تجدّدت، في الأيام الأخيرة من العام المنصرم (2016)، الأقاويل حول صحة السلطان قابوس آل سعيد (75 عاماً)، تم نفيها في مسقط، وإظهار صورة جديدة للسلطان بصورة بدا فيها أحسن حالاً مما كان عليه لدى عودته من العلاج في ألمانيا قبل أكثر من سنة.
ورغم أن سلطان عُمان لا نائب له، ولا ولي للعهد، ولا رئيس لمجلس الوزراء، إذ يترأس السلطان بنفسه رئاسة المجلس الوزاري، إلا أن مسيرة دفة الحكم حافظت على سلاستها منذ الإعلان، أول مرة، عن مرض السلطان في العام 2014، ومغادرته المتكررة أشهرا طويلة للعلاج في ألمانيا.
ولم يبدر ما يوحي بأي اهتزازٍ على مستويات الحكم وفي مؤسساته. وكان شبّان عُمانيون قد شاركوا في النسخة العمانية من موجة الربيع العربي في العام 2011، ومن المطالب التي رفعوها منح صلاحياتٍ أكبر لمجلس الشورى، وتعيين رئيس للسلطة التنفيذية حتى يمكن للرأي العام متابعته ومحاسبته.
وقد تم، بعدئذٍ، توسيع صلاحيات مجلس الشورى الذي يعمل إلى جانب مجلس الدولة المعيّن في متابعة الأداء الحكومي وتقديم الملاحظات على خطط التنمية، من دون أن يتحول "الشورى" إلى مجلس للرقابة والتشريع، محتفظاً بما يدل عليه اسمه من طابعه الشوروي.
مع "التحالف الإسلامي"
وفي مختتم العام الفائت أيضاً، أقدمت السلطنة على الانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب، والذي تقوده السعودية، وبعد عام من إنشاء هذا التحالف الذي يضم 40 بلداً إسلامياً، قبل انضمام السلطنة إليه.
وقد رحّبت الرياض على لسان ولي ولي العهد وزير الدفاع، محمد بن سلمان، بالخطوة العمانية، ولدى الإعلان عن التحالف في ديسمبر/ كانون الأول 2015، والذي "يهدف إلى محاربة الإرهاب، بجميع أشكاله ومظاهره، أيا كان مذهبها وتسميتها"، قال آنذاك وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن الدول الأعضاء في التحالف تملك غرفة عمليات مشتركة، وستتبادل المعلومات وتقدّم معداتٍ وتدريباً، وتقوم بالتنسيق العملياتي والعسكري، وستنشر قواتٍ، إذا لزم الأمر.
لكن، لم تصدر أي بياناتٍ في هذا الخصوص منذ نشوء هذا التحالف، الأوسع نظرياً من التحالف العربي الذي يخوض حرب "عاصفة الحزم" ضد الانقلابيين في اليمن.
وبانضمامها إلى التحالف الإسلامي الذي يشكل إطاراً واسعاً ومهماً بانتظار تفعيله، فإن مسقط قد بادرت إلى القيام بخطوة تقاربٍ مع الرياض، ورجحت مصادر متطابقة أن يزور محمد بن سلمان، مسقط خلال الفترة القصيرة المقبلة، وربما تمهد زيارته لزيارة يؤديها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز إلى السلطنة التي استثناها من جولته الخليجية في الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
انتخابات وأوضاع اقتصادية
في الأسبوع الأخير أيضاً من العام الذي انقضى، شهدت عُمان ثاني انتخابات بلدية في 11 ولاية، وبلغ عدد المرشحين لعضوية المجالس البلدية731، بينهم 23 امرأة، وتنافسوا على 202 مقعد في 11 مجلسا بلدياً بعدد المحافظات العمانية. وقد انتزعت سبع نساء سبعة مقاعد بلدية، بزيادة ثلاثة مقاعد عن الانتخابات السابقة.
وجدير بالتنويه هنا أن سلطنة عُمان تعتبر أول دولة خليجية تُشرّع مشاركة المرأة في الانتخابات، اقتراعاً وترشيحاً، وذلك منذ العام 1994، وقد أكدت السلطات أن الانتخابات البلدية تمثل خطوةً على طريق توسيع المشاركة الشعبية في الحياة السياسية في السلطنة، التي يبلغ عدد سكانها 4,5 ملايين نسمة، 46% منهم أجانب.
ويبدو الأسلوب التدرجي في عصرنة الحياة العامة أنه قد حقّق قدراً من النجاح، فمظاهر الحياة العامة تجمع بين الشعور بالانفراج والاحتشام من توجيه أي نقد، مع آمالٍ كامنة وظاهرة بأن تتقدم السلطنة على طريق المشاركة السياسية والتحديث السياسي والمؤسساتي، وبوتيرة أقل بطئاً، لمواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في بلدٍ يعاني 15% من قواه العاملة من البطالة، وهي واحدةٌ من أعلى النسب في منطقة الخليج.
