مركز الدراسات الأستراتيجية-
كانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، يوم 5 يونيو/حزيران الماضي. وشمل قطع العلاقات وضع قيود على العلاقات التجارية، وحظر المجال الجوي على الطائرات القطرية، وحظر دخول السفن للموانئ.
وجاءت الإجراءات سريعة ومفاجئة، ولا يوجد حاليًا توافق في الآراء بشأن السبب الحقيقي للأزمة، والأهم من ذلك، ما هي الإجراءات قصيرة الأجل التي يمكن اتخاذها لنزع فتيل التوترات ومنع المزيد من التصعيد. وتشير أصابع الاتهام بالتناوب إلى الإجراءات القطرية، أو الطموحات السعودية، أو حتى تصريحات الرئيس «دونالد ترامب» والرسائل التي أرسلها خلال رحلته الأخيرة في الشرق الأوسط. وبينما كان أمير الكويت يسعى للتوسط في النزاع من خلال رحلاته الدبلوماسية المكوكية، سعت عمان إلى بناء روابط أكثر حيوية مع قطر، لكن يبدو من غير المرجح التوصل إلى حلٍ سريع. ومن المرجح أن يؤثر ذلك على مستقبل مجلس التعاون الخليجي، الهش بالفعل، مع ما يترتب على ذلك من آثارٍ استراتيجية على الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين وإيران وغيرهم.
وقد أثارت سياسة قطر الخارجية في الشرق الأوسط ثورة جيرانها لأعوام. وكانت محطة الجزيرة الفضائية أحد أهم الأدوات في هذا، والتي قامت بانتقاد الحكومات الإقليمية، وكسرت العديد من المحظورات لأكثر من عقدين. وبصورةٍ عامة، سعت القيادة القطرية إلى تعزيز مصالحها من خلال الحفاظ على علاقات متوازنة بين إيران والسعودية والولايات المتحدة. ومع قلة مواطنيها، البالغين 300 ألف مواطن فقط، سعت قطر لتأمين مستقبلها من خلال الموازنة بين القوى الكبرى لتجنب الوقوع كليًا في معسكر أيٍ منها. كما سعت قطر إلى أن تكون وسيطًا في المنطقة، حيث لعبت دورًا كبيرًا في حل النزاعات، من الشام إلى شمال أفريقيا وغيرها.
فاعل مستقل
ولكن في العقد الأخير، عززت قطر دورها كفاعلٍ إقليميٍ مستقل. ولم تُظهر فقط التعاطف مع جماعات الإسلام السياسي، ولكن سعت إلى تشجيع الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي عام 2011.
وفي عام 2014، أدت جهود مجلس التعاون الخليجي لتحويل السلوك القطري إلى اتفاقٍ لم يتم الالتزام به دائمًا. وفي الشهر الماضي، قررت العديد من شقيقات قطر أنّها قد صبرت عليها بما فيها الكفاية. وأغلقت المجال البري والجوي والبحري أمام قطر. كما قطعت العلاقات الدبلوماسية معها. وقد أدى ذلك إلى حرمان الإمارات من ميزة وجود ميناء الفجيرة كموقع تخزين للسفن العابرة من قطر أو إليها، مما دفع التجار والشاحنين لقضاء الكثير من الوقت في تحديد الحلول اللوجستية المحتملة، وقد أضاف هذا إلى الأسعار وأوقات التسليم. واتخذت الإمارات يوم الاثنين، 12 يونيو/حزيران، خطواتٍ لتخفيف بعض القيود المفروضة على ميناء الفجيرة فيما يتعلق بتصدير النفط القطري، على الرغم من أنّ الحظر لا يزال ساريًا بالنسبة لمرفأ ناقلات النفط الخام الكبيرة.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال قناة السويس مفتوحة أمام السفن القطرية، ولم يُغلق خط أنابيب دولفين الذي يوفر إمدادات الغاز القطرية إلى سلطنة عمان والإمارات. ويتم تحويل ما يقرب من 26% من صادرات الغاز الطبيعي القطري عبر الإمارات من خلال خط أنابيب دولفين. وانضمت مصر إلى دول مجلس التعاون الخليجي في حصار قطر، كما قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها، لكنّها لا تزال مشتريًا للغاز القطري من خلال سفنٍ خارجية. ويأتي الغاز عبر خط دولفين من حقل الشمال العملاق الذي تتشاركه قطر مع إيران. ولا تزال إيران وقطر تحتفظان بعلاقاتٍ دبلوماسية وتجارية تزعج السعودية. وذكرت التقارير أنّ إيران قد سارعت بإرسال شحناتٍ من الإمدادات الغذائية والطبية إلى قطر خلال الأيام الأولى من الأزمة.
