معهد الشرق الأوسط-
تسببت الأزمة التي اجتاحت مجلس التعاون الخليجي منذ 5 يونيو/حزيران، والتي تمثلت في حصارٍ دبلوماسيٍ واقتصاديٍ لم يسبق له مثيل لدولة قطر، في انقسام الخليج إلى ثلاثة معسكرات، الأمر الذي أدى إلى كسر وحدة التحالف الذي طالما تفاخر بالاستقرار والأمن.
ولم تتردد البحرين في دخول المعركة منذ اليوم الأول من الأزمة، وسرعان ما انضمت إلى السعوديين والمصريين والإماراتيين في خوض المعركة ضد قطر. ومع ذلك، لم يُكتب سوى القليل جدًا عن مشاركة البحرين، على الرغم من عددٍ من التناقضات التي تشير إلى أنّ الدولة الخليجية الصغيرة تفضل الحل التفاوضي بدلًا من المواجهة المفتوحة مع جارتها الشرقية. فما الذي يفسر قرار البحرين بالانخراط في الأزمة بهذا الشكل؟
نظرة عامة على الأزمة
وقد كتب الكثير عن دوافع الكتلة السعودية والإماراتية التي انضمت إليها البحرين ومصر واليمن ومجلس النواب الليبي فى طبرق في قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر. وقد تبنت الكويت وعمان مواقفهما التقليدية كوسيطين محايدين في الأزمة، حيث تضطلع الكويت بدورٍ نشط في تسهيل المفاوضات بين الجانبين، وتؤكد سلطنة عمان حيادها، وتسعى إلى الخروج من الأزمة بأقل الخسائر.
وتعد مطالب الكتلة السعودية الإماراتية من قطر متجذرة وتعود إلى وقتٍ طويل وتهدف أساسًا لاحتواء السياسة الخارجية المستقلة لدولة قطر، والتي تعد شوكة في خصر أنظمة دول الخليج. وتركز قائمة المطالب الـ 13 التي نشرتها الكتلة على دفع قطر للاتساق في مجالات السياسة مع تصورات التهديد الداخلي للسعودية ومصر، ما يعني التخلي عن دعم الجماعات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وبعض منظمات المعارضة المحلية في هذه البلدان، بالإضافة إلى البحرين.
وتمتد الطلبات أيضًا إلى التأثير على وسائل الإعلام القطرية الممولة من الدولة مثل قناة الجزيرة، التي أدت تغطيتها المستقلة بشكلٍ واضح للقضايا السياسية في مصر والخليج على وجه الخصوص إلى دفع جيران قطر إلى اتهامها بإثارة الاضطرابات في الشؤون المحلية. كما تطالب كل من الرياض وأبوظبي بأن تتسق الدوحة في مسألة اهتمامها الجيوسياسي الرئيسي مع الهدف الرئيسي لدول الكتلة، وهو مواجهة تهديد النفوذ الإيراني في الخليج والشرق الأوسط على حدٍ سواء. وفي الواقع، كان البند الأول فى قائمة مطالب الكتلة من قطر ينص على خفض علاقاتها الدبلوماسية ووقف كافة التعاون العسكري والاستخباراتي مع طهران.
وقد أشار كثيرون إلى المعايير المزدوجة في قائمة المطالب، حيث تتهم السعودية والإمارات قطر برعاية المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا، بينما ترتبط هذه الدول نفسها (جنبًا إلى جنب مع الكويت) بتمويل الشبكات السنية، وترعى علنًا الفصائل الأصولية السنية البديلة في سوريا. وبالمثل، تفوق التجارة الإماراتية مع إيران حجم التجارة بين إيران وقطر، كما يقيم عدٌ من دول الخليج علاقاتٍ ودية مع طهران، بما في ذلك عمان والكويت، وكلاهما رفض الانضمام إلى السعودية والبحرين والإمارات في سحب سفرائهم من طهران في أعقاب الأزمة الدبلوماسية في يناير/كانون الثاني عام 2016 التي اندلعت مع إعدام رجل الدين الشيعي السعودي «نمر النمر».
فهم العلاقة بين البحرين وقطر
لم تتردد البحرين في دخول المعركة منذ اليوم الأول من الأزمة، وسرعان ما انضمت إلى السعوديين والمصريين والإماراتيين في خوض المعركة ضد قطر. واتهمت حكومة البحرين قطر أيضًا بالتراخي في مواجهة شبكات تمويل الإرهاب، ودعم الجماعات التي تهدد البحرين مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية.
