ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

من سيكون أبوجهل الخليج؟!

في 2017/07/13

د. عبدالله العمادي - الشرق السعودية-

اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب. أو هكذا قال الرسول الكريم في فترة قاسية من فترات الدعوة بمكة.. فكان عمر بن الخطاب أحب الرجلين إلى الله، وكان فاروقاً، فرق الله على يديه بين الحق والباطل، فيما الآخر وهو أبوجهل، أو فرعون هذه الأمة، لم يكن له نصيب من الدنيا إلا الخزي والعار وفي الآخرة مع نظيره الآخر، فرعون موسى، يفعل الله بهما ما يشاء.

أبوجهل زعيم من زعماء بني مخزوم وأحد سادة قريش، وكانت له كلمته وهيبته في مكة. لكن رغم ذلك كله، صدرت عنه تصرفات وأفعال وأقوال، لا تصدر إلا عن جاهل وأحمق، فاستحق بذلك لقب أبي جهل مع بدايات الدعوة الإسلامية في مكة. هذا الزعيم الأحمق الجاهل، سيلعب دوراً مهماً في تفكيك قريش، أقوى القبائل العربية في الجزيرة يومذاك، وكان سبباً رئيسياً في هلاك قادة وصناديد قريش يوم بدر، حيث الهزيمة المخزية غير المتوقعة أمام جيش من مستضعفين، أقل عدداً وعتاداً، ولم يخرجوا لحرب وإنما لمهمة أخرى أيسر بكثير من الحرب، فكان ما كان يوم بدر.

من يدرس شخصية أبي جهل، يجد أن روح الكبر والتعالي سيطرت على أفعاله وأقواله، خاصة بعد أن نال بنو هاشم شرف النبوة. وكانوا هم وبنو مخزوم في تنافس واضح في الكرم والسيادة وخدمة الحجيج، وغيرها مما كانت القبائل تعتز به.. تلك الروح المتغطرسة غير المستجيبة لنصح أو رأي مخالف، جلبت إليه وقريش، الكثير من الأهوال والمصائب.

قافلة قرشية كبيرة وثرية قادمة من الشام، يتجهز لها المسلمون لاسترداد بعض ما فقدوه من أموال في مكة، بعد هجرتهم وطردهم من بلدهم، وفرارهم بدينهم الى المدينة. وصل الخبر لأبي سفيان قائد القافلة، فأمر بتغيير المسار وفي الوقت ذاته بعث رسولاً الى مكة هو ضمضم الغفاري، ليخبرهم بالأمر وشق قميصه ويدخل مكة أشعث أغبر، منادياً أن هبوا لنجدة تجارتكم فهي في خطر عظيم، فأثار مشركي قريش وعلى رأسهم أبوجهل، ووجدوها فرصة للقضاء على المسلمين.

تولى أبوجهل إثارة زعماء قريش للخروج لملاقاة المسلمين، وتابع الأمر بنفسه كي لا يتخلف أحد، ولكن خاف القرشيون من غدر بني بكر، وقد كانت بينهم عداوة. فظهر لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك سيد بني كنانة وقال لهم:" أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه". وهكذا دفع الإبليس الجني قريشاً للتهور وعدم التردد، فيما استمر بالمثل الإبليس الإنسي أبوجهل.. وحدث أن استهزأ بأمية بن خلف وتردده للخروج، وكان سميناً غير مؤهل للحروب، ولكن كي يسلم من لسان أبي جهل، خرج للقتال والهلاك.. وهكذا غادر الجيش القرشي مكة وعدده ألف وثلاثمائة. وفي الطريق وصل رسول أبي سفيان أن تجارتهم نجت من محمد، ويقترح عليهم العودة، فليس هناك ما يدعو لدخول حرب مع المسلمين. هكذا المنطق والحكمة كانت عند أبي سفيان. فماذا حدث؟

تجاوب مع منطق أبي سفيان، قائد بني زهرة وكان يومها الأخنس بن شريق، الذي رأى عدم الحاجة لمواصلة الطريق نحو حرب الأب لابنه، والأخ لأخيه أو حرب أبناء القبيلة الواحدة، فقرروا الرجوع بنحو ثلاثمائة شخص، وتركوا أبوجهل في فورة غضب من هذا الانسحاب.. وبدأ يتصدع معسكر الشرك وبعض الخوف يدب في الصفوف، فأرسلوا عمير بن وهب الجمحي ليستطلع حال المعسكر الإسلامي، ثم عاد فأوجز كلماته التي بثت الوهن في عزيمتهم وهبطت بمعنوياتهم، ولم يقل غير الحق كما رآه، وقال:" عددهم ثلاثمائة رجل، ولكني رأيت يا معشر قريش المطايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ فوالله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم". هنا قام أبوجهل ونهره على كلماته المثبطة للعزائم، وقام يثير الجيش مرة أخرى ويدعوهم لتجاهل ما قاله عمير.. إنه الكبر والعناد وقد اجتمعا ضمن إطار من الحماقة والجهالة لا توصف.

