معهد أستراليا للشؤون الخارجية- ترجمة شادي خليفة-
تسبب الحصار الذي تقوده السعودية على قطر في تعريض الخليج العربي لأزمة جديدة. وقد أدى التصاعد السريع للتوترات إلى تقويض فكرة الوحدة والعمل المشترك بين الدول العربية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وتكمن القضايا الرئيسية التي أثارتها المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر في دفع قطر للتخلي عن سياستها الخارجية الطموحة لتوسيع نفوذها وقوتها الناعمة في العالم العربي. وتركز هذه القضايا على شبكة الجزيرة الإعلامية الممولة من الدولة، والرعاية المزعومة للإرهاب، والعلاقات الودية مع إيران.
الجزيرة
وترغب السعودية قبل كل شيء في إغلاق شبكة الجزيرة الفضائية التي تعمل منذ عام 1996 من الدوحة. ولقد أحدثت قناة الجزيرة ثورة في التغطية الإخبارية في العالم العربي. وعلى الرغم من كونها مملوكة للدولة، فقد أُعطيت حرية كبيرة لإدارة خط تحريرٍ مستقل، وتغطية القضايا الشائكة التي واجهت العالم العربي.
وبدعمٍ من أموال الدولة، وسعت الجزيرة عملها وأطلقت قناة الجزيرة الإنجليزية، واكتسبت سمعةً دولية كمصدرٍ موثوقٍ للأخبار، ينافس بي بي سي ورويترز. وكانت التغطية الإخبارية لقناة الجزيرة وصحفييها الاستقصائيين غير مسبوقة بالنسبة للمنطقة. وكان ذلك أكثر وضوحًا خلال الربيع العربي، عندما عارضت الجزيرة النخب الحالية من مصر إلى البحرين. ورأت السعودية، على وجه الخصوص، أنّ التغطية تؤجج الاستياء العام، وتقدم صورة سلبية لحكومات المنطقة.
وأدى الربيع العربي في مصر إلى انتصار جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات، عام 2012. إلا أنّ حكم الإخوان المسلمين قد سقط سريعًا بانقلابٍ عسكري قاده الجنرال «عبد الفتاح السيسي» في 3 يوليو/تموز عام 2013. وكانت الجزيرة هناك لتقديم تغطية كاملة للانقلاب. ونتيجةً لذلك، أصبحت هدفًا للنظام الجديد، والذي اتهم ثلاثة من صحفييها بالتحريض على الإرهاب (بما في ذلك الصحفي الأسترالي بيتر غريست).
وبحلول ذلك الوقت، صُنفت جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية في مصر، مما وضع قطر والسعودية على طرفي نقيض. وكانت قطر قد أقامت في وقتٍ سابقٍ علاقة عمل مع جماعة الإخوان المسلمين، وقدمت ملاذًا إلى «يوسف القرضاوي»، وهو رجل دين إسلامي يُعتبر الزعيم الروحي للإخوان المسلمين. وعلى النقيض من ذلك، رحبت السعودية والإمارات بـ«السيسي» في منصب الرئاسة، حيث تعهدت المملكة بتقديم حزمة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار أمريكي لإنعاش الاقتصاد المصري المتدهور في غضون أسبوعٍ من الاستيلاء العسكري على الحكم.
حماس
وترتبط الاتهامات لقطر برعاية الإرهاب إلى حدٍ كبير بعلاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين. كما يدخل في الأمر الروابط القطرية مع حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في الحرب السورية. وبعد أن انفصلت حماس عن الرعاية الإيرانية منذ عام 2012، أصبح الشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني»، الذي رأى فرصة لسد هذه الفجوة، أول رئيس دولة يزور قطاع غزة الخاضع لسيطرة حماس في العام نفسه. وفي الأعوام اللاحقة، قدمت قطر المساعدات والاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها في غزة. واعتُبر ذلك منحًا للشرعية من قبل قطر لحركة حماس، على الرغم من تصنيف حماس كمنظمة إرهابية وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية.
