القدس العربي-
لم يتأخر الملك الإسباني فيلبي السادس عن مواجهة العاصفة التي أثارتها مؤخراً تقارير صحافية تناولت تورط الملك الأب خوان كارلوس في فضائح رشاوي وعمولات بعشرات ملايين الدولارات مصدرها السعودية، عبر مؤسسات مسجلة في سويسرا وباناما على صلة بمقربين من الملك السابق.
ولأن التقارير أشارت إلى أن الملك الحالي في عداد أبرز المستفيدين من أموال المؤسستين، فقد سارع القصر الملكي إلى إصدار بيان يوضح فيه أن فيلبي السادس نأى بنفسه عن تلك الاستفادة فور معرفته بها في نيسان/ أبريل السنة الماضية، وجرى توثيق ذلك لدى كاتب بالعدل.
وأنه يعيد تأكيد تخليه وأفراد أسرته عن كلّ ما يخالف القانون في ميراث أبيه. كذلك اتخذ الملك قراراً بسحب مخصصات الملك السابق في محاولة لاستعادة ثقة الشارع الشعبي بالمؤسسة الملكية، مما يذكّر بقراره سحب لقب دوقة بالما من شقيقته كريستينا سنة 2015، بعد انكشاف تورطها وزوجها في فضيحة مالية.
وإذا كان الجانب الأول في هذه الفضيحة الجديدة يسلط الضوء على مزيد من ممارسات الفساد والفضائح التي انخرط فيها الملك الأب وتسببت في تآكل شعبيته إلى درجة تنازله عن العرش منذ 2014، فإن الجانب الثاني يطمئن على الحالة الصحية للديمقراطية الإسبانية التي دفعت الملك الحالي إلى محاسبة أبيه وشقيقته، والنأي بنفسه عنهما، وكذلك تمتع القضاء الإسباني بسلطة التحقيق في مخالفة القانون حتى على أعلى مستويات الدولة.
ومما يشدد على هذا البعد في التجربة الإسبانية أن الملك السابق المتهم بالفساد هو نفسه خوان كارلوس الذي ظلّ طوال عقود يتمتع بشعبية واسعة، لأنه كان وراء نقل البلاد من دكتاتورية الجنرال فرانكو إلى نظام ملكي برلماني مستقر منذ العام 1977، كما جنّب إسبانيا أخطار انقلاب عسكري محقق في سنة 1981.
ومن المخزي في المقابل أن تكون دولة عربية مثل السعودية في عداد أبرز مفسدي هذه التجربة، كما يتضح من المعلومات التي أخذت تتوفر بعد الفضيحة الأخيرة.
وأن مبلغ 100 مليون دولار وُضعت في حساب إحدى المؤسستين التابعتين للملك الإسباني السابق مرسلة من العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز في سنة 2007، أضيف إليها مبلغ 65 مليون دولار كرشوة من السعودية إلى خوان كارلوس شخصياً لقاء صفقة توريد القطارات الإسبانية السريعة إلى السعودية.
فالمملكة التي يمارس حكامها ألوان الاستبداد والتنكيل والقهر بحق المواطن السعودي، وخاصة المرأة، لا تبغض الحريات والحقوق والتمثيل الشعبي وكل ما يمت إلى الديمقراطية بصلة فقط، بل تتعمد إلحاق الاذى بالتجارب الديمقراطية للشعوب وتسعى أيضاً إلى إفساد أنظمتها وقادتها.
وليس مستغرباً بذلك أن الكثير من الفضائح المالية التي تعصف بعدد من ساسة الغرب ومسؤوليه في القطاعات الحكومية والخاصة على حد سواء، تعود بجذورها إلى السعودية.
فلا تقتصر على إفساد الذمم وشراء الضمائر وإشاعة ثقافة الرشوة فحسب، بل تشمل أيضاً التجسس على الهواتف الشخصية وانتهاك الخصوصية وتمويل عمليات التخريب، وصولاً بالطبع إلى تصفية المعارضين جسدياً على غرار اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
والمثل السائر يقول إن المال «السايب» يعلّم الناس السرقة، وقد يعلمهم ارتكاب الحرام أيضاً، وليس مال حكام السعودية إلا النموذج الأوضح، وبالتالي فإنّ الملك الإسباني السابق ليس إلا أحدث ضحاياه.