ووفقًا للمعايير العالمية، يعد إنتاج النفط القطري صغير، وهو حوالي 600 ألف برميل يوميًا، لكنّ صادراتها من الغاز كبيرة جدًا. وتعد قطر أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تمثل ثلث العرض العالمي. ويخدم نحو 70% من صادراتها الأسواق الآسيوية.
أما على الجانب النفطي، حتى الآن لم يؤثر الصدع على على اتفاقية الأوبك للحد من إنتاج النفط. ومن ناحية أخرى، تستفيد قطر من ارتفاع الأسعار. ويبدو أنّ تحركات أسعار النفط الأخيرة تعزز بشكلٍ أكبر نمو الإنتاج الأمريكي وتغير مستوى المخزون أكثر مما تعزز زيادة الإنتاج القطري.
وستحدد مدة ومسار التوترات في منطقة الخليج التأثيرات طويلة الأجل على أسعار النفط وعلى دول مجلس التعاون الخليجي. وفي أسواق الطاقة، لم يتم الإبلاغ عن أي اضطراباتٍ خطيرة، ولكن قد يكون من المبكر جدًا قياس ذلك.
ضار بالمصالح الأمريكية
وبصرف النظر عن المخاوف الواضحة تجاه الأضرار التي قد تلحق بأسواق الطاقة والاقتصاد جراء تصعيد الصراع، فإنّه ليس من الصعب تصور كيف يمكن للنزاع على المدى الطويل أن يؤثر سلبًا على مصالح الولايات المتحدة. وتواصل الولايات المتحدة قتالها في العراق وسوريا وأفغانستان وما وراءها، مستخدمةً قاعدة العديد الجوية القطرية بشكلٍ أساسي، وهي أكبر منشأة أمريكية في الشرق الأوسط. ويجعل انهيار العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي من الصعب إجراء تدريباتٍ مشتركة بين حلفاء الولايات المتحدة، كما أنّه يضر بالجهود الأمريكية طويلة الأمد لبناء قوة أكثر تكاملًا بين الشركاء الإقليميين لمواجهة التهديدات الإقليمية. وبالنظر إلى المستقبل، إذا استمر الأمر على ما هو عليه، فسيكون تفكك مجلس التعاون الخليجي أكبر هدية لإيران وروسيا، اللتين اعتبرتا الكتلة، منذ وقتٍ طويل، بمثابة أداة التحكم الخاصة بالتدخل الأمريكي في الخليج.
ويشير بعض المحللين إلى أنّ الهدف الحقيقي من الإجراءات الأخيرة هو إحداث تغييرٍ في القيادة القطرية. لكن سيكون تحقيق ذلك معقدًا وصعبًا، ويمكن أن تدفع محاولة ذلك للتدخل الدولي في السياسة الإقليمية (ويبدو أنّ القطريين قد بدؤوا ذلك بالفعل، بوجود القاعدة التركية).
وخلال 36 عامًا من عمر مجلس التعاون الخليجي، يعد الصدع الحالي هو الأعمق على مدار تاريخه. وبينما من غير المرجح أن تؤدي الأزمة إلى حربٍ فعلية، فمن الصعب تصور أن يعود المجلس لما كان عليه قبل الأزمة. وسيكون لهذا التغيير انعكاساتٍ على دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة على حدٍ سواء.