بدر عبدالملك- الأيام البحرينية-
بعد أن انفض مؤتمر قمة الرياض فوجئ الجميع بقرار المقاطعة / الحصار على قطر، وذلك بتاريخ 5 يونيو 2017، فسقط الجميع خاصة الرأي العام في الحيرة والدهشة السياسية والانسانية.
وبدأت التنظيرات والتحليلات في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي منذ الوهلة الاولى، دون ان تمنح النخب السياسية نفسها متسعا من الوقت لمعرفة الابعاد الحقيقية لقرار تاريخي بهذا الحجم تقبل عليه ترويكا مجلس التعاون ومصر. انتظرت أسبوعًا كاملاً وأكثر اتابع ردود فعل الحكومة القطرية، اتابع اهم عقولها ورؤوسها المعنية بمركز القرار، وبدلاً من خطاب التهدئة لتلك الشروط / الطلبات الثلاثة عشر، جاء الخطاب القطري حماسيًا متنقلاً بين مفهوم السيادة ومفهوم الكرامة واخيرًا مبادئ القوانين الدولية وحقوق الانسان، غير أنها لم تجب ولا على مطلب واحد، بل سعت من بعد ذلك القرار التحرك دوليًا لتبرير مواقفها وخرقها لاتفافيات مبرمة بين دول المجلس في عامي 2013 و2014، محاولة نقل المعركة من نطاقها الداخلي ضمن منظومة مجلس التعاون الى نطاق دولي. ومع انها لم تجد منهم إلا تعبيرات دبلوماسية تطيب خاطرهم ولكنهم جميعًا، اكدوا على ضرورة تسوية الخلافات بالحوار فيما بين دول مجلس التعاون.
لم تجد قطر في خضم ذلك الهيجان المفزع إلا بلدين تسارعا لنجدتها من وعثاء الحمى السياسية، بل ولم يخجل بعض المسؤولين الايرانيين ان طالبوا قطر برد ذلك الدين والجميل، وبأن لا تنسى تلك «المنة الايرانية!»، الاتراك وصلتهم الرسالة من المجلس حول مسألتين مهمتين يشاركهم الامريكيون عن بعد وكذلك الاوربيون، عدم زج عسكرهم الى الساحة القطرية وثانيًا بالوقوف على مسافة الحياد.
الحماس التركي كان يتلاشى تدريجيًا، فمعضلة وطامة قطر لن تحلها المواد الغذائية ولا البحث عن منافذ مؤقتة، فالجميع يدرك عمق تلك الكارثة التي فاقت مضمون المعضلة او الازمة كما يود الساسة تسميتها وتصنيفها.
عند متابعتي للملف القطري، لصحافتها وساستها وبوقها المتهور قناة الجزيرة، حيث وصف أحمد منصور وزراء خارجية مجلس التعاون في القاهرة مع نظيرهم المصري «بعيونهم الزائغة!» وتحول ملكيًا اكثر من الملك، لذا بدا كل كلامه، مثل غيره من مذيعي الجزيرة، حيث دخلوا في جولة اسفاف وردح، وبرضا وتشجيع من اصحاب القرار القطري في اعلى قمته. من الطبيعي ان يحدث سجالاً واستهتارًا من كل الجوانب في الخطاب الاعلامي والسياسي، نتيجة تباين المستويات المعرفية والاخلاقية، وهذا لا يستحق منا التوقف، فما يهمني بالدرجة الاولى هو بعد الاسبوع الاول والثاني من الحصار / المقاطعة لم اجد مساحة من المرونة ومقولة فن الممكن قائمة، فقد تناهى الخطابان نحو لغة التصعيد، وكانت قطر تتباهى بحرب «الصمود والكرامة !». ساعتها حاولت قراءة وفهم ذلك التصعيد فلم أجد له مفتاحًا منطقيًا، كنت يومها أحاور صديقًا بسؤال بل بعدة اسئلة ترى على من تراهن قطر في نهجها التصعيدي؟ الى اين يمضي الاخوة القطريون في مواجهة العالم على طريقة «شمشون» بعد أن ورطتهم دليلة وسالومي برقصات الاغواء الاعلامي عبر قناة يتحكم فيها اخوان «ومرتزقة جدد!» متطرفون لا غير جاؤوا من كل فج عميق، فعندما تشتد الازمة ويعلو سقفها وتدق طبول الحرب بعد ان دقت طبول الفتنة، وتتحول قطر لساحة صراع ومواجهة – وهذا ما لا نتمناه – فإن موظفي الجزيرة سيحملون حقائبهم ويرحلون مثلما هم يرحلون استثماراتهم البنكية مبكرًا نحو بلاد «الغرب أوطاني».
من جديد نعيد صياغة نفس اسئلتنا بشكل أوضح بعد ان استنفدت دول المجلس من الانتظار والتمديد والاجابات المحبطة، والتي لم ترقَ الى المستوى المتوقع، فمن جديد يسقط القطريون في حلقة الانتحار السياسي، وتتحول الاجابات الموضوعية الى نمط من العناد والمكابرة والمماطلة، وكأنما قاربهم الذي يغرق بهدوء في الطوفان ينتظر سفينة نوح، يتشبثون باضغاث احلام ووهم خادع.
تلك المكابرة السياسية الانتحارية، عكست مدى خبرة الدبلوماسية القطرية، التي حلقت خارج السرب، وباتت تستعير خطابًا ثوريًا غريبًا عن نظام سياسي محافظ، يتحدث عن الشعوب والحريات وكل ما يتصوره، انه بذلك الخطاب يقنع الغرب وشارعه السياسي.
ليتذكر الاخوة القطريون المثل الشعبي الذي يقول: «لين لا تنكسر !». فهل بعد كل ذلك الشد والتجاذب تراهن قطر على تركيا وايران بانتشالها من ورطتها؟ أم انهم يتوقعون ان الولايات المتحدة قادرة على حمايتهم في لحظة من اللحظات التاريخية الدراماتيكية، وعليهم حسابها جيدا فخيار قطر التاريخي هو الجغرافيا والتاريخ، فإن التحديات الخارجية الايرانية ومكافحة الارهاب، أهم واوسع مدى من الرؤية القطرية للاشياء، فلا يجوز إضاعة قطر بتلك السهولة في ضباب المستقبل. وثمنت الدول الاربع في بيان لها مذكرة التفاهم بين واشنطن والدوحة ولكن اعتبرتها خطوة غير كافية وسنراقبها وان تتوقف نهائيا الدوحة عن دعم الارهاب، ولا يمكن الوثوق باي التزام يصدر عن الدوحة دون ضوابط صارمة، وان الاجراءات الحالية ضدد قطر ستستمر حتى تنفيذها لكافة المطالب.
ألم نقل «لين لا تنكسر».