراء الفنان يرون أن دافنشي رسم لوحة “المسيح مخلص العام”، الغالبية على الأقل. وهناك آخرون لم يقتنعوا أن الفنان هو الذي رسم اللوحة التي كانت في حالة سيئة واقتضى ترميمها عددا من السنوات حتى تصلح للعرض. ويرى هذا الفريق أن اللوحة هي من عمل واحد من مساعديه أو تلامذته.
ويعلق الكاتب أنه لو تم عرض اللوحة في متحف اللوفر وتم تقديمها على أنها جزء من مجموعة دافنشي، فسيكون هذا بمثابة اعتراف من مرجعية فنية معروفة في العالم، خاصة أن المتحف يملك خمس لوحات للفنان منها “الموناليزا”.
ولكن أمناء المتحف الذين خططوا لعرض اللوحة ضمن قسم “دائرة المعلم” وليس من أعماله الحقيقية، احتفظوا بحق وضع “سلفاتور موندي” في المكان الذين يرونه مناسبا. وقالت ديلفين الشهر الماضي في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إنه حالة وصول اللوحة “فسنقول رأينا فيها وإن شارك فيها ليوناردو أم لا”.
وترى الصحيفة أن قرار المتحف عرضها، لو حدث ضمن أعمال الفنان أو أنها نتاج مرسمه، سيترك تداعياته الكبيرة على تقييم اللوحة. ولا يريد محمد بن سلمان، لو كان المالك الحقيقي للوحة أن يعرض ما اشتراه لهذا الخطر. وفي هذه الحالة ستظل لوحة “المسيح مخلص العالم” بعيدة عن الأنظار وربما في يخته “سيرين” أو في خزانة بسويسرا.
ويتساءل الكاتب عن السبب الذي أدى لاختفاء اللوحة رغم الاهتمام الدولي بها، وعدم قدرة مؤسسة فنية نافذة مثل اللوفر الحصول على معلومات عن مصيرها.
وقصة اللوحة من السهل سردها، فقبل 12 عاما بيعت في مزاد لكريستي في نيوأورليانز واشتراها روبرت سيمون وأليكس باريش، اللذان دفعا فيها 1.175 مليون دولار.
ويعلق بن لويس، الناقد الفني الذي ألف كتابا عن اللوحة، بأنه لا يوجد عمل زاد سعره بسرعة فائقة مثل لوحة المسيح مخلص العالم. وكان قرار المتحف الوطني للفن في لندن عرض اللوحة عام 2011 ضمن معرض لأعمال دافنشي نقطة تحول أخرى في حياة اللوحة، خاصة أن الخبراء ظلوا مترددين في قبولها ضمن تراثه.
وكان القرار هذا بمثابة منح حياة لها وتسهيل بيعها في سوق الفن. وكان قرار لوك سيصون، أمين المعرض، ذلك قائما كما أخبر لويس “على الطريقة التي يتواصل فيها العمل مع المشاهد، مع أن المعلومات التقنية حولها مهمة” فهو “عمل يحوم بين عالمنا وعالم الروح”.
ولكن هذا الكلام لم يكن كافيا لعرضها ضمن أعمال دافنشي، فقد طلب سيصون من صاحبها سيمون إحضارها من أمريكا لكي يتم فحصها على يد خمسة خبراء في أعمال الفنان، منهم اثنان جاءا من ميلان وآخر من نيويورك وواحد من واشنطن ومارتن كيمب من أوكسفورد.
ولم يطلب تأكيد نسبة اللوحة لدافنشي ولم يكن هناك نقاش رسمي أخذت فيه ملاحظات. وبعد الاجتماع أخبر الكاتب مدير المتحف أن الخمسة اتفقوا على أن اللوحة من أعمال دافنشي الحقيقية. وكشف لويس لاحقا أن الخمسة لم يوافقوا على أن اللوحة هي لدافنشي. واعترض واحد من الإيطاليين على أن كلامهم أخذ كموافقة.
وبعد عامين من متحف لندن، باع سيمون وباريش اللوحة إلى شخص باسم يوف بوفوار بـ75 مليون دولار، وبعد أيام باعها إلى الروسي ديمتري ريبولوفيف بـ127.5 مليون دولار.
وبعد عامين وضع ريبولوفيف اللوحة في مزاد كريستي وبيعت في البداية بـ70 مليون دولار، وعندما وصلت إلى 90 مليون بدا وكأن البيع توقف، ثم ارتفع سعرها.
وكان كيم يتابع المزاد عبر الإنترنت وتوقع أن يتوقف المزاد عند 110 ملايين دولار “ولهذا ذهبت للنوم” حسب قوله لجريدة “أرت”، لكنه اكتشف في الصباح أن اللوحة حصدت مبلغا خياليا. ويقول إنها في إطار مختلف من أعمال دافنشي، وهذا صحيح، وهي حالة مثيرة لكن السؤال حول نسبتها إلى دافنشي تظل مسألة معقدة، وهنا أسباب عدة تدعو للشك فيها أو قبولها على أنها جزء من أعماله.
وبمرور 500 عام على وفاته، تتسابق المتاحف في العالم للحصول على أعماله، وحتى متحف اللوفر كافح للحصول على أعمال للمعرض القادم، فهناك ما بين 13- 15 لوحة للفنان. وعدم عرض لوحة “المسيح مخلص العالم” في معرض اللوفر قد تكون ضربة لكل من يلومه على وضع شروط حول كيفية العرض في ضوء الدور الذي لعبه معرض لندن عام 2011 في الترويج لها رغم الشكوك المحيطة بها.