ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

الحج.. موسم "اصطياد" المواقف بين السعودية وقطر

في 2017/08/02

ياسر أبو معيلق- DW بالعربية-

مع اقتراب موسم الحج أضيفت ورقة أخرى إلى أوراق التجاذب القطري السعودي، في ظل اتهامات من كل طرف لآخر باستغلال موسم الحج والحجاج كورقة سياسية من أجل الضغط لدفع الأزمة الخليجية في اتجاه مواتٍ لكل منهما.

يتفق مؤرخو حقبة ما قبل ظهور الإسلام على أن موسم "الحج" (المسمى الحج الجاهلي) كان موسماً مقدساً للقبائل العربية في جزيرة العرب، تسود فيه الهدنة بين المتحاربة منها وتتوقف فيعه الاعتداءات على الحرث والنسل.

لكن موسم الحج بعد أكثر من 14 قرناً وانتشار الإسلام في المنطقة يبدو أنه لم يسلم أيضاً من الصراعات الإقليمية والتجاذبات السياسية بين دول شبه الجزيرة وجاراتها، وهو ما دلّ عليه التراشق الأخير بين قطر والسعودية على خلفية أنباء عن اتخاذ السعودية لعدد من الإجراءات لإعاقة القطريين الراغبين في أداء مناسك الحج أو العمرة.

وكانت وزارة الحج والعمرة السعودية قد اشترطت على الحجاج والمعتمرين القادمين من قطر الوصول إلى المملكة جواً فقط، وعبر شركات طيران غير الخطوط القطرية، وهو أمر اعتبرته "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان" القطرية انتهاكاً صارخاً لحرية العبادة و"تسييساً للشعائر الدينية واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية".

من جهتها، اتهمت السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير الدوحة بمحاولة تسييس الحج من جهتها، وأوضحت أن الحكومة القطرية هي التي تقوم بإعاقة الحجاج القطريين، وذلك بعد ورود أنباء عن وقف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية التسجيل للحج لهذا العام على موقعها الإلكتروني.

تسييس وتدويل

هذا التجاذب الأخير بين الرياض والدوحة أعاد إلى الأذهان حوادث على مرّ القرن الماضي اتُهمت فيها السعودية باستخدام شعائر الحج وحصص الحجاج كورقة سياسية في صراعاتها مع عدد من دول المنطقة، لاسيما إيران – العدو اللدود للسعودية، والتي طالبت مراراً بإدارة جماعية للأماكن المقدسة – مكة والمدينة – وملف الحج.

وفي حديث مع DW عربية، أكد الدكتور مصطفى اللباد، رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة، أن "السيادة على موسم الحج والأراضي المقدسة.. أساس مشروعية النظام السعودي... حادثة مقتل حجاج إيرانيين في تدافع للحجاج قبل عامين أعادت موضوع التدويل إلى الأضواء مرة أخرى، إلا أن الموضوع كان دائماً محل نقاش ولكنه لم يكن محض اهتمام".

وتابع الدكتور اللباد بالقول إن الطرح القطري لموضوع تسييس الحج "يؤلم السعودية ويزعجها لأنه يمسّ بمشروعيتها المستمدة من الأراضي المقدسة، حتى وإن كانت فرص نجاح دعوات الإدارة الجماعية لهذا الملف ضئيلة".

من جانبه، يرى الدكتور حسن أبو طالب، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، في حواره مع DW عربية، أن قطر هي التي تسيّس ملف الحج، بدليل أنها "جاءت  بعد يوم واحد من الاجتماع الرباعي للدول العربية الأربعة المقاطعة لقطر والذي عُقد في المنامة، والذي أكد على استمرارية الموقف الرباعي ضد قطر حتى تستجيب للمطالب التي قُدمت لها من طرف هذه الدول".

وأشار الدكتور أبو طالب إلى أن قطر بالرغم من أنها "ناصرت السعودية طوال العقود الأربعة الماضية في الفصل بين الدعوة الإيرانية (لتدويل الحج) والموقف السعودي، تحاول تسييس موضوع الحج وتدويله، وذلك بسبب أزمتها مع السعودية".

جزء من القوة السعودية الناعمة

غير أن تقريراً لصحيفة "لوموند" الفرنسية نُشرت له ترجمة باللغة العربية ألمح إلى أن الرياض استغلت بالفعل سيطرتها على تحديد حصص الحجاج لكل دولة من أجل ممارسة ضغوط على عدد من الدول الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة، وبالتحديد نيجيريا، كي تصطف معها ضد قطر.

في هذا الصدد يتفق الدكتور مصطفى اللباد على أن ملف الحج والسيادة على الأراضي المقدسة ما يزال "أداة تستخدمها الرياض كجزء من قوتها الناعمة، وهذا أمر طبيعي أن تلجأ لهذه الأداة من أجل فرض هيمنتها في المنطقة، سواءاً في مواجهة إيران أو في مواجهة قطر". بيد أنه يرى أن قطر أيضاً ليست بمنأى عن استخدام هذه الأداة "لتخفيف الضغط الواقع عليها من السعودية"، حسب اللباد.

قوة ناعمة وجزء من مشروعية النظام وورقة للضغط في عدد من الملفات والصراعات. هذا "الاحتكار" السعودي لأحد أهم الشعائر الدينية في الإسلام يقابله معارضة تغيرت وجوهها على مدى التاريخ المعاصر، من ليبيا إلى العراق إلى إيران واليوم قطر، ومطالب التدويل ما زالت قائمة – وإن كانت "نائمة". فما الحل إذاً؟.

دعوة إلى حل أم قبول للأمر الواقع؟

يرى الدكتور حسن أبو طالب أن النظام المعمول به منذ عقود لإدارة موسم الحج من قبل السعودية يحظى بقبول الأغلبية الساحقة من الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ولذلك فإن أي تغيير في هذا النظام "يجب أن يكون العمل عليه داخل منظمة المؤتمر الإسلامي لكي يشكل تياراً كبيراً ومناهضاً لما تم الإجماع عليه من قبل. وأستطيع أن أقول إن قطر لن تستطيع أن تفعل ذلك".

ويتفق معه الدكتور مصطفى اللباد في هذه الرؤية، إذ يرى أن "المعارضين لسيطرة السعودية على ملف الحج حالياً هم فقط إيران وقطر. أعتقد أنه عندما تبدي بقية الدول الإسلامية موقفاً مشابهاً لذلك، فيمكننا حينئذ أن نرى تغيراً. إلى حين ذلك تبقى فرص نجاح المطالب بإدارة مشتركة لمكة والمدينة ضئيلة".

ولكن ما هي فرص تعاظم المعارضة لإدارة السعودية الحصرية لملف الحج إلى مكة في ظل تحكمها بحصص الحجاج والمنافذ الحدودية المؤدية إلى المناطق المقدسة؟ وهل سيستمر التجاذب حول ملف الحجاج أحد أوراق الضغط بين السعودية وخصومها السياسيين من الدول ذات الأغلبية المسلمة؟ كلها أسئلة ستجيب عليها التطورات الإقليمية في المستقبل.