وقد قطعت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسبب مسألة تقارب الدوحة مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو أمرٌ محيرٌ بشكلٍ خاص، بالنظر إلى أنّ جماعة الإخوان في البحرين تعمل كمجتمع سياسي قانوني، وحصلت على مقاعد في برلمان البحرين في عددٍ من المناسبات. ويبدو أنّ البحرين هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يتداخل فيها فرع الإخوان المسلمين مع الحكومة، ولم يتم تصويرها على أنّها تهديدٌ لاستقرار النظام. ويعد هذا تناقضًا صارخًا مع النهج السعودي والإماراتي الذي تنطلق منه الحملة العدوانية ضد الإخوان في مصر وأماكن أخرى، بسبب المخاوف من أن تشكل القاعدة الإسلامية للإسلاميين تهديدًا جوهريًا للشرعية الملكية في الوطن العربي. فما الذي يفسر موقف البحرين المتناقض، وهل تستطيع المنامة الحفاظ عليه مع دخول أزمة قطر شهرها الثالث؟
كانت علاقة البحرين مع قطر متقلبة منذ زمنٍ طويل. غير أنّ علاقاتهما الثنائية قد تحسنت بالفعل في الأعوام الأخيرة، بينما هددت الأزمة الحالية عددًا من المشاريع المشتركة الطموحة، بما في ذلك اقتراحٍ نوقش كثيرًا لبناء «جسر صداقة» يربط بين البلدين. ويعد الكثير من التقلب في العلاقات بين البحرين وقطر نتاج الروابط العائلية الوثيقة والتراث القبلي المشترك بين البلدين. فقد غزا آل خليفة البحرين عام 1783 من قاعدتهم في الزبارة شمال قطر الحالية، مع السيطرة على الزبارة وأجزاء أخرى من قطر حتى أواخر القرن التاسع عشر، عندما أُجبروا على الخروج من قبل البريطانيين، بعد محاولة للسيطرة على العاصمة القطرية الحالية الدوحة. وحصلت قبيلة آل ثاني الحاكمة في قطر على سيطرة كاملة على الزبارة عام 1957، مرةً أخرى بعد التدخل البريطاني ضد محاولات آل خليفة لتأكيد سيادة البحرين على المنطقة.
واستمرت النزاعات الإقليمية في العلاقات بين البحرين وقطر بعد أن حقق كلٌ منهما الاستقلال، حيث طالبت كلتا الدولتين بجزر حوار غير المأهولة، فضلًا عن الزبارة وعددٍ من الجزر المرجانية الضخمة، ويقال أنّ جميعها يعوم فوق احتياطيات كبيرة من النفط والغاز. وفي عام 1996، اتهمت قطر البحرين بالاشتراك في محاولة انقلابٍ ضد الشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني». ومع ذلك، وفي أعقاب هذا الحادث، بدأت العلاقات في التحسن بين البلدين. وتجدر الإشارة إلى أنّ البحرين وقطر أقامتا علاقاتٍ دبلوماسية كاملة عام 1997، ووافقتا على تقديم التماسٍ لمحكمة العدل الدولية، لإيجاد حلٍ سلميٍ للنزاع الحدودي الذي تم تسويته عام 2001.