وقد أدى تراجع سعر النفط في الأسواق العالمية خلال الشهور العشرين الماضية إلى تراجع الإيرادات العامة بنسبة 35% في هذا البلد الذي ينتج مليون برميل يومياً من دون أن يكون عضواً في منظمة أوبك. وقد أمكن تفادي تداعيات العجز المالي من فوائض سنوات ماضية. وسبق أن تمتعت سلطنة عمان مع مملكة البحرين بدعم مالي خليجي، أعلن عنه في العام 2011، وقد بلغ عشرة مليارات دولار لكل منهما، تُدفع على مدى عشرة أعوام.
ومع ذلك، لا يطغى الهاجس الاقتصادي والاجتماعي على الاهتمامات العُمانية الرسمية، بقدر ما يستأثر بالاهتمام تعزيز رؤية سياسية مستقلة للسلطنة على مستوى سياستها الخارجية والدفاعية. وهي ليست جديدة، ولا ترتبط حتى بنشوء مجلس التعاون الخليجي العام 1985. فقد حافظت سلطنة عمان، على سبيل المثال، على علاقتها بمصر، على الرغم من المقاطعة العربية المعلنة والمطبقة منذ 1979، على خلفية الموقف من اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية.
ومع نشوب الحرب العراقية الإيرانية، حافظت مسقط على علاقاتها بطهران وبغداد معا، فيما الدعم الخليجي والعربي كان يتجه نحو بغداد. وبعد غزو النظام العراقي السابق دولة الكويت، احتفظت السلطنة بسفارتها مفتوحةً في بغداد. وقد واظبت مسقط على هذه السياسة الاستقلالية، بعد نشوء مجلس التعاون وانضمام السلطنة إليه.
إيران ومبادئ سياسية
وما يوصف، لدى دوائر إعلامية وأوساط سياسية، بأنه غموضٌ يكتنف السياسة العُمانية، يفسره ساسةٌ عُمانيون بأنه مبادئ حاكمة وراسخة تقوم على السعي إلى حل الخلافات الملتهبة والحياد الإيجابي وعدم الانضمام إلى أي تكتل أو محور إقليمي، وعدم التدخل في شؤون الغير، والتعامل مع دول وحكومات، وليس مع منظماتٍ وأحزاب، بما يجنّب السلطنة مخاطر ارتداد النزاعات إليها على أية صورة.
يُذكر هنا أن السلطنة واجهت تمرداً يسارياً في أواسط ستينات القرن الماضي في منطقة ظفار المتاخمة جنوب اليمن. وكان "ثوار ظفار" يتمتعون بدعمٍ خارجي إبّان احتدام الحرب الباردة بين المعسكرين، السوفياتي والأميركي. وقد أسهمت إيران الشاهنشاهية في محاصرة التمرّد بعد عجز القوات الحكومية عن مواجهتها. وفي فترةٍ لم يكن السلطان قابوس قد تولى الحكم فيها، وكان الحكم معقوداً آنذاك لوالده السلطان تيمور بن سعيد.
غير أن السلطان الشاب الذي انتقل الحكم إليه من أبيه في العام 1971 استخلص درساً مفاده بأن علاقات بلاده مع إيران يجب أن تظل مستقرة ومتطورة في جميع الظروف، أيا كان من يحكم طهران، هذا بالطبع الى جانب علاقات مستقرة وراسخة مع كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
علاوة على أن البلدين، إيران والسلطنة، وهما بحُكم الجارين يُطلان على مضيق هرمز الممر المائي الضيق بين إيران وشبه الجزيرة العربية الذي يمر عبره 40% من بترول العالم.
وتحرص السلطنة على عدم الاحتكاك بطهران، بل التعاون الواسع معها. وعلى الرغم من أن السلطنة تنتج 9 ملايين طن من الغاز سنوياً، إلا أنها وقّعت، في أغسطس/ آب الماضي، اتفاقيةً طموحة مع طهران، مدتها 25 عاماً، لتزويدها بالغاز في صفقةٍ، قيمتها نحو 60 مليار دولار، وهو مبلغ يعادل تقريباً ميزانية السلطنة عامين.
وليست العلاقات الإيرانية العمانية سرّا، وهي، في كثير من جوانبها، تلقى التفهم في منطقة الخليج، باعتبارها محكومةً بأبعاد جوسياسية. وفي جوانب أخرى، تثير مشاعر التحسّس، كما حدث لدى الكشف عن ترتيب السلطنة مفاوضاتٍ تمهيدية مكتومة على أراضيها بين إيران وأطراف غربية حول الملف النووي الإيراني، ابتداء من العام 2012، قبل أن تستضيف مسقط، بصورة رسمية، بعض محطّات المفاوضات في العام 2014 .
