خالد بن حمد المالك - الجزيرة السعودية-
نحب قطر، نخاف عليها، ونشعر بألم كلما مر طيفها أمام أنظارنا وهي بهذا الوضع المأساوي، فقد بلغ عصيانها وتمردها وخروجها على أدبيات التعامل الدبلوماسي والسياسي والأمني حداً وضعنا في موقف المشفق عليها، الحريصين على تجنيبها مزالق تهورها، والمذكرّين لها بما يمكن أن يصل بها الحال فيما لو استمر هذا نهجها وهذه سياساتها، لكن دون أن تلقي بالاً لناصح مخلص لها، أو تعبّر عن اهتمام بأي تحذير يصل إليها من صديق أو شقيق أو جار محب لها.
لقد بلغ الموقف القطري المعادي ما بلغه من تحريض ومؤامرات وتخطيط لاغتيالات وتدخل في الشؤون الداخلية للدول، مستخدمة في ذلك كل ما لديها من إمكانات، وما يتوفر عندها من قدرات، وموظفة من أجل تحقيق أهدافها المضرة بنا كل الوسائل والخطط، مع الاعتماد على قوى خارجية، وعناصر إرهابية لها سجل أسود في كل ما يسيء لدولنا، ويعرّض أمنها للاهتزاز.
وأمام هذه الصورة القاتمة عن مستقبل الدولة القطرية، ومن خلال قراءة للتطورات التي تمر بها الدوحة، وتداعياتها المقلقة، وحيث يعز علينا أن نراها هكذا دولة منزوعة القرار، ومجردة من السلطة، ومسلمة أمرها للعدو الغريب، فإن قلقنا يزداد، وخوفنا يتضاعف، وشعورنا يتلبّسه مزيج بين الرجاء بتجاوز هذه المحنة والإحباط والخوف في ظل إصرار شيوخ قطر على مواقفهم غير مكترثين بما ينذر به المستقبل من فواجع.
هذه محاولة مني لاستباق ما هو قادم من أحداث، وتنبيه بخطورة التوقعات المستقبلية وفقاً لاستنتاجاتنا وقراءاتنا، ما يعني أن مسؤولية النظام في قطر هي على المحك الآن وقبل الغد، إن كان يملك القدرة والسيطرة للخروج من هذا النفق المظلم، والعبور إلى عالم مشرق يتمناه الشعب القطري ونتمناه معهم، وهو بشيء من استعداد شيوخ قطر لتحمل مسؤولياتهم التاريخية يمكن تحقيقه بأقل الخسائر.
أعرف أن دولة قطر لا تعترف بشيء من الاتهامات الموثقة ضدها، وأنها تنكر دعمها للإرهاب وإيواءها للإرهابيين، وأن ما يقال عنها إنما هي اتهامات مختلقة بحسب تصريحات وزير الخارجية القطري وغيره، غير أن ذلك لا يغير من الأمر شيئاً، وستبقى الاتهامات تلاحقها، وتُعرضها نحو مزيد من الارتباك، وربما سارعت الحملات ضدها إلى اختصار الزمن المفترض قبل وصولها إلى المحاكم الجنائية، لتمثل أمامها، وتدافع عما تنفيه من تهم في مختلف وسائل الإعلام التي اشترت بمال الشعب القطري أصواتها وأقلامها.
صورة قطر التي أمامي الآن غيرها من قبل، فما كان يلفه الغموض قبل قطع العلاقات معها، أصبح في متناول الجميع بحقائقه ووثائقه ومستنداته، وبكل ما يدين قطر، ويضعها في هذا الموقف الصعب الذي تمر به الآن، لكن لا زالت أمامها الفرصة للهروب من المسؤولية الجنائية، إذا ما وضعت نفسها بتصرف أشقائها المملكة والإمارات والبحرين ومصر لتطويق هذه المشكلة، وعدم تصعيدها، واللجوء إلى أسلوب التهدئة، على أمل عدم ظهور أطراف أخرى مسّها الإرهاب القطري، وستطالب بمقاضاتها.
عندما يصاب الإنسان بالإحباط، ومن ثم بالاكتئاب، فقد يلجأ إلى الانتحار، وهذه هي قطر تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها، فهي محبطة بسبب انكشاف مؤامراتها، وتوثيق دعمها للإرهاب، بما يضعها في حالة يأس، قد يجرها إلى تدمير نفسها، إلى الانتحار على طريقة المصابين بالاكتئاب، ونحن لا نريد لها ذلك، لكننا نخاف أن يكون هذا قرار شيوخها، فما يتم من تصرفات، وما يصدر عنهم من مواقف، لا يمكن فهمه، أو إيجاد تفسير له، إلا أنه توجه أحمق، سوف يقود قطر إلى الانتحار للتخلص من المأزق الذي تمر به منذ أن وضعت مواقفها المشبوهة أمام أنظار العالم.
وملاحقة قطر في موضوع الإرهاب، ربما قاد ذلك إلى كشف الأوراق السرية التي تتحدث عن شراء للأصوات، ورشاوى بأرقام مالية كبيرة مهدت الطريق نحو منح الدوحة حق استضافة كأس العالم، رغم عدم وجود المؤهلات والتاريخ الرياضي والإمكانات التي تساعد قطر على إنجاح هذا التجمع الرياضي الأعلى والأهم على مستوى العالم، فقد بدأت التلميحات إلى ما جرى تحت الطاولة للفوز بأكثرية الأصوات على حساب دول هي الأعرق رياضياً، والأنسب لتقيم مثل هذه التظاهرة الرياضية العالمية.