وبدأت التناقضات في الظهور منذ الأزمة الأولى عام 2014، حين انضمت البحرين إلى السعودية والإمارات في استدعاء السفراء من قطر، وكان الاتهام الواضح لقطر هو دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وإيواء أعضائها الهاربين من مصر بعد الانقلاب على الرئيس «محمد مرسي»، في حين سمحت المنامة لجماعة الإخوان المسلمين في البحرين، في نفس العام، بالترشح للبرلمان البحريني. ويُطرح هنا سؤالٌ واضح، لماذا شجعت الحكومة البحرينية العلاقة مع فرع جماعة الإخوان في البحرين في المقام الأول؟
مأزق الإخوان في البحرين
أدركت أسرة «آل خليفة» الحاكمة، منذ وقتٍ طويل، حاجتها إلى تعزيز قاعدتها داخل الأقلية السنية في البلاد، مع تصور الأغلبية الشيعية المضطربة بشكلٍ متزايدٍ كتهديدٍ أمنيٍ محتمل. وتصاعدت المشكلة الشيعية في البحرين في أعقاب انتفاضات الربيع العربي في البلاد عام 2011، والتي هزت نظام آل خليفة، وقوبلت بحملة قمع دموية لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
وفي حين أصبحت المنامة، بشكلٍ متزايد، تعتمد في أمنها على الرياض، التي قادت التدخل العسكري الذي نجح في نهاية المطاف في إخماد الاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للديمقراطية في البحرين، أصبح توحيد المجتمع السني في البحرين وراء نظام آل خليفة الملكي ضرورة لبقاء النظام
وتُعتبر جماعة الإخوان المسلمين في البحرين، جمعية المنبر الوطني الإسلامي، منظمة مؤيدة للنظام، وقد شارك في تأسيسها واحدٌ من أعمام الملك، وهو «عيسى بن محمد آل خليفة»، وذلك عام 1984. وقد قدمت جماعات مثل المنبر الدعم السني للنظام خلال احتجاجات عام 2011، وساعدت في تعزيز سياسات الحكومة الطائفية خلال حملة القمع ما بعد عام 2011 ضد المعارضة التي يسيطر عليها الشيعة، ولعبت دورًا حاسمًا في قدرة النظام الملكي على الحفاظ على قبضته على السلطة. وكان موقف المنبر متسقًا مع النظام، بوصفه للثورة الشيعية بـ «الثورة الطائفية والعنيفة والتي أتت انعكاسًا للإرهاب»، وقد ضغطت الجماعة أحيانًا على الحكومة للقضاء بشكلٍ أكثر قسوة على المعارضة الشيعية في معظم مناطق البحرين. وقد أثبتت جماعات مثل المنبر وجمعية الإصلاح السلفية كم كانوا حلفاءً مفيدين للغاية لحكومةٍ سعت إلى استخدام الانقسام الطائفي وتكتيكات الحكم لتعزيز نفوذها داخل الطائفة السنية. وكان للمنبر دورها في دعم الجهود الحكومية لتشويه حركة الاحتجاج المؤيدة للديمقراطية في البحرين كمؤامرة شيعية تدعمها إيران. وكل ذلك أثبت الحاجة إلى رعاية الإخوان في البحرين، على الرغم من تصاعد مكافحة الإخوان في معظم أنحاء الخليج.
وخلال احتجاجات الربيع العربي في البحرين عام 2011، أعربت قطر وجماعة الإخوان المسلمين عن دعمهما لنظام آل خليفة. وكانت قطر، مثل باقي الجيران، معنية بشكلٍ رئيسيٍ بأمنها، ورأت أنّ استقرار نظام آل خليفة هو المفتاح لمنع اندلاع مثل هذه الاضطرابات في دول الخليج الأخرى في حالة سقوط النظام الملكي في البحرين. وقد ساهمت قطر بعددٍ قليل من القوات في درع الجزيرة، التي دخلت البحرين في مارس/آذار عام 2011 لقمع الاحتجاجات، بقيادة السعودية.
وكان دعم قطر لـ «آل خليفة» متناقضًا مع ما تبعته مع باقي ثورات الربيع العربي. وكان الشيخ يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي انضم مؤخرًا لقائمة الكتلة السعودية الإماراتية لمؤيدي الإرهاب المدعومين من قطر، صريحًا في إدانته لمتظاهري البحرين الشيعة المؤيدين للديمقراطية عام 2011، وندد بسلوكهم العنيف والطائفي والمدفوع من جهاتٍ خارجية، على حد وصفه.
ومن الواضح أنّ الإخوان المسلمين لا يُعتبرون تهديدًا كبيرًا من قبل حكومة البحرين، التي لا تزال منشغلة بتشديد حملتها الأخيرة على المعارضة، بما في ذلك استهداف ناشطين بارزين في مجال حقوق الإنسان وحل آخر الجمعيات المستقلة في البحرين. وبالإضافة إلى ذلك، أبدت حكومة البحرين اهتمامًا قليلًا نسبيًا بقضية تمويل الإرهاب، حيث يقاتل أكثر من 100 بحريني لصالح تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات السنية المتطرفة في سوريا والعراق، ومن بينهم رجل الدين الأكبر في تنظيم الدولة الإسلامية «تركي البنعلي». لكن، لمَ لم تتبنى البحرين موقفًا على الحياد مثل الكويت وعمان؟
إلى مدار الرياض
لكي نجيب هذا التساؤل نعود بالأحداث إلى عام 2011 وما تلاه، حيث تم سحب المنامة تدريجيًا إلى مدار الرياض، حين تنازلت البحرين عن سيادتها، وفق البعض، أو تخلت على أقل تقديرٍ عن امتلاك سياستها الخارجية، وتركت السيطرة لجارتها القوية. وكان قرار نشر قوات درع الجزيرة بالبلاد في مارس/آذار عام 2011، بدعوة من ملك البحرين، هي اللحظة التي أصبحت فيها البحرين دولة تابعة وخاضعة للسعودية، خاصةً وأنّ القوات الأمنية قد بقيت فعلًا في البحرين.
