أراب دايجست- ترجمة شادي خليفة -
لقد كان من الصعب تقييم الأمور في الأزمة بين قطر من جهة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية التي تدعمها البحرين ومصر من جهة أخرى، لأنّ الكثير من المعلومات الأساسية في البداية ظلت سرية، مثل الالتزامات التي قبلتها قطر في وقتٍ سابق داخل مجلس التعاون الخليجي، وإذا كان البيان المنسوب إلى أمير قطر في 24 مايو/أيار، والذي أدانته قطر كجريمة إلكترونية، صحيح، وما هي المطالب الـ 13 التي تقدمت بها دول الحصار الأربعة إلى قطر، وما هي المطالب المعدلة لاحقًا.
وقد ظهر الكثير من هذه المعلومات أثناء الأزمة، على الرغم من أنّها لم تتأكد تمامًا.
وفي 11 يوليو/تموز، نشرت شبكة «سي إن إن» بيانًا بالاتفاقات المبرمة بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تم التوصل إليها عامي 2013 و2014، والتي يُقال أنّ قطر قد اخترقتها. وتذكر الاتفاقات «ألا تدعم قطر الإخوان المسلمين أو وسائل الإعلام المعادية»، في إشارة واضحة إلى قناة الجزيرة ووسائل الإعلام الأخرى التي تمولها قطر، وأن تدعم الاستقرار في مصر. ولم تعترض قطر على التقرير، إلا أنّها اتهمت الآخرين بكسر الاتفاق، وقالت أنّ إغلاق الجزيرة وتشريد الأسر ودفع التعويضات لا علاقة لها بالاتفاق.
وفي 16 يوليو/تموز، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أنّ مسؤولين في المخابرات الأمريكية أقروا بتورط الإمارات في «تنظيم اختراقٍ لوكالة أنباء الحكومة القطرية (قنا) ومواقع التواصل الاجتماعي، من أجل نشر اقتباساتٍ مفبركة كاذبة، والتي نُسبت إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أواخر مايو/أيار، والتي أشعلت شرارة الاضطرابات المستمرة بين قطر وجيرانها منذ ذلك الوقت ... وأنه في 23 مايو/أيار، ناقش كبار أعضاء حكومة الإمارات الخطة وتنفيذها ... ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الإمارات قد نفذت الاختراق بنفسها أو تعاقدت مع طرف آخر للقيام بذلك بالنيابة عنها».
وكانت دول الحصار قد أكدت على أنّ الطلبات الـ 13 غير قابلة للتفاوض، واعتُبرت على نطاقٍ واسعٍ تعديًا على السيادة لا يمكن أن تقبل به دولة مستقلة. ولكن حدث تطور في 5 يوليو/تموز، وصفه «رامي خوري»، من الجامعة الأميركية في بيروت، بأنّه «نقطة تحول نحو التوصل إلى حلٍ دبلوماسي والتفاوض عليه، والذي من شأنه أن يفي بالمطالب الدنيا المشروعة لكلا الجانبين، إذا استجابت جميع الأطراف المعنية للتطورات الإيجابية الجديدة». وجاء في هذا التعديل قائمة تضم ستة مبادئ فقط، ويبدو أنّها تحل محل المطالب الـ 13، وجاء فيها:
أولا: الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله ومنع تمويله أو توفير ملاذاتٍ آمنة له.
ثانيا: منع جميع أعمال وخطابات الاستفزاز التي تحرض على الكراهية أو العنف.
ثالثا: الامتثال التام لاتفاقية الرياض لعام 2013، والاتفاق التكميلي وآليات تنفيذه لعام 2014، في إطار مجلس التعاون الخليجي.
رابعا: الالتزام بجميع نتائج القمة العربية الإسلامية الأمريكية، التي عقدت في مايو/أيار عام 2017 في الرياض.
خامسا: الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعن دعم الكيانات غير القانونية.
سادسا: مسؤولية جميع دول المجتمع الدولي عن مواجهة جميع أشكال التطرف والإرهاب بوصفها تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.
ويخلص بيان دول الحصار الأربعة إلى أنّ «لبلدان الأربعة تعرب عن تقديرها للموقف الحاسم الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب بشأن ضرورة وضع نهاية فورية لدعم التطرف والإرهاب وإزالته، وعدم تقبل أي انتهاكاتٍ من جانب أي طرف في هذا الصدد». وقد حاول «ريكس تيلرسون» مرارًا وتكرارًا تهدئة الأمور، من خلال تصريحاته في 9 يونيو/حزيران و25 يونيو/حزيران، والتوقيع على اتفاقٍ في الدوحة في 11 يوليو/تموز.
ولم تنته الأزمة بعد. وسيكون من الصعب غفران بعض الإهانات المتبادلة بين الجانبين، وسيستمرون في الإساءة لبعضهم البعض. ولا تخلو هذه الاتهامات من النفاق، وليس دول الحصار الأربعة سجل نظيف من ناحية دعم المؤسسات التي وصفت بالإرهابية، أو بشأن حقوق الإنسان بشكلٍ عام. لكن إذا تم استبدال المطالب الـ 13 بالفعل بالمبادئ الستة، فهناك على الأقل فرصة للتفاوض بهدوء والخروج باتفاق في النهاية. وقد تراجعت مخاطر التصعيد، بسبب الضغوط الأمريكية وغيرها من الضغوط الدولية.
وقد تكون بعض الأضرار التي لحقت دائمة، ولاسيما الأضرار التي لحقت بوحدة ونفوذ مجلس التعاون الخليجي. ومن السابق لأوانه تقييم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الحصار المفروض على قطر، وهو ما أثر حتى الآن على ثقة رجال الأعمال والعمال الأجانب في قطر، وعلى الأفراد والأسر الذين لهم علاقاتٍ في كلا المعسكرين، ولكن استطاعت قطر التخفيف من حدتها بثروتها غير العادية وثقة القطريين في قيادتهم.
وتقع المسؤولية عن هذه الأزمة غير الضرورية في المقام الأول على «محمد بن سلمان» ولي عهد السعودية، و«محمد بن زايد» ولي عهد الإمارات ورئيسها الفعلي، واللذان تجاهلا كل محاولات التهدئة من قبل كبار السن وكثير من جهود الوساطة التي بذلها أمير الكويت. ومن المرجح أن يزيد هذا مشاعر الاستياء من قبل الجيل الأكبر سنًا من قادة الخليج تجاه الأداء المروع من الشباب، وخاصةً في السعودية.