الغارديان البريطانية- ترجمة شادي خليفة -
رغم كل التحليلات المطروحة، والأسباب المعلنة، والجولات الدبلوماسية المكوكية، يقف وراء الحصار الذي تقوده المملكة العربية السعودية على الطرق الجوية والبرية والبحرية في قطر، عداءٌ عائليٌ طويل الأمد.
وكانت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية الشهر الماضي مع دولة قطر الخليجية التي تملك أكبر حقل للغاز في العالم بالاشتراك مع إيران. وتتهم الكتلة قطر بدعم الإرهاب، وهي التهمة التي تنكرها.
ويحاول الحصار عزل قطر عن بقية العالم، فقد تم إغلاق الحدود البرية، وتم حظر التحليق من قبل الخطوط الجوية القطرية، وأُغلقت ممرات الشحن. وأصدر التحالف الذي تقوده السعودية قائمة تضم 13 مطلبًا لرفع الحصار، وشملت إغلاق قناة الجزيرة، والتخلي عن دعم جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من التدخل الأمريكي، لم يتم حل الأزمة حتى الآن.
ويقول دبلوماسيون في المنطقة أنّ القضية لا يمكن حلها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّها ليست سياسية فحسب، بل هي شخصية أيضًا.
شبكات الحكم العائلية
وقال أحد كبار المسؤولين في المنطقة: «للحكام علاقاتٍ عائلية وعلاقات قرابة بين السعوديين والإماراتيين والقطريين ... فهم قريبين جدًا من بعضها البعض. ويعني هذا أنّ القضايا السياسية الكبيرة هي أيضًا قضايا عائلية. ويصبح من الصعب جدًا حلها، خصوصًا بعدما ظهرت رغبة السعوديين والإماراتيين في تغيير النظام في قطر».
وفي عالم السياسة في الشرق الأوسط المتقلب، غالبًا ما تتوقف المعارضة داخل الأسرة عن طريق توزيع الامتيازات والأموال. ومع ذلك، في هذه الأوقات الصاخبة في العالم العربي، يصبح الأمر نوعًا من «لعبة العروش» الأكثر خطورة.
وتعاني الإمارات والسعودية من شراك حربٍ مكلفة ومفتوحة في اليمن. وأدى الهبوط الحاد في أسعار النفط إلى ضرب اقتصاد كلا البلدين على حدٍ سواء. وقد تأثرت قطر التي تعتمد أكثر على الغاز أيضًا، لكن لديها عدد سكان أصغر، وهي أغنى من حيث نصيب الفرد من جيرانها الأكبر حجمًا.
ويعد الحاكم الحالي لدولة قطر هو الأمير «تميم بن حمد آل ثاني،» البالغ من العمر 37 عامًا، الذي تخلى له والده رسميًا عن الحكم عام 2013. وفي العديد من النواحي، يعد «حمد بن خليفة»، الأمير السابق ووالد الأمير الحالي، هو مؤسس الهوية القطرية الجديدة. وقد اختار معركته إلى جانب السعوديين أولًا في ساحة المعركة، عندما قاد لواءً من القطريين ضد «صدام حسين» في حرب الخليج منذ ما يقرب من 30 عامًا.
وكان جنود لواء «حمد» من أوائل قوات التحالف التي دخلت المعارك ضد القوات العراقية في معركة «الخفجي» في فبراير/شباط عام 1991. ومع ذلك، عندما انضمت القوات السعودية إلى المعركة، انتهى الأمر بحماية قوات المارينز الأمريكية للقوات السعودية، لأنّ حلفاءها العرب من قطر كانوا يمطرونها عن طريق الخطأ «بالنيران الصديقة».
خارج العباءة السعودية
وعاد «حمد» من الحرب كقائد عسكري بارز وبطل حرب متوج. ولكنه لم يبق في عباءة الرياض، وهدد السعوديين بالاشتباك المسلح بسبب خلافٍ على الحدود عام 1992.
وقد زادت مخاوف الرياض عندما خلع الشيخ الشاب والده «خليفة»، الذي كان قد غادر البلاد إلى جنيف للخضوع للعلاج الطبي. ومنذ ذلك الحين، كانت قطر قوةً لا يستهان بها في المنطقة، فقد أسس الشيخ «حمد» قناة الجزيرة التي أثارت، جنبًا إلى جنب مع وسائل التواصل الاجتماعي، في الأعوام الأخيرة، الرأي العام بطرقٍ لم تكن الحكومات العربية، وخاصةً السعوديين، تتوقعها.
ويعتقد الكثيرون أنّ الصراع الحالي قد يكون متأصلًا في هذه المنافسات القديمة. ويوجد نفوذ للسعوديين في قطر منذ فترة طويلة من خلال عائلاتٍ بارزة، أبرزها «العطية»، الذين يرتبطون معهم بالدم. ولم يترعرع «حمد» في بيت آل ثاني بل في بيت عمه من العطية.
