ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

الحصار لم يعزل قطر و«ترامب» تورط بدعم السعودية

في 2017/07/28

فورين أفيرز- ترجمة شادي خليفة-

بالنسبة إلى كل الدراما الحالية، فإنّ التصدع المتفاقم في الخليج بين قطر ومعسكر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، يعد بشكلٍ متزايد تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الإقليمي والمصالح الأمريكية. وبالانحياز إلى السعوديين، لم تساعد إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» الولايات المتحدة، لأنّها أقحمت نفسها الآن وسط نزاعٍ متصاعد بين شركائها الأمنيين المقربين في الخليج، إلى جانبٍ واحدٍ دون الآخر. ويجب الآن على واشنطن أن تخرج نفسها من تلك الأزمة.

وكانت آخر التطورات في هذا الصراع تقارير خرجت من مصادر استخباراتية أمريكية تؤكد اتهامات قطر للإمارات بافتعال الأزمة بأكملها والتخطيط لها، عن طريق قرصنة مواقع تخص الحكومة القطرية وزرع بيانات كاذبة واستفزازية نُسبت إلى أمير قطر، والتي استخدمها السعوديون وغيرهم بعد ذلك لبدء حملة الضغط على الدوحة. وكانت منظمة تدعى «غلوبال ليكس» قد قامت بإعلان وقوفها وراء اختراق حساب البريد الإلكتروني لسفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن، وعرضت رسائل تهدف إلى إظهار أنّ الإمارات قد اتخذت الترتيبات اللازمة لاختراق مواقع الحكومة القطرية.

وقد نفت دول الحصار الأربعة بطبيعة الحال جميع الادعاءات. وقد حاولت جميع الأطراف الكيد للجانب الآخر في محاولة لكسب تأييد أمريكي أكبر لمواقفهم. ويبدو أنّ «ترامب» الذي سخر بوضوح من المعاملة الملكية التي حاز عليها عند السعوديين خلال زيارته الرسمية الأولى، بدا في البداية على خط الرياض التي قطعت العلاقات مع قطر لأنّها تدعم الإرهاب. ولكن في الواقع، تأمل دول الحصار، بقيادة ولي العهد السعودي الجديد المتهور والمضطرب، «محمد بن سلمان»، في إجبار قطر على إضعاف علاقاتها مع إيران وتركيا، التي تساند الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، مثل جماعة الإخوان المسلمين.

لم تعزل قطر

إلا أنّ هذه الخطوة لم تعزل قطر كما كان يأمل السعوديون. ومن غير المدهش أنّ كلًا من الإيرانيين والأتراك قد سارعوا بتقديم المساعدات لقطر من خلال كسر الحصار على التجارة والسفر. (تعتمد قطر بشكلٍ كبيرٍ على السعودية في الواردات الغذائية، على سبيل المثال، وكان على شركات الطيران القطرية أن تأخذ مساراتٍ أطول وأكثر تكلفة بسبب حظر المجال الجوي). وقد أصبحت علاقات قطر مع البلدين أقوى الآن من أي وقتٍ مضى.

 ولا تظهر الدوحة أي علاماتٍ على التخلي عن حماس والجماعات الإسلامية الأخرى. لكنّ واشنطن، التي أعطت الضوء الأخضر أساسًا للسعوديين وحلفائهم لمواجهة قطر، تشجعهم على تحمل المخاطر التي لم تكن قد وُضعت في الحسبان. وھذا ھو الحال أیضًا في الیمن، حیث تواصل الولايات المتحدة تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي الحاسم للسعوديين في حملتھم الوحشية لھزیمة المتمردين الحوثيين، الذين أطاحوا بالحکومة الیمنیة من السلطة عام 2014، وتتعرض الرياض للضغط من أجل التوصل إلى نهاية تفاوضية للنزاع. كما أنّ عداء إدارة «ترامب» تجاه إيران قد شجع السعوديين ضد إيران.

