لم يكن 2016 عاما جيدا على المملكة العربية السعودية. حيث أدى انخفاض أسعار النفط بشكل حاد إلى أزمة مالية محلية دفعت البلاد لإعادة هيكلة اقتصادها. كما أن صراع آل سعود المرير مع إيران من أجل الهيمنة الإقليمية ورطهم في حروب وصراعات سياسية لم يتمكنوا من الفوز فيها، ولم يترك لهم أي بديل سوى الاعتراف بالفشل أو التوصل إلى حل وسط. وإذا كان عام 2016 سيئا، فإن عام 2017 يهدد بأن يكون أسوأ.
أغلقت المملكة العربية السعودية عام 2016 بوقف إطلاق نار في سوريا وآفاق لمحادثات سلام مدبرة من قبل روسيا وتركيا، مما يضعف بشكل كبير الجماعات المعارضة المدعومة من السعودية ويعزز موقف الرئيس السوري «بشار الأسد» الحليف الرئيسي لإيران. لقد كان الأمل الوحيد في المملكة العربية السعودية للتأثير على الأحداث في سورية هو تخريب وقف إطلاق النار من الجهاديين الذين ليسوا جزءا من وقف إطلاق النار، أو من «الأسد» لأسباب خاصة به. ولكن سقوط حلب، المعقل الحضري الرئيسي للمعارضة، هدد بالحد من المقاومة المناهضة للأسد إلى حد كبير حتى في المناطق الريفية.
لبنان واليمن.. الخسارة في مواجهة إيران
ومما زاد الطين بلة، أن السعودية، لم تكن قادرة على منع مرشح كان مدعوما من قبل حزب الله، من أن يصبح رئيسا للبنان. وحزب الله هو الميليشيا الشيعية اللبنانية التي ساعدت «الأسد» في استعادة اليد العليا في الحرب الأهلية السورية، وقد وافقت الرياض ضمنيا على تعيين «ميشيل عون»، الحليف المقرب من حزب الله، وسرعان ما تمت دعوته لزيارة المملكة في مطلع العام الجديد.
و كجزء من الصفقة، عين «عون»، «سعد الحريري» في منصب رئيس الوزراء وهو نجل «رفيق الحريري»، رئيس الوزراء ورجل الأعمال اللبناني الذي اغتيل في عام 2005 واتهم عناصر حزب الله بالوقوف وراء ذلك. وبذلك تكون الحكومة السعودية أنهت صفقة المواجهة التي دامت أكثر من عامين بين الجهات المدعومة من الإيرانيين والمدعومة من السعودية والتي تسببت في ترك المقعد الرئاسي شاغرا.
تكمن حساسية المواجهة أيضا في تحدي إيران للوصاية على اثنين من أقدس المدن في الإسلام، وهما مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتحدي دور المملكة العربية السعودية التي ستتفاوض مع 80 دولة بخصوص الحج عام 2017. وقد فشلت السعودية وإيران في التوصل إلى اتفاق للحج عام 2016، تاركة إيران من دون حصص للحجاج مما جعلها تطعن في إدارة المملكة للحج.
وقد تحولت الحملة العسكرية التي مر عليها تقريبا عامين في اليمن، من نزهة إلى مستنقع للمملكة. وحاليا تبحث السعودية عن استراتيجية للخروج مع حفظ ما الوجه من اليمن حيث لم تستطع القضاء على الحوثيين المدعومين من إيران وعلى الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» الذي يسيطر على معظم أنحاء البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء كما أن هناك مشاعر معادية للسعودية على نطاق واسع بين أعداد كبيرة من اليمنيين.
وقد تلقي الحملة بظلالها على قدرات البلاد التي تعد ثاني أكبر مستورد للمعدات العسكرية في العالم. وقد أوقفت الولايات المتحدة أواخر العام الماضي بيع ذخائر موجهة للسعودية حيث كرر سلاح الجو السعودي استهداف أهداف مدنية في اليمن، مما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من الأبرياء وقد فتح ذلك على المملكة باب الانضمام إلى الدول المتهمة بجرائم الحرب.
يهدد عجز السعودية عن تنفيذ نجاحات سياسية أو عسكرية في حرب اليمن مصداقية ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، نجل الملك «سلمان»، المسؤول أيضا عن خطة التحول الاقتصادي. ويعتقد كثيرون أن الملك «سلمان» يريد الأمير «محمد» خلفا له رغم وجود اعتراضات من داخل أسرة آل سعود.
خلافات مع مصر
وبالمثل، استخدمت السعودية عضلاتها السياسية والمالية لتثبيت الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري في عام 2013 وفشلت الجهود في دعم استقرار الاقتصاد المتدهور. بدلا من ذلك، فإن السعودية، وعدد من دول العالم العربي الكبيرة من حيث عدد السكان مثل مصر على خلاف بشأن إيران وسوريا وغيرها من القضايا المختلفة.
