د. علي محمد فخرو- القدس العربي-
ما الذي يعنينا، نحن العرب، عندما تكتب نعومي كلاين في كتابها الأخير المعنون «ليس كافيا أن نقول لا» عن بلاد تعيش منذ عقود إيديولوجيا بالغة الخطورة والقسوة واللاإنسانية، وعن رئيس لديه كل الاستعداد للاستفادة الانتهازية من كل ما تطرحه تلك الأيديولوجية من أفكار وشعارات ووسائل؟ البلاد هي الولايات المتحدة الأمريكية، والرئيس هو دونالد ترامب.
في تلك البلاد ترسخت الثقافة النيوليبرالية التي تقول بأن الطمع صفة حميدة، وأن منطق السوق أن يحكم، وأن المال هو المهم في الحياة، وأن الرجل الأبيض هو الأفضل، وأن الطبيعة وثرواتها هي للاستغلال والنهب، وأن الفقراء والضعاف يستحقون مصيرهم البائس.
والواحد في المئة من ساكني الأرض الذين يعيشون حياة الترف والبذخ هم الأنموذج الأفضل والأشطر والأذكى، وأن الخدمات العامة التي تقدمها الدولة لعموم المواطنين يجب أن تكون في حدها الأدنى، إذ أنها مصدر للكسل والتواكل، وأن مهمة الدولة الأساسية في هذا العالم هي حماية المصالح الذاتية الأنانية بكل الطرق والحيل، حتى إذا اقتضى ذلك خوض الحروب والصراعات.
إنها ثقافة بائسة خطرة، لكنها تتجذر ولديها مراكزها وقواها ومريدوها وإعلاميوها الذين ينشرونها ويبررون ضرورة تواجدها، من أمثال عرابها الأكبر ميلتون فريدمان ومدرسة شيكاغو.
أما الرئيس فإن تاريخه الشخصي، خصوصا ممارساته في حقلي المال والتجارة، وحاضره تشير إلى تصرفات تحمل الكثير من علامات الاستفهام من جهة، وإلى انتماء كامل للمدرسة النيوليبرالية الرأسمالية البالغة التوحش. الكتاب كله عن شخصية الرئيس وتاريخه وأقواله، ولذلك سنكتفي بذكر النقاط التي تهمنا.
فالرئيس يوصف بأنه أحمق وجاهل، يكن احتقارا واضحا للمرأة، مراوغا في حديثه، مؤمنا بأن فقر الفقراء هو بسببهم أنفسهم وقلة طموحهم وكسلهم، مختالا بأن ثراءه الفاحش يعطيه الحق في أن ينتخب كرئيس للدولة، متبجحا أمام ناخبيه بأنه أفضل من يصلح العفن في الدولة الأمريكية لأنه يعرفها من الداخل، فقد مارس أحيانا دفع الرشاوى للسياسيين، ونجح في عدم دفع الضرائب المستحقة عليه، مبديا عدم الحساسية الإنسانية تجاه المعوقين، من مثل استهزائه بصحافي بقسوة وعدم مبالاة.
وفي الحاضر، بعد استلامه الرئاسة، أبانت تعييناته لأعضاء حكومته ولكبار مستشاريه ولموظفي البيت الأبيض وغيرهم بأنه يريد إدارة أمريكا من قبل أصحاب البلايين والملايين، ومن قبل من لهم صفات القسوة في إدارة مختلف المؤسسات، ومن لهم تاريخ مخجل في تعاملهم مع المرأة. كمثال على ذلك هو العدد الكبير من المعنيين ممن كانوا موظفين كبارا في مؤسسة غولد مان ساكس المالية العملاقة وفي شركات البترول من مثل إكسون موبل.
ومع ذلك فان هذا الرئيس لا يتواني عن طرد موظفيه بصورة غير لائقة ومذلة، بل عن طريق التويتر الشخصي أحيانا.
هناك ألوف التفاصيل التي جاءت بها الكاتبة الكندية عن ذلك البلد وذلك الرئيس.
ما يهمنا، نحن العرب، من ذكر كل تلك التفاصيل المملة هو طرح السؤال التالي: هل أن بلدا كهذا وشخصية كهذه كانا يستحقان ذلك التتويج من قبل رؤساء أربعين دولة عربية وإسلامية، والاعتقاد بأنهما جديران بالثقة والاعتماد عليهما في المستقبل؟
هل أن أيديولوجية البلد وصفات وتصرفات رئيسها وخلفية غالبية مسؤوليها تجعل الإنسان مطمئنا إلى صدق ما قاله الرئيس في خطابه الشهير، وإلى متانة ما التزم به، وإلى عدم الاستدارة الكلية في المواقف والالتزامات، إذا وجد ان ذلك في مصلحة الدولة الأمريكية ومصلحة مؤسساتها المالية والاقتصادية والعولمية؟
أليس في المواقف الأمريكية المنحازة كليا للكيان الصهيوني، وفي الاستباحات والأكاذيب والألاعيب الأمريكية في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها ما يؤكد هذا الخوف من أيديولوجية تلك الدولة ومن تاريخ وحاضر قائدها الحالي؟
يسأل الإنسان نفسه بحسرة وشبه يأس: هل أن المعنيين في بلاد العرب وقادتها يقرأون ما يكتب، ويتابعون ما يقال، ويتعلمون من أحداث التاريخ وواقع الحياة الدولية؟
عندما يفعلون ذلك سيكتشفون أن هذا النظام الأمريكي اليميني إلى حد الجنون وقادته سيمارسون مع العرب سياسات الصدمات المتتالية في الاقتصاد والأمن والسياسة، للانتقال إلى سياسات الابتزاز المبرمج، الى آخر دينار أو درهم في جيوب العرب، وإلى أكبر انتصار للصهيونية العالمية.