ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

اللعب على الحبال .. لماذا تتواصل السعودية مع الشيعة العراقيين؟

في 2017/08/02

جيمس دورسي - هاف بوست- ترجمة شادي خليفة -

تلعب السعودية في العراق على كل الحبال، في الوقت الذي يلفظ فيه تنظيم الدولة الإسلامية أنفاسه الأخيرة هناك، حيث تقيم علاقات مع الزعماء الشيعة العراقيين وتقدم المساعدة في تمويل إعادة إعمار الموصل وغيرها من المدن الإسلامية ذات الغالبية السنية التي دُمرت في الحملة العسكرية ضد التنظيم الجهادي.

وتهدف الاتصالات السعودية مع رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» والسياسي الشيعي «مقتدى الصدر»، الذي عقد الأسبوع الماضي محادثاتٍ جادة مع ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، إلى احتواء النفوذ الإيراني الكبير في العراق. ويعد «مقتدى الصدر» على نطاقٍ واسع شخصية متوازنة مع شعوره القوي بالقومية في علاقاته مع إيران. وكانت هذه أول زيارة يقوم بها إلى المملكة منذ أكثر من 10 أعوام.

وقد كانت زيارة «الصدر» متناقضة تمامًا مع الأيام التي كان فيها محرضًا على المملكة.

وقبل زيارة «الصدر»، الذي انتقد الميليشيات الشيعية القوية التي ترعاها إيران والتي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية جنبًا إلى جنب مع الجيش العراقي، فضلًا عن دعم إيران للرئيس السوري «بشار الأسد»، سبقه «العبادي»، الذي استُقبل في المملكة في يونيو/حزيران، على الرغم من إعرابه قبل أيام من زيارته عن معارضة المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي تقودها السعودية منذ شهرين ضد قطر.

ويعد التنافس مع إيران من القضايا الأساسية في أزمة الخليج. وقد طالب التحالف السعودي الإماراتي بأن تقلص قطر علاقاتها مع إيران، التي تشترك معها في أكبر حقل للغاز في العالم.

اعتراف بالنفوذ

ويشير التواصل السعودي أيضًا إلى اعترافٍ سعوديٍ نادر بأنّ النفوذ الإيراني حقيقة واقعة في دائرة مفرغة من الحروب بالوكالة، وقد خاضت المملكة هذه الحرب حتى الآن باعتبارها لعبة صفرية. وقد دفعت الحرب بالوكالة إلى التدخل العسكري السيئ للمملكة في اليمن، والذي دفع اليمن إلى حافة الهاوية، حيث تكافح المجاعة والأوبئة، وزادت من حدة الحرب الأهلية الوحشية في سوريا، وأثارت التوترات الطائفية في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

وأعرب «إبراهيم المري»، العقيد السعودي المتقاعد والمحلل الأمني الذي يعيش في الرياض، عن «توقعاته تجاه الاتصالات السعودية»، مشيرًا إلى أنّ «التحسن الكبير في العلاقات السعودية العراقية الرسمية وغير الرسمية لا يعني أنّ سيطرة إيران قد انخفضت أو تنخفض في ​​العراق». ويتوقع «التعامل مع كل التيارات السياسية في العالم العربي من بلدٍ بحجم المملكة ومكانتها».

ويؤكد التواصل السعودي مع مختلف الأطراف، على الرغم من تصنيف السعودية لميليشيا حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران، كمنظمة إرهابية، للمرة الثانية خلال ستة أشهر، اختيار المملكة المشاركة بدلًا من المواجهة.

وفي فبراير/شباط، ألغت المملكة قرار إلغاء المساعدات العسكرية السنوية بقيمة 3 مليارات دولار للبنان، حيث يمثل حزب الله أحد أهم القوى السياسية في البلاد ويشكل جزءًا من الحكومة، وعينت سفيرًا جديدًا هناك، وألغت نصيحتها للسعوديين بعدم زيارة لبنان، وهي وجهة سياحية سعودية شهيرة، وزادت الرحلات الجوية إلى بيروت بواسطة الناقل الوطني، ورحبت بالرئيس اللبناني «ميشيل عون»، الحليف المسيحي لحزب الله، في زيارة للمملكة.