مبالغة في التدخل

وقد بالغت واشنطن في التدخل مما أدى إلى ضغوطٍ ذاتية بسبب الغوص في وسط هذا النزاع الفوضوي. وكانت المصالح الأمريكية الأساسية في الخليج العربي تستدعي الحفاظ على التدفق الحر للنفط، ومنع الهجمات الإرهابية المنبثقة عن المنطقة ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، ومنع إيران من إقامة هيمنتها على المنطقة. ولا يتعرض أي من هذه المصالح للخطر بسبب النزاع. ولا يوجد أي تهديدٍ لحرية الملاحة في الخليج العربي، ولا يحتمل أن يحدث أي شيء نتيجة لهذه الأزمة. ولن تُخرج قطر ولا البحرين القوات الأمريكية من قواعدها. ولن يقطع السعوديون تعاونهم مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من أنّ إيران زادت من نفوذها في قطر بفضل السعوديين، غير أنّ الدوحة ليست على وشك الانضمام إلى الهلال الشيعي الإيراني.

لكنّ الأزمة قد قوضت حلم الإدارة الأمريكية في تشكيل تحالفٍ عربيٍ سنيٍ موحد لردع إيران ومحاربة الإرهاب الجهادي. ومع ذلك، فإنّ مجلس التعاون الخليجي، منذ تشكيله عام 1981 لمواجهة إيران، لم يكن نموذجًا مثاليًا للوحدة. فالكويت وعمان وقطر لديهم وجهات نظر مختلفة ومتقلبة تجاه إيران بعيدًا عن الخط الذي تنتهجه البحرين والسعودية والإمارات. وبالإضافة إلى انقساماتهم حول إيران، هناك أيضًا عدم ثقة كبيرة وطويلة الأمد في حرص السعودية على وحدة الخليج.

وتساعد هذه الانقسامات الداخلية على إيجاد تفسيرٍ لسبب إحراز مجلس التعاون الخليجي تقدم ضئيل جدًا نحو نظام الدفاع الجماعي. وعلى سبيل المثال، فإنّ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومحاربة الجهاديين العالميين ليست ببساطة أولوية عالية بالنسبة لأصدقاء الولايات المتحدة السنة.. بل على العكس من ذلك، فإنّهم ينشغلون كثيرًا بأجندتهم الطائفية والجيوسياسية، كما رأينا مع النزاع السعودي القطري، وسحب الولايات المتحدة إلى جانبها في هذه المعارك الإقليمية، من خلال اللعب على مخاوف الغرب من إيران وتنظيم الدولة.

ولا يوجد حل شامل للموقف الحالي ضد قطر. ومن المرجح أن تكون هناك فترات من التوتر. لكنّ الصراع الأساسي، هو اختبار الإرادة بين قطر، العازمة على الحفاظ على استقلالها في اختيار حلفائها، والسعودية والإمارات، اللتان تعتزمان معاقبة الدوحة على اتخاذ الخيارات التي تضر بمصالحهما، وهكذا، لا يوجد حل قريب. ويمكن لـ«محمد بن سلمان» أن يحكم السعودية على مدى عقودٍ قادمة، وباعتباره مهندس السياسة الجديدة المتشددة، فإنّه من المرجح أن يسعى إلى أي فرصة في المستقبل لإضعاف القطريين وتقليص نفوذهم.

ولزيادة تعقيد الأمور، فإنّ دعم قطر للإسلاميين والإخوان المسلمين، وهو أحد الشكاوى الرئيسية للسعوديين والإماراتيين، ليس مشكلة محلية فحسب، بل مسألة أيديولوجية على مستوى المنطقة من المرجح أن تستمر لعدة أعوام. وقد تكون المنطقة بصدد التعرض لمزيدٍ من القضايا والنزاعات المحلية، السنة مقابل الشيعة، والفرس مقابل العرب، وحتى السنة مقابل بعضهم البعض، ومن الصعب أن نرى واشنطن تلعب دورًا محوريًا في نزع فتيل أي أزمة، ناهيك عن حلٍ، أيًا منها.

وأفضل نصيحة لواشنطن هنا هي عدم الانخراط، خصوصًا بطريقة تجبرها على الانحياز إلى جانبٍ دون الآخر، ما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى الانقسامات المستمرة. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوترات، وليس التقليل منها، وسيسحب الولايات المتحدة إلى الشؤون الداخلية المتشابكة للعرب، والتي لن يمكن لها أن تخلص منها. ونظرًا لأهمية هؤلاء الشركاء الأمنيين، لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل نفقات في التوترات المستمرة، والتي من المرجح أن تكون قصة لا تنتهي أبدًا في العلاقات القائمة بين قطر ودول الحصار الأربعة.