القدس العربي-
لقّت دول حصار قطر دعماً متوقعاً من إسرائيل وذلك بعد إعلان وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيّوب قرا، أن وزارته بدأت خطوات لإغلاق مكتب قناة «الجزيرة» في مدينة القدس، وأنها استندت في قرارها إلى «قيام دول عربية سنية بإغلاق مكاتب الجزيرة لديها وحظر عملها»، وأن بلاده تقف في «صف الدول العربية المعتدلة التي تحارب التطرف الديني والإرهاب».
قرا، الوزير «العربي» في الحكومة الإسرائيلية، معروف بمبالغاته الفظيعة في الإعراب عن إسرائيليته وصهيونيته، كما حصل حين قال إن الزلازل أصابت إيطاليا بسبب موقفها المعادي لتل أبيب في اليونسكو، وحين ذبح 68 خروفاً (بعدد سنوات «ميلاد» إسرائيل)، وهذه المبالغات تصل أحيانا إلى حد يضحك الإسرائيليين «الأقحاح» منه (كما حصل عندما قال إن إسرائيل ستغتال قادة حماس بروبوتات مقاتلة).
لكن الوزير الظريف معروف أيضاً بمديحه لما يسميه «الدول العربية السنّية»، ليكون وجه العملة الأخرى لبعض نماذج في تلك الدول لا تني من جهتها تتمحك بإسرائيل وتمدحها وتطرح عليها التحالف، كما فعل مسؤول أمني إماراتي تحدث عن حلف العقول العربية مع المال الإسرائيلي!
الحقيقة أن لدى إسرائيل حسابها الخاص الطويل مع «الجزيرة»، وكانت قد بحثت إغلاق مكتب القناة أثناء الحرب على لبنان عام 2006، لكنّها وجدت مؤخرا في قرارات دول الحصار العربية الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ضد قطر و»الجزيرة» ركيزة مهمة تستند إليها.
وقد جاء تحويل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب إغلاق مكتب القناة للجهات الأمنية ووزارة الخارجية ومكتب الصحافة الحكومي ليتناظر مع اتهام وزير الدفاع المتطرف أفيغدور ليبرمان للقناة بأنها «تبث دعاية نازية» ومع تظاهرة لمستوطنين متطرفين تطالب بإسكات القناة.
لافت للانتباه، مع ذلك، أن نتنياهو وليبرمان أعطيا «جائزة» إعلان وقف المحطة القطرية لوزير من أصل عربيّ، لتحميله، وتحميل دول الحصار العربية، جزءاً من المسؤولية، من جهة، ولتقديم القرار باعتباره المساهمة الإسرائيلية المنتظرة في دعم الرباعي العجيب، من جهة أخرى، فإسرائيل، حسب قرا في تصريحه البديع، «هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، التي تحافظ على حرية التعبير، لكن… الحرب على الإرهاب والمتطرفين أمر يتطلب العمل»، لأن القناة «لا تمارس حرية التعبير»!
إسرائيل، حسب وزير الاتصالات الموهوب، صاحب روبوتات الاغتيال الحديدية، المحتفل بميلادها بذبح عشرات الخرفان، هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة التي تحترم حرية التعبير.
فإذا كانت كذلك، كما يدعي الوزير الأريب، فما الذي جعلها تقرر فجأة مغادرة مكانها الفريد كقلعة للديمقراطية ومدافعة عن حرية التعبير لتنضم إلى دول متخلفة ومستبدة تحتقر الحريات كلها، وليس حرية التعبير فحسب، وتصبح ضمن حلف دول تكره الديمقراطية كما يكره الوزير أجداده العرب؟
إعلان إغلاق «الجزيرة» في القدس هو، في الواقع، إعلان عن حقائق المنطقة الجديدة التي يجب قراءتها بشكل صائب فاجتماع دول تبدو شديدة الاختلاف أيديولوجيا، وكانت بينها حروب طويلة، على إسكات موقع إعلامي كـ«الجزيرة»، واتفاقها على محاصرة بلد صغير مثل قطر، يظهران فاعليّة هذا البلد وتلك القناة على شؤون العرب والمنطقة بالتأكيد، لكنّه أيضاً دليل على وصول الدول العربية التي تقبل التحالف مع إسرائيل ضد بلد عربيّ آخر إلى حال من اختلال البوصلة العربية والإسلامية وانحطاط السياسة والأهداف.