وتوجه الأمير «محمد» إلى مقابلة السيد «الصدر» في حين كانت قوات الأمن في المملكة تعتقل النشطاء في المنطقة الشرقية الشيعية الغنية بالنفط. وكانت وزارة الداخلية السعودية قد ذكرت في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع أنّ ضابطًا من الشرطة قد قُتل وأُصيب ستة آخرون بجروح، عندما تعرضت دوريتهم لهجومٍ في بلدة العوامية. وكانت العوامية موطنًا للشيخ «نمر النمر»، رجل الدين الشيعي الذي أدى إعدامه في أوائل عام 2016 إلى تمزق العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية.

وكانت كندا، التي باعت مركبات مدرعة بقيمة 15 مليار دولار إلى المملكة، قد بدأت الأسبوع الماضي تحقيقًا في ادعاءاتٍ باستخدامها في قمع الشيعة. واستند التحقيق إلى أشرطة فيديو صادرة عن ناشطين حقوقيين سعوديين، والتي يُزعم أنّها توضح استخدام المركبات الكندية في عمليات القمع السابقة في المنطقة الشرقية، وليس العملية الحالية في العوامية.

قبيل الانتخابات

ويأتى التواصل السعودي مع القادة العراقيين قبل الانتخابات العراقية الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في العام القادم. وقد اكتسبت زيارة «الصدر» إلى جدة أهمية إضافية بسبب معارضته لمنافسه «حيدر العبادي»، رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي»، الذي يُعتبر على نطاقٍ واسعٍ من الأصول الإيرانية الرئيسية. وأثارت الزيارة تساؤلاتٍ حول الدور الذي قد يرغب السيد «الصدر» في لعبه في مواجهة النفوذ الإيراني بالتعاون مع المملكة.

ويأمل «الصدر» و«العبادي» أن يكون للمملكة دورٌ أكبر من المساعدة في تمويل إعادة بناء المدن التي يغلب عليها الطابع السني، والتي تعرضت للخراب من قبل الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن أيضًا في بناء الجسور مع مجتمع الأقلية السنية، والتي تم تهميشها منذ الإطاحة بنظام «صدام حسين» عام 2003. ويعتقدان أنّ السعودية لن تكون قادرة على الاستفادة فقط من نفوذها المالي فقط، ولكن الاستفادة أيضًا من حقيقة أنّ العديد من القبائل السنية العراقية تشترك في النسب مع العشائر السعودية.

وقد دُمرت تقريبًا مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق قبل الاستيلاء عليها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. وسيتعين إعادة تأسيس بنيتها التحتية من الصفر بتكلفة تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وكانت عملية إعادة بناء المدن الأخرى التي دمرتها الحملة المناهضة لتنظيم الدولة الإسلامية بطيئة للغاية.

ويشير بعض المتفائلين إلى أنّه قد يكون هناك المزيد من التحركات السعودية. ويضعون في احتمالاتهم أن يبحث الأمير «محمد» عن قناة تواصل جديدة مع إيران، وهو دورٌ يمكن أن يؤديه «الصدر»، باعتباره أحد السياسيين العراقيين الشيعة القلائل الذين لديهم علاقات معقولة مع كلٍ من إيران والمملكة. وعلى الأرجح، يرى الأمير «محمد» فرصة لاستغلال الخلافات داخل المجتمع الشيعي العراقي تجاه إيران، وحاجة الحكومة للمساعدة في بناء الجسور مع مواطنيها السنة.

لكن كما قال «جوان كول»، الباحث الأكاديمي في شؤون الشرق الأوسط: «هناك شيءٌ واحد مؤكد. لم يسعَ السعوديون لدعوة رجل دين شيعي عراقي كبير إلى جدة لمجرد الاستفسار عن صحته».ش