أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-
في الحقيقة انه من المحزن جدا لاي عربي ولاي مسلم ان يرى اثناء متابعته للأزمة الخليجية مشاهد تكاد تقول عن حالها انها مشاهد ختامية ترخي الستار على عصر الاستقلال العربي والتحرر الوطني الذي ظل يتراجع الى ان وصل للحال البائس الراهن.
ممن يرى مشاهد الكيد والكيد المضاد يظن ان الطرفان غير عربيين او ان الخصومة التاريخية كانت هي الاصل وان الاخوة كانت الاستثناء.
من يرى استقواء كلا المعسكرين بالامريكان في اطار الحرب النفسية على الاخر وان كل طرف يفتخر بان امريكا في صفه وتسانده يلمح مدى الانهيار الذي وصلت اليه الممارسة والعقل، فكيف لعاقل ان لا يتوقف امام مشهد تجمع فيه امريكا بين النقيضين وكيف لا يكتشف لحظيا ان امريكا مخادعة وانها تبتز جميع الاطراف وكيف يقبل بهذا الابتزاز الا ان يكون وللأسف لا يملك حلا اخر من مكامن القوة واوراق الضغط سوى الاستقواء بالامريكي!
انه مشهد كاشف لما وصل اليه حال الخليج من اعتماد اصبح كليا على الامريكي وربما يخرج الطرف الذي له اوراقا بديلة يستطيع مناورة الامريكي بها اقل خسارة ولا نقول منتصرا لانها ازمة من النوع الذي لا يحمل منتصرا وخاسرا وانما خاسرا واقل خسارة!
كيف يحتكم المعسكران لامريكا في قضية تمويل الارهاب وهي اكبر ممول وراع للارهاب ومنشئ ومنسق لتنظيماته واكبر مستخدم له كأداة لتحقيق مصالحها عبر العالم؟
كل الاطراف الخليجية شاركت في تمويل التكفيريين وامريكا رعت ودربت القيادات ونسقت دوليا خطوط ايصال الاسلحة وساعدت استخباريا بمعلومات واحداثيات ونرى الاطراف الخليجية تتهم بعضها بتمويل الارهاب وتحتكم الى امريكا!.يا له من مشهد هزلي كان الاولى منه ان تستفيق جميع الاطراف وتعترف بخطئها وتتخذ موقفا موحدا مضادا للامريكي وتدخلاته وتحاول اصلاح ما افسده التعاون الخليجي الارهابي في تدمير البلدان الشقيقة.
الان اصبح الكونجرس قبلة المعسكرين واصبحت قراراته بشأن الازمة وتقارير الخارجية الامريكية بشأن الخليج هي محط انظارهما بانتظار انحياز امريكي صريح وعملي لينتصر الاخ على اخيه في معركة الاخوة الاعداء.
قد تكون وحدة مجلس التعاون الخليجي على الاثم والعدوان ضارة وتفرقهم اذا ما كان الهدف ايذاء الاخرين رحمة، الا ان حربهم وخصومتهم ايضا ضارة لانها تسمح للامريكي والصهيوني بمزيد من النفوذ ومزيد من الامتيازات وربما تصل لحد الاستعمار الكلاسيكي اذا ما تفاقمت الامور.
نفهم ان تكون امريكا اللاتينية بها قطاعات طامحة للسلطة وقوى سياسية وتنظيمات تستجدي الدعم الامريكي بحكم الموقع والصلات، وعلى الرغم من ذلك فان القارة مليئة بالقوى المناهضة لامريكا، فهل يعقل ان يكون النفوذ الامريكي في الخليج اكبر منه في امريكا اللاتينية؟!
نفهم ان تستقوي الدول بشعوبها وشعوب امتها وتراهن عليهم، فهل يعقل ان تتبارى على سياسات لا تصب في النهاية في صالح الشعوب؟!
كل هذه التناقضات واكثر منها ربما تظهر بفعل عقود من اتباع البوصلة الخاطئة واتباع الدعاية الجوفاء والتي لم تصمد امام اي اختبار عملي بل ثبت ان التطبيع ورقة ضغط بينية بين العرب بينما المقاومة ورقة ضغط مهملة على العدو الحقيقي للامة.
ان امن الخليج مخترق بفعل سياسات انظمته والتي جلبت القواعد الامريكية والبريطانية ومؤخرا عبثت بالملفات الديموجرافية والعلاقات الاجتماعية الجذرية بين الشعوب الواحدة المتناثرة بين الاقطار، ماذا يكون الامن اذن الا استقلالا ووحدة داخلية؟ هل يكون ترسانات اسلحة لا تجد جنودا لها ولا تستطيع الدول استخدامها الا بإذن مصنعيها وفك شفراتها بواسطتهم؟!
لا حل اكثر امنا لجميع الاطراف الا الاستفاقة ونبذ السياسات القديمة بعيدا عن العجرفة والكبر وتغيير جذري في التوجهات والعمل لصالح الامة العربية والاسلامية، اما التمادي في الكبر فهو اصرار على تراكم الاخطاء وهو ما يعني مزيد من الخطايا ومزيد من التدخل الامريكي الاسرائيلي حيث التنافس على ارضائهما سيصل لمنتهاه!
جميع الخيارات لا زالت متاحة وان كان التاريخ وطبيعة الانظمة وطبيعة من على رؤوسها لا تميل لكفة الاستفاقة وانما تميل بالخليج وبالعروبة وبالامة لكفة الهاوية السحيقة!
وتبدو الاطراف متنافسة ومتقاتلة للفوز بجمرة مشتعلة!