ومع ذلك، وبدلًا من الزواج من عشيرة العطية لمواصلة العلاقات مع السعوديين، عزز «حمد قاعدته في عائلة آل ثاني عن طريق الزواج من اثنتين من بنات الأعمام الأقوياء في العائلة.
لكنّ زوجته المفضلة وأم الأمير الحالي هي الشيخة «موزة المسند». وكان والدها قد سجن من قبل والد «حمد» بعد الدعوة العامة للتوزيع العادل للثروة في البلاد.
كما أن مستشار «حمد» الأكثر تأثيرًا ليس من عشيرة «العطية»، وهو «حمد بن جاسم آل ثاني»، الذي يراهن على أنّ كسب النفوذ في قوة الإسلام السياسي المتصاعدة من شأنه أن يحقق استقرارًا طويل الأجل للدولة الصغيرة، بين بقية دول الخليج.
وهابية الساحل ووهابية الصحراء
وقال قطريٌ مطلع على العائلات في هذه المنطقة، والتي ترتبط معًا بالزواج والدين، أنّ كلًا من آل ثاني وآل سعود ينبعون من منطقة نجد في شبه الجزيرة العربية، حيث نشأت الوهابية. وكلاهما يروج لنسخته من الوهابية بأنّها هي المنهج الصحيح.
وفي قطر، يُسمح للنساء بالقيادة، على عكس ما يحدث في السعودية. ولا توجد الشرطة الدينية التي ترغم الشركات على الإغلاق خلال أوقات الصلاة.
وقال «آلن فرومهيرز»، وهو أكاديمي ومؤلف كتاب «قطر: صعود إلى السلطة والنفوذ»: «أنّ قطر تتبنى وهابية البحر. وهي أكثر انفتاحًا ومرونة من وهابية الصحراء. وقد يكون ادعاء الشيخ حمد بنسبه إلى عبد الوهاب وسيلة لتعزيز شرعية هذه الرؤية البديلة للوهابية، وطريقة لتحجيم أولئك الذين يدعون أنّ القطريين ليسوا حقًا وهابيين في الجوهر».
وثمة عامل آخر هو دعم «حمد» العام للديمقراطية. وقد قال للتلفزيون الأمريكي عام 2003 أنّ «أي شعبٍ يرغب في تطوير دولته ... يجب أن يمارس الديمقراطية. وهذا ما أعتقده». وعلى الرغم من أنّه لم يحقق وعده بأن يكون هناك برلمان قطري منتخب عام 2013، فإنّ تأييده لصندوق الاقتراع أثار إزعاج العائلات الحاكمة المجاورة.
تدخلات إماراتية
وكان من بين أولئك الذين أغضبهم هذا الكلام ولي العهد الإماراتي والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، الذي يحاول مناهضة قطر. وتشير تسريبات الرسائل التي حصلت عليها ويكيليكس إلى إشارته عام 2009 إلى أنّ قطر كانت مجرد «جزءٍ من الإخوان المسلمين».
وفي الواقع، تدخلت الإمارات في كثيرٍ من الأحيان في السياسة الملكية لقطر، ودعمت فروع مختلفة من عشيرة آل ثاني. وبدأ هذا في وقتٍ مبكر حين أعلنت بريطانيا أنّها ستغادر الخليج عام 1968، وخططت لجعل قطر جزءًا من دولة الإمارات.
وكانت هذه الفكرة قد ماتت عام 1972، عندما أُطيح بأمير قطر الشيخ «أحمد»، الذي كان قد اقترح إنشاء اتحادٍ أكبر مع دولة الإمارات، على يد ابن عمه الشيخ خليفة. وانتهى الأمر بالشيخ «أحمد» في دبي، وتزوج ابنة أمير الدولة الغنية.
ومنذ ذلك الحين، أخذت الإمارات جانبًا في صفوف عائلة آل ثاني، ولاسيما في السنوات التي سمحت فيها لـ«خليفة»، والد حمد، بالبقاء في أراضيها، حيث قام بتخطيط انقلاباتٍ مضادة، وفشلت جميعها.
وكانت صحيفة موالية للسعودية قد أثارت في 1 يونيو/حزيران أخبارًا مثيرة عن أنّ أحفاد للشيخ أحمد قد «اعتذروا» نيابةً عن حكام قطر الحاليين الذين يزعمون أنّهم قد «خذلوا» منصبهم. إلا أنّ قطريًا لديه صلات بالديوان الملكي قال لصحيفة الغارديان أنّ هذه «أخبار مفبركة من قبل المخابرات الإماراتية». وقد نفت الإمارات تنظيمها لقرصنة على المواقع الإخبارية من أجل نشر اقتباساتٍ مزيفة كاذبة أو أنّها تزعزع استقرار النظام الحالي، رغم تأكيد المخابرات الأمريكية تورطها.