ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

من المسؤول عن ضياع قطر.. وكيف نستردها؟

في 2017/08/10

خالد بن حمد المالك - الجزيرة السعودية-

لم يخطر في أذهاننا ذات يوم أن دولة قطر سوف تضيع من بين أيدينا، وأن الأعداء سوف يسرقونها سهلة ميسرة، دون عناء كبير، غير أن هذا حدث بأقل جهد، وبثمن قليل، وقد احتواها العدو، وأخذها إلى معسكره، وحوّلها إلى دولة أخرى، أعني بمواصفاته، ووفق متطلباته، وبما يلبي تحقيق أجندته، وبما يعبّر عن تطلعاته بوضعها شريكة معه في الإرهاب، ويدها التي لا تعصي له طلباً وتأتمر بأمره، تنفيذاً لسياساتها الجديدة، التي تعتمد على التطرف والعنف، والتحريض، وتتبنى الإرهاب، بما لم يكن معروفاً عنها قبل أن تحتويها إيران، وتحتضنها القوى المعادية الأخرى، وقبل أن ينجح الابن في الانقلاب على والده والاستيلاء على الحكم، فيأخذ بها إلى هذا الاتجاه الذي تنكر فيه لانتمائه الخليجي والعربي، واعتبار دولة قطر في حل من هذا الانتماء، وأن شراكتها مع البعيد أفضل لها من القريب، ومع الأعجمي خيرٌ لها من العربي.

المسؤول عن هذا السقوط القطري المدوي، يمكن فهمه على أنه في التسامح الخليجي منذ ظهور أول مؤشرات على هذا التغير الخطير في سياسة قطر، فقد سادت العلاقات مع الدوحة المجاملات، والطابع المهادن، وامتدت السياسة الخليجية في التعامل مع نزوات قطر على الحوار الصامت والسري، واعتبر أن هذا هو النهج المناسب لتعديل المواقف القطرية، وجعلها أكثر واقعية، وعلى أمل أن تدرك قطر مع استمرار الحوار والوساطات خطورة توجهاتها، فتتراجع عن هذا التهور في علاقاتها مع دول مجلس التعاون، دون أن تفطن الدول الشقيقة على أنه كان عليها أن تستخدم الحزم معها لتوقف أو تحد من أضرارها، حيث لم يتم ذلك إلا في وقت متأخر جداً، ما جعلنا نعتبرها مسؤولة عن وصول قطر إلى هذه المرحلة المتقدمة في نهجها الإرهابي، وأنها لو تعاملت مع الدوحة منذ البداية كما تفعل الآن لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، ولأدرك شيوخ قطر أن تماديهم في التخطيط للتآمر على الدول الشقيقة سوف يدفعون بسببه ثمناً غالياً، بما يجعلهم لا يواصلون هذا العبث، أو يصرّون على هذه السياسة، أو يواصلون التناغم مع إيران وأعدائها في خلط الأوراق في منطقتنا وبين دولنا الخليجية، إلا أن تأديب قطر، وإن جاء متأخراً، فهو أفضل بكثير من لو استمرت الدول الأربع في سياسة المجاملات والمباحثات السرية والوساطات التي يكون عادة من نتائجها الاتفاق على شيء توقع عليه قطر ثم لا تنفذه.

وإذا كانت الدول الخليجية ومصر قد نظرت إلى الدولة الصغيرة كطفل ربما يفيد فيه الدلال والمجاملات في ردعه عن دعم وتمويل الإرهاب، وتأخر الحسم مع الدوحة لهذا السبب، فإن القرارات الأخيرة كان لها مفعولها في إيقاف تماديها في ضرب الاستقرار في منطقتنا، وهو ما لا يمكن أن تنكره قطر، وإن حاولت أن تبدو وكأنها لم تتأثر من قطع العلاقات وقفل الحدود معها، مع أن من يتحدث عن ذلك وفق التسريبات التي تصل من الدوحة وعلى لسان المواطنين هناك، فهؤلاء يتحدثون عن واقع يختلف عن الروايات القطرية الرسمية، التي تحاول أن تتستر على المعاناة التي تمر بها قطر منذ قطع العلاقات وإقفال الحدود، وذلك حتى لا تتسرب الكثير من المعلومات الحقيقية التي اعتاد نظام تميم أن ينفيها بالأكاذيب، والتي لا يمكن لعاقل أن يتفق مع ما تتناقله وسائل الإعلام القطرية، وتلك المدعومة منها.

لكن كيف لنا أن نسترد قطر من متغصبيها، وأن نحررها من سجَّانيها، وأن نفك أغلال العدو من رقاب المسؤولين فيها، ومن يكون هذا المسؤول أو مجموعة المسؤولين القادرين على استعادة قطر من أعدائها بأقل الخسائر، وجعلها تعود كما كانت دولة حرة، لا سلطة لغريب عليها، ولا سياسة لها تخالف سياسات الدول الخليجية العربية، إلا بقدر ما يضيف ولا ينقص الإيجابيات لها، والمصلحة للمواطنين، والابتعاد عن الأعداء، والاقتراب من الشقيق والصديق والجار، تفعيلاً للثوابت القطرية التي غابت، وتأكيداً للمبادئ التي اختفت، ومن أجل أن تكون هناك مصالحة حقيقية بين قطر وبقية أشقائها، وتصالح بينها وبين المواطن القطري الذي تأذى كثيراً من سياسة نظام الشيخ تميم في إدارة البلاد، وشعر بالضيق من هذه الهجمة الأجنبية على القرار في قطر، واستباحته لها في كل ما أوصلها إلى هذا الدرك الأسفل في علاقاتها وتعاونها مع شقياقاتها.

