واشنطن بوست- ترجمة شادي خليفة -
لم يتصور قادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تذهب الأمور إلى ما ذهبت إليه. وكان المسؤولون من حكومات البلدين، فضلًا عن الشريكين الأقل دورًا مصر والبحرين، قد وصفوا العقوبات التي فرضوها جماعيًا على قطر في مطلع يونيو/حزيران، بالإجراء المؤسف والضروري في نفس الوقت، بهدف كسر شوكة القطريين المزعجين. وكأنّ دولة قطر، التي يتهمها جيرانها بإثارة التطرف في الداخل والخارج، طفلٌ جامحٌ يحتاج إلى تأديب.
لكن في عالم الجيوسياسية المتنامي، لا يبدو أنّ التحرك السعودي والإماراتي ضد الدوحة يحقق أهدافه. وبدلًا من عزل قطر، عززت قطر علاقاتها مع القوى الإقليمية تركيا وإيران. ولم تنضم عمان والكويت، وهما دولتان أخريان في مجلس التعاون الخليجي، إلى قطع الإمدادات الغذائية وغيرها من السلع، والتي لا تزال تتدفق إلى أرصفة ومطارات قطر. وبغض النظر عن رسائل البيت الأبيض المختلطة، يبدو أنّ الدبلوماسيين الأمريكيين يدفعون باتجاه الحل التوفيقي مع قطر، بدلًا من السعي للحصول على موافقة الدوحة على المطالب السعودية والإماراتية.
ويقول «مارك لينش»، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن: «كما هو الحال مع حربهما الكارثية في اليمن، تجاوزت السعودية والإمارات تمامًا فرص نجاحهما، وفشلا في تجهيز خطة بديلة معقولة في حال لم تذهب الأمور إلى حيث يريدون» . وأضاف: «ويبدو أنّ التحالف الرباعي المناهضة لقطر بالغ في تقدير المخاوف القطرية من العزلة عن مجلس التعاون الخليجي، وقدرتها على إلحاق الضرر بجارتها».
وقد أضاف تقريرٌ جديدٌ نشرته صحيفة واشنطن بوست هذا الأسبوع إلى الحيرة التي يواجهها دول الحصار. ووفقًا لمسؤولين في المخابرات الأمريكية لم يكشف عنهم، فإنّ الإمارات كانت وراء اختراقٍ مثيرٍ للجدل في أواخر شهر مايو/أيار لوكالة أنباء الحكومة القطرية (قنا)، وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بتصريحاتٍ مفبركة ساعدت على تحريك الأزمة. وجاء في التصريحات المنسوبة للشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» وصفه لإيران بـ «القوة الإسلامية»، وإشادته بحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وعلى الرغم من إنكار الدوحة الصريح لهذه التصريحات المزعومة، قادت السعودية على الفور الإمارات والبحرين ومصر لحظر قنوات الإعلام القطري، ثم قطعت العلاقات مع الدوحة، وفرضت عليها عزلةً تجارية ودبلوماسية. وقال زملائي «كارين ديونغ» و«إيلين ناكاشيما» أنّ المسؤولين الأمريكيين «توصلوا إلى أنّ المعلومات التي تم تحليلها حديثًا، الأسبوع الماضي، والتي جمعتها وكالات الاستخبارات الأمريكية، أكدت أنّه في 23 مايو/أيار، بحث كبار أعضاء حكومة الإمارات الخطة وتنفيذها». وقال المسؤولون أنّه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الإمارات قامت بعمليات الاختراق بنفسها أو عن طريق التعاقد مع طرفٍ ما.
ورفض سفير الإمارات لدى واشنطن، «يوسف العتيبة»، هذه التصريحات. وقال: «لم يكن للإمارات دورٌ مهما كان في القرصنة المزعومة التي وصفها المقال»، مؤكدًا مجددًا شكاوى بلاده حول سياسة قطر الخارجية.
وهناك سوابق للإشاعات والأخبار الكاذبة التي تؤجج التوترات في هذا الجزء من العالم. وقد شهدت أزمة مشابهة في العلاقات عام 2014 تقارير إخبارية كاذبة تنتشر حول منع المواطنين السعوديين والإماراتيين من دخول هارودز، وهو متجر بلندن مملوكٌ لصندوق الثروة السيادية القطري.
ويوضح المحللون أنّ المأزق الحالي هو امتداد للخلافات والتوترات التي طال أمدها مع قطر، وتحاول قطر استخدام ثرواتها للقيام بدورٍ كبيرٍ على الساحة العالمية، وهو ما يثير غضب جيرانها الأكبر. وفي هذا الصدد، تتجدد المشاحنات حول دعم الوكلاء المختلفين في النزاعات في سوريا وليبيا، فضلًا عن العمل الذي تقوم به شبكة الجزيرة الممولة من قطر، والتي تريد الرياض وأبوظبي إغلاقها.
كما رسم القطريون مسارًا دبلوماسيًا مختلفًا عن جيرانهم، واستضافوا المكاتب السياسية لجماعات مثل طالبان وحماس، في محاولة للتوسط في النزاعات الإقليمية. وكتب «ديكلان والش»، في صحيفة نيويورك تايمز: «أصبحت الدوحة، على خلاف الصورة النمطية لدول الخليج الغنية، موطنًا لمجموعة غريبة من الأيديولوجيين، ومدينة محايدة تشبه فيينا في الحرب الباردة».
وقال «ديفيد روبرتس»، مؤلف كتاب «قطر: تأمين الطموحات العالمية للمدينة الدولة»: «لقد كان هذا المكان دائمًا الملاذ الآمن للفارين والمطاردين والمنفيين والأشخاص غير المرغوب فيهم من الناس. ولم يكن هناك نفوذ لدول الخليج على هذه البقعة. لذا إن كنت مطلوبًا لدى أحد الشيوخ، يمكنك الهرب إلى قطر ولن يزعجك أحد».