وقد علقت السعودية في أكتوبر/تشرين الثاني اتفاقا قيمته 23 مليار دولار بشأن تزويد مصر بحوالي 700 ألف طن من المنتجات النفطية وجاء ذلك بعد أن دعمت مصر القرار الروسي حول سوريا في مجلس الأمن. ولكن فتور العلاقات والعقوبات لم تفعل شيئا يذكر في جعل «السيسي» أكثر تعاطفا مع المخاوف السعودية.
وأخيرا مع تنصيب «دونالد ترامب» في هذا الشهر يمكن أن تتفاقم المشاكل في السعودية حيث كان «ترامب» قد اقترح التراجع عن دعم الولايات المتحدة للمتمردين المناهضين للأسد في سوريا، والتركيز على التعاون مع موسكو في هزيمة «الدولة الإسلامية». ومن شأن ذلك تعزيز فعالية إيران وروسيا و«الأسد» في سوريا بالفعل.
وقد ألمح الرئيس المنتخب أيضا أنه قد يتخلص من الاتفاق النووي الذي تم بين المجتمع الدولي وإيران. حيث دعت السعودية السيد «ترامب» ليس لإلغاء الاتفاق بل إلى ردع إيران عن دعم الوكلاء في الدول العربية. إن إلغاء الاتفاق قد يجر السعودية إلى سباق تسلح نووي مع إيران.
كما أن اقتراحات «ترامب» المتعاطفة مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة تهدد وضع المملكة في الوقت الذي وجدت فيه أرضية مشتركة مع (إسرائيل) في السعي لوقف التمدد الإقليمي الإيراني. كما تعهد «ترامب» بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وقد وصف مرشحه كسفير لـ(إسرائيل)، «ديفيد فريدمان»، القدس بأنها «عاصمة أبدية للدولة اليهودية». وهذه الأمور قد تزيد من توتر العلاقات المضطربة بالفعل مع الولايات المتحدة. هناك احتجاجات واسعة ضد احتمال نقل السفارة يمكن أن تتحرك من الدول العربية، بما في ذلك السعودية، وقد تؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة و/أو اتخاذ خطوات انتقامية أخرى.
كما أن «ترامب» قد اقترح أنه يمكن أن يوقف واردات النفط من المملكة في محاولة لجعل قطاع الطاقة مستقل وغير معتمد على الخارج. كما أنه ألقى باللائمة خلال الحملة الانتخابية على السعودية في هجمات 11 سبتمبر/أيلول.
عقد اجتماعي جديد
إن حالة عدم اليقين في علاقة السعودية مع الولايات المتحدة لا يمكن أن تأتي في لحظة أسوأ منها الآن بالنسبة للمملكة. حيث أن الحكومة السعودية قد بدأت في التراجع في سياستها الخارجية مع عدد من النكسات العسكرية في نفس الوقت الذي تقوم فيه بإعادة كتابة العقد الاجتماعي.
إن إعادة صياغة العقد الاجتماعي يشكل نهاية الصفقة التي انطوت على نظام رعاية اجتماعية من المهد إلى اللحد، والتي كانت في مقابل التنازل عن الحقوق السياسية والالتزام بالأعراف الاجتماعية الوهابية.
لقد تم خفض الإنفاق على التعليم والخدمات الاجتماعية، كما أن تبسيط البيروقراطية في بلد توظف فيه الدولة ثلثي المواطنين هو عمل خطير.كما أن الأمر أكثر خطورة أيضا في بيئة تشكلت فيها بنية السلطة الأساسية في البلاد، بناء على اتفاق لتقاسم السلطة بين عائلة آل سعود الحاكمة والمؤسسة الدينية في البلاد، وهو ما يجري الطعن فيه من جانب مطالب التغيير الاقتصادي والاجتماعي.
إن الملك والأمير محمد بن سلمان لديهم صورة كاملة لعام 2017. بالنسبة لهم ولأسرة آل سعود تكمن القضية الأساسية في البقاء والاستمرارية. ومع عدم وجود بديل موثوق لآل سعود ومع التجربة الأخيرة من الاحتجاجات الشعبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي أنتجت الحروب الأهلية، وتمدد الجهاديين والقمع فمن غير المرجح أن يلجأ السعوديون إلى الثورة إلا أنهم سيطلبون المزيد من حرية الرأي وقدرا أكبر من المساءلة، وقد تواجه الحكومة ذلك مع زيادة في القمع والاستبداد.
إنتترناشيونال بوليسي دايجست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-