رجعية الفكر ليست لها علاقة بتمسك الفرد بماضيه وحنينه الدائم لذكريات الأجداد. المقصود هنا الجهل المتعصب لفكر قديم يحارب المعرفة والانفتاح على العلوم والثقافات، ويكرس لما يبقيه في معزل عن الاندماج مع غيره، ظانا أن في ذلك الرفض ميزة أو تفردا يفاخر به، دون أن يعي أنه يقتل في نفسه -والتيار الذي يتبعه- الفطرة السوية التي تحاكي النور والتطور والتعايش الذي حث عليه القرآن ودعا إليه الأنبياء.
هؤلاء المتزمتون لا يقضون على مبدأ التعايش والعيش بسلام فحسب بل ويسعون للانعزالية وقولبة فكر الآخرين وسلوكياتهم بما يتوافق مع رؤيتهم، فإن جاء مخالفا فذاك العدو الذي لا بد من نفيه! قد يجنح بعض المتطرفين لفكرة التدين باعتبارها الأقدر على حشد المؤيدين الذين تحكمهم العاطفة أكثر من العقل، لذلك لا زال الخوف من العقوبة الغيبية ملازما لهم مهما بلغوا من منزله علمية أو عملية.
ولن يصيبك الذهول عندما ترى صاحب المسؤولية العظيمة ينحني تذللا لآخر لا يفضله بشيء إلا في أنه برع في تقمص شخصية الورع التقي الذي لا يخطئ أبدأ، وإن كانت هذه الصفة منفية عن البشر إلا أن البعض يراها في نفسه! هذا النوع من التبجيل هو ما ساعد في بروز شخصيات انتهازية تعمل لمصالحها الشخصية، وإن خافت منافسة أو تهديدا استدعت ما يحميها حتى وإن تطرفت في الفعل، فهي ترى أنها في وضع التهديد، وهي لن تدخر حيلة أوسيلة في سبيل القضاء على مسبباته، وقد تبالغ في وسيلة القمع لأنها في مأمن من أن تطالها عقوبة، ونأتي متسائلين كيف تعمق التطرف بين شرائح المجتمع واتخذ أشكالا عديدة؟ السبب الأول يعود إلى تعصبنا لفكرنا وعاداتنا، ثم لبطاقات المرور المجانية التي نمنحها لشخصيات لا تتميز بشيء إلا بأردية خارجية ووقار مصطنع، والغريب دعوتنا الدائمة للبحث عن الجديد والمتطور، بينما نعجز أن نمهد لأرضية صلبة يمكن لمشاريعنا المستقبلية أن تقف عليها دون تهديد بالإزالة، ولا نقصد التطور المادي بل ما يفترض أن يرافقه من تنوير للعقول التي يعول عليها في بناء مجتمع قوي متحضر يحارب الجهل والتطرف، وينهض بالفكر النقي الذي لا يقبل بشوائب الماضي كمنطلق للمستقبل، لأن ما أصابها من تحريف وتشويه جعل ضررها أكثر من نفعها، وخلاصة القول أن التطرف يعد النتيجة الحتمية للفكر الرجعي.
فاطمة آل تيسان- الوطن السعودية-