قد لا أملك إحصائية دقيقة لعددهم بالضبط، لكننا نعرف جميعاً أنهم سقطوا بالعشرات تحت غدر الإرهاب وفي قلب المساجد. من أيام مسجد مرور الرياض الشهير حتى مسجد طوارئ عسير، وبالطبع بينهما مساجد القديح ونجران وجوهرة الدمام. ومعها أيضاً عشرات المساجد الأخرى على الخريطة الأوسع من شرق باكستان حتى مساجد المغرب، ومن نيجيريا حتى مسجد حسن باشا في إسطنبول ما قبل البارحة. ومن المرض القاتل بمكان أنه لا زال بيننا من يتشفى بالقتل من زوار مطعم. هذا فرز لا يرقى حتى إلى السلوك البهائمي الذي يبدو في كثير من فضائله أكثر إنسانية ورحمة ورقة. الذين قتلوا الأبرياء في مطعم أو ملهى هم نفس الفصيل الذي قتل ذات الأبرياء الآخرين خلف محراب المسجد. والذي قتل الأبرياء ليلة رأس السنة هو ذات الفكر المختل الذي قتل الصائمين في مجمع سكني بالرياض في ليلة رمضانية مباركة.
الذين لا يحترمون الحق الإنساني في الحياة كهبة من الخالق عز وجل هم أولئك الساكتون عن عداد القتل بحسب المكان والتاريخ. هم أولئك الذين يرون فرقاً بين إرهاب رمضان أو إرهاب رأس السنة. بين القتلى في جامع أو كنيسة. بين الضحايا في مسجد للسنة أو آخر للشيعة. هم رؤوس فتنة الفتوى القاتلة التي قالت ذات زمن قريب: (لا بأس من إدانة الإرهاب ولكن من غير الجائز أن تترحم على الضحايا لأنهم ذهبوا إلى ما أفضوا إليه...). هؤلاء، وأستغفر الله، يظنون أن ميزان الحساب الإلهي لخلقه قد أفضى إليهم كلجنة توزع على الناس عذاب الله أو رحمته. تنتقي من لا يستحق "الترحم" بحسب المكان والزمان وتقويم العام، وتختار آخرين للدعاء بحسب ذات الظرف. الذين سكتوا عن جريمة رأس السنة في إسطنبول، هم ذات الأفراد الذين أدانوا هجوم مطارها الشهير قبل أشهر مع أن الضحايا هم ذات الجنسيات والأديان، ورغم أن القاتل في الحادث الأخير هو ذات الفصيل في الحادث السابق. كل الفارق كان في لفظ المكان ما بين مطار أو مطعم، أو في التوقيت ما بين الربيع أو رأس السنة. هو نفس الفارق لديهم ما بين القديح ومسجد أبها، وما بين مسجد نجران ومسجد الوشم بقلب الرياض. وسأختم: لم يترك هذا الإرهاب يوماً واحداً من أعوامنا بلا ذكريات مؤلمة: لا فرق إن كان التقويم بالهجرة أو الميلاد أو حتى بالنيروز أو أشهر المغول والأحباش. لم يترك مكاناً فلا فرق إن كان طريقاً أو شركة أو جامعاً أو كنيسة. سيصعب على صاحب مثل تلك الفتوى قياس اجتهاده لأنه سيكون أمام مهمة فرز يومي لكل جراح هذا العبث: ماذا يدين ومن يترحم أو لا يترحم عليه، وغداً سيكون السؤال: هل نترحم على ضحايا "البنشر"؟ وسيأتي الجواب: من أي مذهب هم أيها السائل وماذا كان تاريخ الوفاة؟
علي سعد الموسى- الوطن السعودية-