فدولة قطر تتميز بقدرات غير عادية لشراء الأصوات، يدعمها إمكاناتها المالية، فهي كما تشتري الصوت الإعلامي، فقد كانت لها سابقة في شراء رئاسة الاتحاد الآسيوي الرياضي، قبل شرائها الأصوات لتنظيم مونديال كأس العالم، وها هي تقارير من إسبانيا وليس من المملكة تكشف عن تورط رئيس برشلونة السابق في شراء أصوات لتنظيم كأس العالم في قطر عام 2022 في قضية رشوة ضخمة من قطر، والتفاصيل كما جاءت في صحيفة إسبانية تشير إلى أن وحدة الجرائم المالية والضريبية التابعة للشرطة الوطنية الإسبانية تتحدث عن إمكانية تلاعب روسيل رئيس نادي برشلونة السابق بنتائج التصويت من خلال رشاوى قدمها للقادة الأفارقة في الفيفا من أجل التصويت لقطر، وهذه المعلومات منقولة من التحقيق الذي تم إغلاقه بعد يوم من اعتقال روسيل في مايو الماضي.
التقرير الذي نشرته الصحيفة الإسبانية أشار أيضاً إلى أن ثلاثين مليون يورو تم جمعها بين عامي 2007م و2014م ودخلت حساب شركة (بونز للتسويق الرياضي) وهذه الشركة يملكها روسيل نفسه، وحولت منها مبالغ لعدد من الدول الإفريقية التي صوتت اتحاداتها لصالح استضافة قطر للمونديال، وهناك تحقيقات في سويسرا أيضاً تربط رئيس برشلونة السابق مع المؤامرة لتزوير الانتخابات، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تكون قد دخلت على الخط بمشاركة نشطة بهذا الشأن.
هذه القضية مع قضايا أخرى كثيرة تضاف إلى دور قطر في دعم الإرهاب، تجعل منها في موقف غاية في الصعوبة لتحمل هذه الضربات الموجعة، وربما دفعها إلى الانتحار، لأن علامات التصرف نحو ذلك تشير إليها المواقف غير السوية في التعامل مع الأزمة الخانقة التي تمر بها، فهي حتى الآن تكتفي بالانكار والمظلومية، وأن هناك مؤامرة مدبرة ضدها، ولا تريد أن تعترف بالواقع، وتتجاوب مع المطالب الواقعية التي تفك أسرها من كل هذه التحديات التي تواجهها، اعتماداً على تغرير القوى المعادية لها، وكأن هذه الدول قادرة لمنع إدانتها بما هو موثق وثابت عليها.
مرة أخرى، نحن لا نريد لقطر إلا الخير، نحاول تشريح حالتها المرضية، توصيف وضعها غير المستقر، ومواجهتها بالحقائق الدامغة التي لا تستطيع إنكارها، وإن فعلت فالصوت والصورة والمستند الموقع عليه من أمير البلاد حاضرة وجاهزة للرد، ولكن وباختصار تستطيع الدوحة أن تساعد نفسها، وتلملم جراحها، وتتجاوز كبواتها، وتقاوم كل التحديات التي أمامها، والعبور إلى بوابة الأمل والسلام، من خلال الاعتذار والقبول بما يطلب منها، والاستجابة للشروط والضمانات التي قدمت لها.
وبهذا ستودع قطر كل مشاكلها، وستفتح صفحة جديدة لعلاقاتها مع أشقائها وجيرانها، ولن تكون كما هي الآن دولة مؤذية، ومساحة مباحة للإرهابيين، أو ملجأ لكل بوق إعلامي حاقد، ستكون قطر عندئذ دوحة للسلام، للحب، وللتعاون، ولن تكون منبوذة، أو خارج الجسم الخليجي، فهي منا ونحن منها، وقدرها أن تكون حمايتها واستقرارها وقوتها حين تكون تحت مظلة الدول الخليجية الشقيقة، لا مظلة تركيا ولا إيران ولا إسرائيل ولا تنظيم الإخوان المسلمين.
فلعل دولة قطر تعود إلى رشدها ووقارها وحدبها على نفسها وعلى أشقائها، فلا تتآمر، ولا تحرض، ولا تخطط لإرهاب جيرانها، ولا توظف الإعلام والمال لزرع الفتن بين مواطني الدول الشقيقة، فقد كانت ولا تزال خنجراً في خاصرة كل دولة من دولنا لخلق النزاعات والفوضى والشقاق دون أي شعور بالمسؤولية أو احترام لحق الجار والشقيق.
ها قد وضحنا ما نعتقده مفيداً لقطر، حتى لا تتواصل خطاها الإرهابية، ومؤامراتها الموثقة، وحتى تكون في مأمن من أي تداعيات فيما لو استمر هذا الخط السياسي لها، فنحن نخاف عليها من الانتحار، نخشى أن تكون هذه نهايتها، يمتلكنا الخوف من أن نجد قطر وقد آل وضعها إلى ما نتوقعه إن هي واصلت سياسة الإضرار بأشقائها وجيرانها.