د. محمد عبدالله العوين- الجزيرة السعودية-
يؤكد الاضطراب في تصريحات المسؤولين القطريين عن آثار المقاطعة التي فرضتها على قطر الدول الأربع حقيقة الوضع السياسي الهش والمرتبك في الدوحة؛ فمرة لم تؤثر بأية صورة من الصور على الحياة المعيشية للشعب القطري، ومرة أخرى تنطلق صيحات المظلومية تشتكي من «الحصار» وأنها عوقبت بدون سبب، وأن كل ما يلفق عليها من اتهامات لا أساس له من الصحة.
أما على الواقع الذي لا يكذب ولا يمكن تزييفه فنرى دويلة تكاد تضمحل على الرغم من الضجيج وصخب الاستقبالات والمؤتمرات الصحفية والحضور الإعلامي الذي تعشقه الدوحة وتجتهد في صناعته؛ ولكنه فقاعات صابون أسرع ما تذوب، ومع كل هذا الضجيج وتشكل اسم قطر في وسائل الإعلام العالمية إلا أن ما نتج عن المقاطعة شيء فظيع جداً؛ فخلال أسابيع قليلة إن لم تكن أياماً تحولت قطر إلى دويلة واقعة تحت الاحتلال الأجنبي وافتقدت بقايا سيادة مزعومة كانت تغني عليها ولا زالت تدافع عنها وتماري دول المقاطعة بأنها لن تخضع لمطالبها حفاظاً على سيادتها المدعاة.
فأية سيادة بقيت لدويلة في مهب الرياح العاصفة وقد أشرعت أبوابها الأمامية والخلفية جواً وبحراً للغزاة المحتلين الأتراك، وبلغت جحافلهم رقماً يفوق الجيش القطري المتواضع بما يقارب ثلاثة أضعاف، فجيش قطر يبلغ اثني عشر ألفاً، أي أقل من لواءين وفوج، بينما سيصل عدد الجنود الأتراك مع تتابع الدفعات إلى ما يقرب من لواء يصل عدد أفراده إلى ثلاثين ألفاً.
والحرس الثوري يحكم قبضته مع الجيش التركي على مفاصل الدولة ومقراتها الرئيسة؛ وبخاصة بعد توقيع الاتفاقية العسكرية المذلة مع إيران، وربما لا يصدق بعض القطريين ذلك لأن الحرس الثوري يتزي بزي مخالف للباسه المعروف، ويتكامل حضوره الذي قد يزيد أضعافاً في الأيام المقبلة مع دخول أعداد كبيرة من «حزب الله» اللبناني إلى الدوحة بصفة سائح بعد إلغاء التأشيرة؛ لئلا تنكشف مهمة قدوم مئات المقاتلين من حزب الله إلى الدوحة.
وفي زاوية أخرى وعلى بعد أميال قليلة من مطار حمد الدولي تحتل قاعدة «العيديد» الأمريكية الضخمة التي تلغي أية صفة قطرية كاذبة بشعور وهمي بالسيادة واستقلال القرار.
لقد ضاعت شخصية «القطري» بين أمواج الأفواج المتدافعة المستأجرة القادمة من كل أنحاء الدنيا، حتى إننا لا نستبعد أبداً أن كتائب مرتزقة متخفية تستأجر للقتال المدفوع الثمن قد وصلت إلى الدوحة. لم يعد وجود لابن قطر بين المحتلين لبلده من شذاذ الآفاق، وهو قلق متوتر حائر لا يعلم من يهدده أو من يشكل خطراً عليه؛ أهم جيرانه الذين تزعم قيادته -كذباً- بأن الخطر كامن في الجارة الكبرى التي تنوى احتلال قطر؟ أم في هذه الجحافل المستأجرة المستنكرة الغريبة من كل جنس ولون ولغة؟.
والحق أن القطري ضائع منذ زمن ليس بالقليل بين أمواج الغرباء قبل وبعد هذه الأزمة التي أسقطتها عليهم حكومته إسقاطاً ونسجتها لهم نسجاً محكماً على مدى عقدين من الزمان منذ 1995م إلى أن بلغت ذروتها هذه الأيام فانفجرت وأصابت شظاياها كل بيت قطري لا علاقة له بأسرار صناعتها الأيدلوجية ولا بمكنونات الأدوار الخيانية التي تكفلت بالنهوض بها قيادته في مخطط «الفوضى الخلاقة» ولا بدوافع استضافة جماعة الإخوان ومنح كثيرين منهم الجنسية، ولا بحماية أخطر الإرهابيين في العالم وإيوائهم، ولا بتفسير مقنع لملايين الدولارات التي تتدفق من خزينة الغاز القطري الآثم على الجماعات الإرهابية المنتشرة في ديار العرب المشتعلة بالفوضى.
أما على صعيد لقمة العيش اليومية فقد انقلب الترف القديم الذي كان آخر ذكرياته قبل شهر إلى ضائقة حقيقية؛ فلم يعد للريال القطري الذي كان يقف بثقة أمام الدولار واليورو أي اعتبار، ولم تغن مئات الشحنات الغذائية ولا أفواج البقر المتدفقة من تركيا في استعادة الرخاء المفقود.
فإلى أي مدى زمني يمكن أن يتماسك الشعب القطري ويتحلى بالصبر ثم ينفجر ويثور؟!