توم ويلسون - نيويورك تايمز- ترجمة أسامة محمد -
ما زال الخلاف بين قطر والسعودية التي تتهم الأولى بدعم التطرف الإسلامي والإرهاب، محيرا، والمحير ليس لأن قطر بريئة تماما - فقد قامت برعاية واستضافة عدد كبير جدا من الجهاديين ولا أحد يدعي خلاف ذلك - ولكن لأن السعوديين الذين يعترضون على تمويل التطرف لم يقوموا بفعل الكثير ضد التطرف الذي لديهم.
ولكي نكون واضحين، لم تكن السعودية تمول بشكل مباشر المنظمات الإرهابية، ومع ذلك، فإن ما حدث منذ سنوات عديدة هو أن مجموعة من المعتقدات قد انطلقت من السعودية تمثل السلفية الوهابية، هذه المعتقدات تخلق نظرة عالمية غير ليبرالية، غير متسامحة ومعادية للغرب وتروج لفكر يجعل الأتباع أكثر عرضة لخطاب الجماعات الإسلامية العنيفة، لذلك، حتى عندما سعت عدة حكومات أوروبية رائدة إلى تعزيز التسامح والمساواة بين الجنسين، كان هناك تدفق للتمويل بلا هوادة من البلدان الوهابية من أجل تعزيز التعصب والتحريض على الكراهية.
ومن خلال تقديم منح دراسية ومكافآت سخية، سافر جيل من الشخصيات الدينية الإسلامية من الدول الغربية إلى السعودية ليتم تدريبهم على أيديولوجية الوهابية في مؤسسات مثل الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، من بين خريجيها «أبو أسامة الذهبي»، الذي بشر في المساجد البريطانية، وبخطاب مثل تعزيز الحرب المقدسة وقتل الرجال مثليي الجنس والمرتدين، وبالمثل، دعا الشيخ «عبد الله الفيصل»، الذي تعلم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، إلى إبادة غير المؤمنين.
كما زار رجال الدين السعوديون الغرب لتقديم نفس الرسالة، ومنهم رجل الدين «محمد العريفي» الذي قال إن «المسلمين ليس لهم حياة من دون الجهاد»، وهو مرتبط بعدد من مجندي الدولة الإسلامية من بريطانيا.
وكان توزيع النصوص والفكر المتطرف طريقة أخرى لنشر المواقف الوهابية في المجتمعات الإسلامية في بريطانيا وأوروبا، وقد نشرت العديد من أسوأ الكتب المتوفرة في المساجد البريطانية من قبل الوكالات التي تتبع للسعودية. ومما يبعث على الانزعاج بشكل خاص تقرير عام 2010 من قبل هيئة الإذاعة البريطانية أن حوالي 5000 طفل في بريطانيا كانوا يدرسون من المناهج الدراسية الرسمية في السعودية، وهذه الكتب متطرفة لدرجة أنها اعتمدت في عام 2014 ككتب مدرسية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي مواجهة هذا الدعم المالي السعودي الواسع والممارسات المحافظة للغاية، غالبا ما تغرق أصوات المسلمين التقدمية والمعتدلة في البلدان الغربية في مجتمعاتهم وأماكن عبادتهم، لا يمكن للدوائر التقدمية الوليدة التي تحاول تطوير نهج أكثر تحررا في الكتب الإسلامية أن تأمل أن تحصل على الدعم الذي تتلقاه الرؤية الوهابية السلفية للدين.
ويصر السعوديون على عدم دعمهم للتطرف، ولكن هذه الاحتجاجات يصعب أخذها على محمل الجد نظرا لأسماء بعض المؤسسات المعنية، وأحيانا هناك تمييز بين ما تفعله المؤسسات السعودية الخاصة وما تفعله الحكومة، لكن الفكرة هي أنه يصعب تصديق أن المؤسسات الكبرى التي تتخذ من دول الخليج مقرا لها يمكن أن تعمل لعقود دون أن يكون هناك مباركة من حكامها الاستبداديين.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلص تقرير تم تسريبه من وكالات الاستخبارات الألمانية إلى أن المؤسسات الخيرية المرتبطة بحكومات السعودية وقطر والكويت كانت تمول الجماعات السلفية المتطرفة والأنشطة في ألمانيا منذ سنوات. وتفيد التقارير أن التحقيق كشف عن «استراتيجية طويلة الأمد لممارسة النفوذ»، وأن الجمعية العالمية للشباب الإسلامي، التي لها صلات بالأسرة المالكة السعودية، هي واحدة من أبرز المؤسسات المتهمة بتمويل التطرف، ولكن التحقيق الألماني أورد أيضا أسماء رابطة العالم الإسلامي في السعودية، وجمعية إحياء التراث الإسلامي الكويتية.
هذا الجهد لتغيير طابع ومزاج العقيدة الإسلامية في الغرب له آثار عميقة على اندماج المجتمعات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية، في السنوات الأخيرة، كانت هناك دلائل على أن المجتمعات المسلمة ذات الأصول الآسيوية بدأت في تبني الممارسات الأكثر صرامة في الإسلام العربي، وبحسب المعلومات الدبلوماسية المزعومة التي أفرج عنها ويكيليكس في عام 2011، أشار مسؤولون أمريكيون زاروا بريطانيا في عام 2007 إلى أن مجتمع الغوجارات الهنود في ليستر، واقع تحت تأثير الوهابية، وأصبح «أكثر محافظة» من أي مكان في أوروبا.
إن مسألة التكامل والتماسك المجتمعي تعلقان في أذهان القادة الأوروبيين، وردد العديد من القادة الأوروبيين إعلان المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل»، في خطابها عام 2010، بأن التعددية الثقافية في ألمانيا قد فشلت.
وفي ديسمبر/كانون الأول، نشرت الحكومة البريطانية استعراضا رئيسيا أثار إنذارا بشأن الكيفية التي يؤدي بها الفشل المتزايد في الاندماج فيما بين بعض الأقليات إلى تفاقم عدم المساواة، ولاسيما الإضرار بالمرأة.
وكلما ازدادت هذه النسخة السعودية من الإسلام في أوروبا، ازدادت العزلة والإقصاء، ولعل البلد الأوروبي الذي أخذ هذه المسألة على محمل الجد هو النمسا، وفي عام 2015، سنت فيينا تشريعات منعت التمويل الأجنبي للمساجد والأئمة، وكان وزير الخارجية النمساوي، «سيباستيان كورز»، صريحا حول هذا الهدف: «أرادت الحكومة وقف بعض الدول الإسلامية من ممارسة النفوذ المالي داخل مجتمعاتنا».
إن تمويل التطرف في الغرب ليس بأي حال من الأحوال ظاهرة سعودية، وقد لعبت قطر وإيران في أجزاء حاسمة أيضا، ولكن لا ينبغي أن يشتت الانتباه عن نشر السعوديين لمعتقدات الكراهية، وبالنظر إلى التهديد المتواصل، يجب على الحكومات الغربية أن تسأل حلفاءها السعوديين أسئلة صعبة حول دعمهم لهذه الأيديولوجية السامة.