رغم كل ذلك، فما زال لصوت المنطق والحكمة بقية أمل في معسكر الشرك. حيث قام عتبة بن ربيعة أحد سادة قريش، بعد أن رأى تلاشي سبب الخروج للحرب وهو نجاة القافلة، وذهب مسرعاً ناصحاً القوم بالرجوع حقناً للدماء، وقال: يا قوم أعصبوها اليوم برأسي - أي اجعلوا عارها متعلقاً بي - وقولوا جَبُن عتبة، وأنتم تعلمون أني لست بأجبنكم.. لكن أبي جهل كان له بالمرصاد فرفض اقتراح عتبة، بل اتهمه بالجبن والخوف والرغبة في عدم ملاقاة ابنه أبي حذيفة الذي أسلم. فضاعت آخر فرصة للنجاة، ورضخ عتبة للاستفزاز، فتحدى أبا جهل أن يريه من شجاعته غداً في الحرب، فكان ما كان.. حيث قُتل عتبة في مبارزته مع حمزة وانتهى به المطاف إلى القليب أو البئر المهجورة، مع زعيم الجهل والعناد والكفر، أبي جهل ومعهم أمية بن خلف وعدد من رؤوس الكفر يومذاك، وانهزم المعسكر القرشي واندحر، فكانت نهاية بائسة للجيش وقادة مكة.

لا أريد أي إسقاط تاريخي بين الذي حدث في بدر وما يحدث اليوم في الخليج، ولا أريد أن يُفهم من الحديث تصنيف المختلفين اليوم كما بالأمس، معسكر شرك ومعسكر إيمان. لا، الأمر ليس كذلك. ولكن مع شيء من التأمل، سنجد أن المشاهد هي نفسها تتكرر ولكن بشخوص وأهداف مختلفة. الفكرة واحدة والمبادئ هي نفسها تتكرر، والسيناريوهات تتشابه أيضاً.

ظهرت فجأة فكرة ناقصة المعالم وغير دقيقة، على شكل تهمة دعم الإرهاب ومحاولة إلصاقها بقطر، التي لو تم التعامل معها بشيء من السياسة منذ بداية الأزمة غير المبررة، لما آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن من تعقيدات، ولتبين للمعسكر المحاصر تسرعها في إتهام قطر، كما كانت في فكرة القافلة وكيفية إدارة الأمر من قبل أبي سفيان، الذي رأى بمنطقه وحكمته أن يجنب مكة مشكلات عميقة ستبقى آثارها بالنفوس سنوات عديدة، لكن حماقة أبي جهل كانت حجر عثرة، دفعت به لتهييج الآخرين من القادة وتوجيههم نحو تصعيد غير مبرر، رغم محاولات جرت بعد نشوء الأزمة يومها من حكماء قريش، لتجنب المشهد الأخير القاسي. لكن مهارات وإمكانات أبي جهل في التحريض كانت أقوى وأذكى، لكنها أدت بهم جميعاً إلى هاوية سحيقة، سيظل التاريخ يحكي عنهم إلى يوم الدين.

لو حاولت أن تعيد قراءة المقال سريعاً وتتذكر الشخصيات المذكورة، ستجدها قد ظهرت مرة أخرى في أزمة الخليج، وسأدع الأمر لك للقيام بمهمة التعرف على أبي جهل الخليج، وأمية وعتبة وضمضم وعمير وآخرهم إبليس الخليج! وحاول أن تتعرف على المحرّض والداعم والخائف والمنتفع والمراقب وغيرهم كثير.. ولتتأمل بعدها كيف أن التاريخ يعيد أحداثه بنفس الطريقة والسيناريو أحياناً كثيرة، وكيف أن غالبية الناس لا تفقه ولا تعتبر أو تتعظ. وتلك هي مشكلة كثيرين مع التاريخ، والمفترض أن ندرسه لنتعظ ونزداد خبرة في التعامل مع الحياة، لا أن ندرسه لنزداد ترفاً فكرياً وثقافياً.. فهل من مدّكر يا أهل الخليج؟