يوسف حمود - الخليج أونلاين-
شهد ملف مكافحة الفساد في السعودية تطوراً ملموساً انعكس على جهود الإصلاح التي تشهدها المملكة في إطار عملية التحديث التي طالت جميع مفاصل الدولة ضمن "رؤية 2030".
وخلال السنوات الأخيرة، حرصت السعودية على تكثيف جهودها الرامية إلى مكافحة الفساد واحتواء تداعياته ومخاطره الاقتصادية والأمنية على المجتمع، وعملت على تقديم الدعم اللازم للجهات واللجان المختصة.
وخلال تلك الأعوام شنت السلطات حملات واسعة ومكثفة للتفتيش والرقابة والقبض على متهمين بالفساد، بينهم مسؤولون في عدة قطاعات، فضلاً عن قيادات أمنية وعسكرية وسياسية.
حملات مكثفة
لم يكن العام الجاري 2024 مستثنى من الحملات التي شنتها السعودية، خلال الأعوام الماضية، بل شهد حملات مكثفة قامت بها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة"، التي باشرت اختصاصاتها ومهامها من خلال عمل عدة جولات رقابية مختلفة.
في أبريل، قالت "نزاهة" إنها نفذت (1790) جولة رقابية، وحققت مع (268) مشتبهاً به، وأوقفت (166) مواطناً ومقيماً بتهم (الرشوة، واستغلال النفوذ الوظيفي، والتزوير، وغسل الأموال).
وفي مارس، قالت الهيئة إنها حققت مع 239 متهماً في عددٍ من القضايا الجنائية والإدارية كجرائم الرشوة واستغلال النفوذ، والتزوير، وغسل الأموال، وإيقاف 146 متورطاً يعملون في 8 جهات حكومية على غرار وزارتي الداخلية والدفاع، ووزارة الحرس الوطني، بجانب وزارة العدل، فضلاً عن التعليم والصحة والشؤون البلدية والقروية، والزكاة والضريبة.
وفي فبراير الذي سبقه، قامت الهيئة بـ3209 زيارات إشرافية، خلال شهر فبراير 2024، وممارسة ولاياتها وواجباتها، إلى جانب التحقيق مع 288 فرداً متهماً، واعتقال 126 مواطناً ومقيماً (مع إطلاق سراح العديد من الأفراد بكفالة)، بما يتماشى مع قانون الإجراءات الجنائية.
وفي يناير، أعلنت مباشرتها 2181 جولة رقابية، والتحقيق مع 360 مشتبهاً فيه؛ من ضمنهم موظفون من وزارات: "الداخلية، والتعليم، والشؤون البلدية والقروية والإسكان، والبيئة والمياه والزراعة"، وتوقيف 149 متهماً.
خطوة جديدة
ومع بداية شهر مايو 2024، أعلنت لجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية إدانة 13 مستثمراً بمخالفة نظام السوق المالية في المملكة ولوائحه التنفيذية، بينهم السفير السابق لدى الإمارات تركي الدخيل، وألزمتهم ومستثمرين آخرين بدفع 42.9 مليون ريال (11.4 مليون دولار).
وقالت (2 مايو) إنها غرّمت 13 من المدانين بـ17 مليون ريال (4.53 ملايين دولار)، إثر قيامهم بإدخال أوامر شراء بهدف التأثير في سعر السهم، ارتبط بعضها بأوامر بيع، وذلك أثناء تداولهم على أسهم عدد من الشركات المدرجة.
كما ألزمتهم ومستثمرين آخرين بدفع ما مجموعه 25.9 مليون ريال (6.91 ملايين دولار) نظير المكاسب غير المشروعة التي تحققت على محافظهم الاستثمارية.
وحصلت المخالفات ما بين 4 مايو 2020 و20 مايو 2021، أثناء تداولهم من خلال محافظهم الاستثمارية، وأخرى عائدة لمستثمرين آخرين؛ "إذ شكلت هذه التصرفات والممارسات تلاعباً واحتيالاً، وأوجدت انطباعاً مضللاً وغيرَ صحيح في شأن الورقة المالية للشركات المشار إليها".
وفي اليوم التالي من إعلان اللجنة السعودية قرارها، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز (3 مايو 2024)، أمراً ملكياً بـ"عدم إطلاق لقب معالي على كل من يرتكب جرائم الخيانة أو الفساد، وما يخل بنزاهة الوظيفة العامة، من شاغلي مرتبة وزير والمرتبة الممتازة".