ومما يزيد من حدة النفوذ العسكري السعودي على المنامة النفوذ الاقتصادي، خاصةً مع العجز الكبير في الميزانية وارتفاع الدين العام بمعدل مزعج، بسبب انخفاض أسعار النفط. وقد منحت دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها قطر، 10 مليارات دولار للمنامة عام 2011، لصالح مشاريع العمالة والتنمية، والتي تعتبر وسيلة للتخلص من الاضطرابات المدنية المستوحاة من الربيع العربي، ويعتمد جزء كبير من ميزانية البحرين على عائدات نفط حقل أبو سعفة الذي تسيطر عليه أرامكو السعودية، ويتم تقسيم أرباحه بين البحرين والسعودية.
وتشارك البحرين السعودية المخاوف من أنّ إيران تسعى إلى إثارة الاضطرابات في المجتمعات الشيعية في الخليج، وتزداد هذه المخاوف تعقيدًا بالديموغرافيا الطائفية الفريدة في البحرين، والاعتقاد الواضح من قبل الكثيرين في حكومة البحرين بأنّ يد إيران كانت وراء انتفاضة عام 2011، التي سيطر عليها الشيعة في البلاد. وتتهم البحرين قطر بدعم نصف الجماعات والحركات البحرينية المدرجة كمنظمات إرهابية في المملكة والبحرين، بما في ذلك تحالف شباب 14 فبراير/شباط، وحزب الله البحريني، ومنظمة سرية تسمى سرايا المختار. وفي حين لا يوجد دليل تقريبًا على وجود صلة بين هذه المجموعات وقطر، فإنّ جميع الكيانات البحرينية الخمسة المدرجة في القائمة قد تم ربطها بإيران من قبل الحكومة البحرينية.وقد رفض أحد النواب البحرينيين، لم يكشف هويته، أي صلة بين هذه المجموعات والدوحة، وتكهن بأنّ المنامة أرادت فقط إرضاء الرياض، مع احتمال الاستفادة بالمطالبة بتعويضاتٍ مالية من جارتها الغنية.
وقد نجحت الحكومة البحرينية بشكلٍ كبير في تصوير احتجاجاتها المؤيدة للديمقراطية عام 2011 على أنّها انتفاضة شيعية مستوحاة من إيران، وتهدد الأقلية السنية في البحرين، وتضر بتوازن القوى في الخليج. لكنّ دورها في أزمة قطر يتناقض مع هدفها الداخلي المتمثل في استخدام جماعة الإخوان المسلمين في البحرين لتعزيز الدعم السني لنظام آل خليفة.
وقد حافظت الجماعة على صمتها منذ اندلاع الأزمة مع قطر، ومع ذلك، فمن الممكن أن تضطر حكومة البحرين إلى التضحية بحليفتها في مرحلةٍ ما، إذا أرادت الاستفادة بدعم جهود السعودية والإمارات لإدراج جماعة الإخوان المسلمين العابرة للحدود كمنظمة إرهابية في الخليج. وبذلك وضح أنّ مشاركة البحرين في المقاطعة الدبلوماسية لدولة قطر لم تكن مدفوعة بمخاوف حول دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين، ولا بتمويلها لشبكات الإرهاب الدولية. بل إنّ تنازل البحرين عن سياستها الخارجية لصالح السعودية، في المقام الأول، عقب احتجاجات الربيع العربي عام 2011، لم يجعل لها صوتًا مستقلًا سوى السير في ركب الرياض. ومع ذلك، مع مخاوفها المتزايدة من دور إيران وطموحها في المنطقة، فقد يكون لعلاقة قطر الودية مع إيران دورًا في إثارة مخاوف المنامة.