ومن الواضح أنّ قطر تسعى إلى توسيع قوتها الناعمة في العالم العربي والحصول على نفوذٍ دبلوماسيٍ من خلال الانحياز للفلسطينيين. وكانت الصورة أكثر تشوشًا في الحرب السورية، حيث دفعت كل من السعودية وقطر مبالغ كبيرة من المال لمختلف الجماعات المتمردة، وتحول كثيرٌ منها لاحقًا إلى فروعٍ تابعة للتنظيمات الجهادية.
لكنّ اتهام قطر برعاية الإرهاب يفتقد بوضوح إلى بعض النقاط. أولًا، سيولة انتماءات الجماعات المتمردة في سوريا، والأسس الأيديولوجية لتنظيم الدولة والقاعدة. وتعتمد كلتا المجموعتين على التعاليم الوهابية، وهي العقيدة الرسمية للسعودية. وأنتج التعصب الوهابي ضد الأديان والطوائف الأخرى، والذي يدرس في نظام التعليم السعودي، 15 من أصل 19 إرهابيًا من تنظيم القاعدة المسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وقد استخدم تنظيم الدولة الإسلامية هذا المنهج لتبرير قتل الشيعة واليزيديين والعلويين في المنطقة، فضلًا عن ارتكاب هجمات إرهابية ضد «الكفار» في الغرب. وهذا يجعل الاتهامات السعودية برعاية قطر للإرهاب أمرًا مثيرًا للسخرية.
إيران
وأخيرًا، يعد موقف قطر من إيران معقدًا. وقد أُنشئ مجلس التعاون الخليجي عام 1981، استجابةً لمخاوف مشتركة من التهديد الذي شكلته جمهورية إيران الإسلامية الجديدة. وكانت السعودية والبحرين والإمارات أكثر حزمًا في معارضتهم لإيران. ويعتبر السعوديون إيران منافسًا إقليميًا خطيرًا. وتعرب البحرين عن قلقها من ولاء سكانها الشيعة (يقدرون بـ 70%) وإمكانية تدخل إيران. وكانت الإمارات في نزاعٍ إقليميٍ مع إيران حول ثلاث جزر في مضيق هرمز منذ تشكيل دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971.
وكانت الدوحة متسقة بشكلٍ عام مع دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بإيران، لكنّها تدرك أيضًا مصالحها المشتركة مع طهران بشأن حقل الغاز الطبيعي المشترك. ولهذا السبب، ابتعد القادة القطريون عن الخطابات العدائية المستخدمة في الرياض وأبوظبي ضد إيران.
وتستمر الخلافات بين السعودية وقطر منذ أكثر من عقد. وكثيرًا ما تتسبب رغبة قطر في القيام بدورٍ مستقل في المنطقة في خلافها مع الأجندة السعودية. وفي عهد الملك «سلمان بن عبد العزيز» (منذ عام 2015) كانت القيادة السعودية أكثر حزمًا مما كانت عليه في عهد سلفه. وقد كان حريصًا على تحدي إيران، وهو الموقف الذي يأتي على هوى الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب». ومع ذلك، لم يساعد الحصار على قطر في تعزيز الموقف السعودي. إذا كان قد فعل أي شيء، فقد كشف عن ضعف الرياض، مع عدم قدرتها بعد الآن على كسب الدوحة إلى صفها مرةً أخرى، وقدم فرصة ثمينة لإيران لاستغلال الأزمة في التقرب أكثر من الدولة الخليجية الصغيرة.
وجاء الحصار بنتائج عكسية. وبعد بضعة أيام من الشراء الكثيف بسبب الذعر، تم إعادة شحن المحلات التجارية القطرية بالسلع التركية والإيرانية والهندية. واتهم مسؤولون ومعلقون قطريون السعودية بمعاملة قطر كمقاطعة ضمن مملكتها وليس كدولة ذات سيادة. وقد أدى ذلك إلى إثارة المشاعر القومية في الإمارة الصغيرة، ومن المرجح أن يؤدي ذلك قد يصعب من مسألة التوصل إلى حلٍ توفيقي.