إن استرداد قطر من مغتصبيها بيد المواطن القطري الذي له الحق أن يدلي بصوته، ويعبّر عن وجهة نظره، ويخاطب من بيدهم السلطة بما يراه لخروج قطر من هذا المستنقع، ومن أبسط حقوقه أن يُصغى لصوته، ويُعطى اعتباراً لرأيه، ويتم التفاهم معه على ما ينقذ البلاد مما يُدبر لها وضدها من مؤامرات، فالوقت يسير بسرعة، وقطر تغرق، وقطر تتلاشى، وقطر توشك أن تضيع بين أيدي محتليها، فأفضل لنظام تميم أن يضع يده بيد المواطنين القطريين، وأفضل له أيضاً أن يتعاون ويتفاهم مع أشقائه المملكة والإمارات والبحرين ومصر، من أن يواصل العناد والمكابرة ورفض كل مقترح أو وجهة نظر تنقذ بلاده من أن تغرق وتفقد مقومات الحياة، وتكون في أرذل عمرها، وأسوأ سنوات الحكم فيها، مع أن الفرص لا تزال مواتية لنرى قطر في حال أفضل، وفي وضع أحسن، وكلما جاءت الحلول في وقت مبكر كانت نتائج الحسم لصالح قطر سريعة جداً.

وإذا كانت الاجتهادات لفرض الحلول المناسبة لأزمة قطر قد تأخرت، وأن التفكير لاستردادها من مغتصبيها ربما لم يبدأ بعد، فمن الأفضل الآن ألا يتأخر تحرير قطر، كما تأخر وضع الأفكار المناسبة لعدم انغماس قطر في هذه السياسة المتهورة، ولا يجب أن يفهم من كلامي أنني أدعو إلى انقلاب أو التخطيط لمؤامرة الهدف منها تغيير نظام الحكم في البلاد، ولكن ما أعنيه أن تغلظ العقوبات ضد قطر، وأن يرتفع صوت الموطن القطري في رفض هذه السياسة القطرية العمياء، وأن يواجه النظام بشجاعة من المواطن، بما يجعل المسؤولين يفهمون أن الجميع شركاء في حماية البلاد من إيران وحزب الله والإخوان المسلمين وحماس وطالبان والحوثيين، وغيرهم ممن وجدوا في قطر ملاذا آمناً لهم لتفجير حقدهم ضد قطر وأشقائها في دول الخليج ومصر، واعتبار مثل هذه المواقف وفاء من المواطن لوطنه، وتحميلاً لمسؤوليته في الدفاع عن أرضه ومصالحه وتاريخه.

وأظن أن دولة قطر عند ذلك سوف تكون قد وصلت إلى مرحلة تتفهم فيها السلطة مدى حدود مسؤولياتها وصلاحياتها، وتدرك عندئذٍ أن كل مواطن شريك في هذه الحقبة التاريخية في مواجهة التحديات الخطرة التي تواجهها البلاد، وأن ما يعزّز إخلاصه في الدفاع عن وطنه أن يظهر بمثل هذه الشجاعة، ويقود الرأي لبناء جبهة داخلية تتعاون لمقاومة مخططات الأعداء، وصولاً إلى عودة قطر إلى وضعها المستقر كإحدى دول مجلس التعاون، بعيداً عن ركوب موجة الإرهاب والتطرف والعنف والتحريض، وكلها ممارسات لا فائدة لقطر منها ولا مصلحة، والمستفيد منها هؤلاء الذين يظهرون التعاطف مع موقف نظام تميم واستعدادهم لدعمه والوقوف إلى جانبه ضد الدول الشقيقة، بما ليس له من تفسير، إلا أن هؤلاء يريدون أن تتحول دولنا إلى حالات من الفوضى وعدم الاستقرار.

وفي ظل هذا، وأمام ضياع دولة قطر، وارتهان القرار فيها إلى عدوها وعدونا، لابد من القول إن قدر قطر أن تعود، وأنه من غير المعقول أن تستمر وكأنها مستعمرة لأكثر من دولة وأكثر من تنظيم، وكل من يحب قطر وقد آلمه أن تصل إلى هذا المستوى، لابد وأنه مع شعوره بالقلق والخوف، يرى بأنه شريك في المسؤولية فيما آل إليه الوضع هناك، وبالتالي، فلن يعفيه ضميره، ولن يعذره التاريخ في تجاهل دوره في استرداد دولة قطر من مغتصبيها، وتحريرها من هذا التسلط البغيض الذي تسلل لها بخداع ومكر، وبإغراءات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب لمواطني قطر، مما يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، دون أن يُعفى أحد من المسؤولية في ذلك.