وأوضحت أن الأمر الملكي أكد على عدم إطلاق لقب "معالي، سواء كانت الإدانة بحكم قضائي أم تمت التسوية معهم، مع سحب المزايا التي يتمتعون بها بموجب المرتبة التي كانوا يشغلونها، وكذلك سحب الأوسمة التي يحملونها".
وفي الـ4 من أبريل الماضي، دانت لجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية خمسة مستثمرين بمخالفة نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، وغرمتهم 3.5 مليون ريال (930 ألف دولار)، وألزمت أربعة منهم وشركة محلية بدفع 41.4 مليون ريال (نحو 11 مليون دولار)، نظير المكاسب غير المشروعة التي تحققت على محافظهم الاستثمارية.
نتائج إيجابية
يصف الكاتب والصحفي السعودي بدر العتيبي الجهود التي بذلتها المملكة من خلال وضع استراتيجية حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؛ بـ" الإيجابية الجمة".
وفي حديثه سابقاً مع "الخليج أونلاين" أشار إلى "نجاح أعمال هيئة مكافحة الفساد، على مدار السنوات الماضية، في استرداد المليارات المنهوبة جراء قضايا فساد مختلفة إلى خزينة الدولة، ومعاقبة المفسدين، كما كان للرصد المتواصل لهذه الجرائم وكشفها وضبطها دور كبير في تراجعها وحماية المجتمع".
ويقول العتيبي: إن "مكافحة الفساد هي من أكبر التحديات التي يواجهها أي مجتمع؛ لما له من آثار كارثية على التنمية المستدامة، وإذا تحدثنا عن تحديات حماية النزاهة ومكافحة الفساد فإنها بحاجة إلى برامج إصلاح شاملة تحظى بدعم سياسي قوي".
كما أشار إلى أن "المملكة تسير في هذا الطريق باستراتيجية تقوم على تشخيص المشكلة ومعالجة أسبابها بالتعاون بين الأجهزة الحكومية المختلفة، إلى جانب مشاركة المجتمع في هذا الأمر، إضافة إلى تعزيز المبادئ والقيم الأخلاقية للإدارة والمجتمع، فضلاً عن الاستفادة من التجارب الدولية لمجابهة الفساد".
وحول إسهام جهود مكافحة الفساد في المحافظة على المال العام وإنفاذ القانون يقول العتيبي: "إذا تتبعنا الجهود المبذولة، خلال السنوات الأخيرة، فسنجد أن أعمال هيئة مكافحة الفساد وبدعم من القيادة وبالتعاون مع أجهزة الدولة على جميع مستوياتها؛ تمكنت من استرداد مئات المليارات المنهوبة إلى خزينة الدولة، ومحاسبة المتورطين في هذه الجرائم عبر إحالتهم للمحاكم المختصة، وهو ما ساهم في تحسين الإيرادات والميزانية".
آلية مكافحة الفساد
وقضايا الفساد في السعودية تعتبر من القضايا الخطيرة التي تسعى المملكة إلى مكافحتها والتصدي لها من خلال إصدار التشريعات التي تعاقب على ارتكابها. حيث يعتبر الفساد ظاهرة عالمية لها العديد من المخاطر.
ويقول رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية، مازن بن إبراهيم الكهموس، إن المملكة أولت مكافحة الفساد اهتماماً كبيراً، واتخذت خطوات قانونية في هذا الإطار.
جاء ذلك خلال كلمة الكهموس في اختتام أعمال الاجتماع الوزاري الثاني لمكافحة الفساد بدول مجموعة العشرين (أغسطس 2023)، مؤكداً أن السعودية اتخذت خطوات ملموسة لتطوير الأطر القانونية، والممارسات العملية في مجال مكافحة الفساد؛ لتحقيق رؤية المملكة 2030 الهادفة للوصول إلى اقتصاد متنوع مستدامٍ.
وحددت السعودية عدة أنواع للفساد، كقضايا الرشوة متمثلة بـ"استغلال النفوذ في سبيل تحقيق مصالح شخصية، والتزوير، وغسل الأموال، والغش التجاري، قضايا الاحتيال المالي وإساءة الأمانة، والاختلاس، والكسب غير المشروع، والتهريب الجمركي، والتهرب الضريبي".
كما تعتبر قضايا الفساد المالي والإداري في السعودية من أبرز العوائق التي تقف بوجه التنمية للمجتمع؛ وذلك للأضرار الكبيرة التي يتسبب بها للأفراد والشركات وغيرها في المجتمع.