وقد عزّز هذا الدور الذي لعبته بنجاح، ومن وراء الكواليس، الدبلوماسية العمانية من مكانة السلطنة، إقليميا ودوليا، لكنه أثار قدراً ملحوظا من التحفظ في عواصم خليجية، وخصوصاً في الرياض، نظراً لما للملف النووي الإيراني من حساسية على الأمن الاستراتيجي الخليجي. وكان التحفظ يدور ليس حول احتضان المفاوضات، بل لأنها تمت من دون وضع العواصم الخليجية في صورة ما يجري. وتُحاجج السلطنة بأن أطراف التفاوض، وهم الأميركيون والإيرانيون، أرادوها مفاوضاتٍ سرية، فماذا في وسع الطرف المضيف أن يفعل؟
في أحاديث شتى لوزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، الذي يقترب من إتمام عامه العشرين على رأس الدبلوماسية العمانية، تركيز على أن العلاقات العمانية الإيرانية تظل تُحسب في رصيد دول الخليج ولمصلحتها، فمن الواجب أن يكون هناك طرف خليجي يتعاون مع إيران، ويتحاور معها ويكسب ثقتها، من أجل التأثير إيجاباً على الخلافات المتأججة بين مجلس التعاون والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وقد حافظت مسقط، خلال العام الماضي، على موقفها الثابت الرافض هدف إقامة اتحاد خليجي، مؤكدة على أنه في حال قيام هذا الاتحاد ستكون مسقط خارجه. لم ينشأ الاتحاد، لكن السلطنة تبدو بالفعل خارجه، حتى قبل أن يقوم الاتحاد العتيد، ويتم الإعلان عنه (!).
ولا يستند الرفض العماني، كما هو جلي، فقط إلى الحرص على الكيانية العمانية، وخصوصية الدولة/ السلطنة فحسب، بل يرجع هذا الموقف إلى انعكاساتٍ تراها مسقط محتملةً على استقرارها، وعلى قراراتها الوطنية المستقلة، وبما يشمل، بطبيعة الحال، الموقف من إيران، حيث تسود الشكوك العميقة بين سائر عواصم الخليج وطهران، ولا يبدو أن الثقة المفقودة سوف تستعاد في وقت قريب ومنظور بين الجانبين، ولا ترغب مسقط نقل هذه الحالة إليها، إذا ما قام اتحاد خليجي يوحّد الرؤى والتقديرات السياسية بين أعضائه.
يُضاف إلى ما تقدم أن المجتمع العماني يمتلك، في تركيبته، خصوصيةً تميزه عن غيره، كونه يضم مكوناتٍ أباضيّة وسنّية وشيعية. وقد نجحت السلطات في إرساء حالٍ من الوئام الداخلي بين هذه المكونات، كما حرصت على أن لا تكون للاستقطابات الطائفية خارج الحدود أي امتداد، أو انعكاس سلبي على التكوين الاجتماعي العُماني الذي ينأى عن الغلو والتشدّد، والذي حافظ على اعتداله، على الرغم مما يكتنف المنطقة من صراعاتٍ مقيتة وعلنية، وهو ما يستلزم، في نظر السلطات العمانية، التمسك بخيار الحياد الإيجابي تجاه الكتل والمحاور الإقليمية.
وقد لاحظ من لاحظ أن أحداً من العُمانيين، غنياً ام فقيراً، متعلماً أم شبه أمي، وأيا كان لونه الديني والمناطقي، لم ينضم إلى تنظيمات جهادية متشدّدة، خلافاً لحال دول خليجية وإسلامية وغير إسلامية، انضم كثيرون من أبنائها إلى هذه التنظيمات، وباتوا يشكلون مصدر أرقٍ أمني لهذه الدول ولغيرها.
أجل، تعزّزت مكانة السلطنة ووزنها الإقليمي خلال العام الماضي، وحافظت على روابطها القوية والعضوية مع دول الخليج. وفي انتظار أن يشهد العام 2017، وتأسيسا على نجاحاتٍ سابقة، تقدماً مضطرداً في معالجة مشكلة البطالة، ومكافحة الفساد، وإرساء دعائم الدولة الحديثة القائمة على الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، ومراعاة المعايير الدولية لحرية التعبير، وبالذات حرية الصحافة، وفي بلد يزخر بالمواهب والطاقات البشرية، وفي زمنٍ لا يتوقف فيه التنافس في هذا المجال.
محمود الريماوي- العربي الجديد-