د. سمير حمدي - العربي الجديد-
عندما تم اتخاذ القرار بحصار قطر، تصورت الدول الثلاث التي تقف خلفه، ومن تبعها من الأنظمة الفاشلة، أن دولة قطر حكومة وشعباً ستنهار وتستسلم، وتطلب الرحمة ممن حاصروها، فتصرفت هذه الأنظمة بصلف وغرور، وقدمت قائمة مطالبها التعجيزية الفاقدة أدنى سند قانوني أو أخلاقي، مدفوعة بوهم امتلاكها كل أوراق القدرة والقوة التي تجعلها قادرةً على فرض خياراتها السياسية، وإعادة تشكيل المشهد السياسي الداخلي في قطر.
ولأن هاجس التفوق الوهمي يمنع صاحبه من إدراك الحقائق، فقد كانت صدمة دول الحصار متناسبة مع حجم خيبتها وفشلها في التعامل مع أزمةٍ افتعلتها، وفشلت في التحكم في آثارها وارتداداتها، وكانت هي الخاسر الأكبر فيها، فيما استفاد غيرها منها.
ويمكن، في هذا السياق، تحديد جملةٍ من الأطراف التي استفادت، بشكل أو بآخر، من حصار قطر، وفي مقدمتها طبعاً الولايات المتحدة الأميركية التي كان واضحا أنها تحاول ضبط خطوات دول الحصار، لمزيد من امتصاص أموالها وحلب خيراتها وإخضاعها لأجنداتها.
وهذا ليس أمرًا خفيا، حيث كان الرئيس دونالد ترامب واضحاً في أثناء حديثه لإحدى القنوات الأميركية عندما أعلن أنه لم يكن ليتوجه للرياض لولا التعهدات التي حصل عليها من أنه سيتم منح بلاده مزيدا من العقود الاقتصادية والعسكرية الضخمة، وهو ما حدث، والرجل لا يفتأ يتبجح بهذا الأمر، ويعتبره إنجازه المهم والمؤثر.
وفي الجهة الأخرى، كان الكيان الصهيوني أحد أكبر المستفيدين من حصار قطر، من جوانب عدة، منها أنه استطاع التسريع بوتيرة التطبيع معه، وأن أمورا كثيرة كانت من قبيل المحرمات غير المعلنة أصبحت مما يتنافس عليه المتنافسون.
فأقلام مؤيدة للنظام السعودي أصبحت تتبجح علنا بتقاربها مع الصهاينة، واعتبار هذا التوجه من قبيل السياسة الحكيمة التي تستحق الثناء. وفي الوقت نفسه، تلتقي مع الصهاينة في شيطنة المقاومة، وسب حركة حماس بوصفها طرفا إرهابيا ينبغي عزله ومحاربته، وهو ما تكرّر في تصريحاتٍ للسفير السعودي في الجزائر، ولوزير خارجية المملكة.
بل وصل الفجور في الخصومة إلى حد ادّعاء وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في رسالة وجهها إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أن مطالبة بلاده بإغلاق قناة الجزيرة إنما هي بسبب عدائها للسامية، وإنكارها الهولوكوست، مستعيدًا مفرداتٍ صهيونية بامتياز لشيطنة الخصوم.
وقد تزامن هذا الهجوم على "الجزيرة" وبشكل غريب مع الحملة الصهيونية على المسجد الأقصى، وهو أمر انشغلت المواقع الإعلامية العربية الموالية لدول الحصار عنه، بسب قطر و"الجزيرة" بوصفها بؤرة الإرهاب، متغاضية عن العدو المركزي للعرب والمسلمين، ولكل إنسان حر.
أما الطرف الثالث المستفيد من حصار قطر والحملة عليها فهو إيران. وهنا المفارقة العجيبة، ذلك أن ثلاثي الحصار، ومن تبعهم من الأنظمة الفاشلة، جعلت من أسباب حصارها العلاقة القطرية المفترضة مع طهران، لتتحول الأخيرة من مستهدفة إلى مستفيدة، بعد أن أصبح مراقباً لخلاف خليجي داخلي، مكّنه من مزيد ترتيب أوراقه في مواقع تدخّله المختلفة، خصوصا في سورية واليمن.
وفي الوقت نفسه، لم يفقد شيئا من علاقاته الاقتصادية القوية مع دول الحصار نفسها، فلا زالت الإمارات الدولة الأولى التي تحقق مصالحه المالية والاقتصادية، ولازالت علاقاته قائمة مع مصر، بل ووجد الفرصة، كي يطرح نفسه طرفا عقلانيا في المنطقة، يحافظ على علاقاتٍ معقولة مع جميع الأطراف.
وفي المقابل، كانت دول الحصار أكثر الأطراف خسارةً، نتيجة ما اتخذته من إجراءاتٍ متسرعة، خصوصاً السعودية التي فقدت حليفاً سياسياً وسوقاً تجارية كانت تسوّق من خلالها بضائعها الزراعية.
أما وقد استطاعت قطر، وبسرعة مذهلة، إعادة ترتيب علاقاتها والبحث عن شركاء تجاريين جدد، كانوا يطمحون من قبل إلى دخول السوق الخليجية، فإن إجراءات الحصار انتهت الى شكلٍ من القرارات العبثية، وإلى حملاتٍ إعلامية فاشلة، لا تأثير لها على الرأي العام، ولا أهمية لها في الأحداث، بالنظر الى أن الجانب الأكبر من الرأي العام انحاز إلى قطر، نظرا إلى غياب المبرّرات الموضوعية للحصار.
ونظرا إلى الفشل الواضح الذي رافق قرارات ثلاثي الحصار، ومن تبعهم، بعد انتهاء المهلة التي أعلنوها لتلبية مطالبهم التعجيزية، فإن من غير الممكن فهم قرار الحصار خارج سياق المناكفة السياسية، ومحاولات تحجيم نظام سياسي ناجح في دولة جارة، وإلا كيف نفهم الطلب الذي قدمه ثلاثي الحصار، بالإضافة إلى موريتانيا واليمن ومصر، إلى "الفيفا" من أجل سحب تنظيم كأس العالم من قطر.
وبعيدا عن الاتهامات اللفظية الكبرى، من قبيل دعم الإرهاب ومعاداة السامية والعلاقة مع طهران، يثبت واقع الأمور أن الأسباب الفعلية لا تخرج عن حالة من النقمة والمرارة التي تشعر بها أنظمة دول ثلاثي الحصار من نجاحاتٍ قطرية متتالية، في الاقتصاد والإعلام والتعليم والعلاقات الدولية.
وهو أمر أثبتته الأحداث، وإلا فكيف نفسر كل هذا التحشيد لدولٍ اعتبرت نفسها طويلا الأهم في المنطقة ضد دولة واحدة، عجزوا عن عزلها أو حصارها، فما بالك أن يجبروها على الخضوع أو التخلي عن استقلالية قرارها.