خالد بن حمد المالك - الجزيرة السعودية-
حاول النظام القطري أن يستخدم الحجاج القطريين كدروع بشرية لتأكيد مظلوميته والحصار المزعوم على دولة قطر، ضمن بكائياته الساذجة للهروب من المسؤولية في تبني الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون الدول الشقيقة، فلم ينجح في شيء إلا في منع الحجاج القطريين من أداء مناسكهم، بسبب ما أسماه أحياناً بالحصار، وأحياناً أخرى من ادعاء خوفه من أن يتعرضوا للإهانات وإلصاق تهم الإرهاب بهم، وكلها لم يصدقها الشارع القطري، ويعرف أنها كانت حجة البليد الذي مهمته مسح السبورة لزملائه المتفوقين، وإذا كانت هناك علاقة في منع الحجاج القطريين من أداء مناسك الحج فهي بسبب إجراءات حصار الإرهاب لا حصار قطر، بدليل فتح ممرات إضافية في وقت مبكر تمكن الحجاج القطريين من الوصول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة بأسهل وأيسر الطرق.
كانت لعبة نظام قطر في استخدام الحجاج لإثارة المواطنين القطريين ضد المملكة قد ووجهت بسخرية من حجاج قطر، واعتبروها أشبه ما تكون باستخدام العدو الضعيف في الحروب للمدنيين كدروع بشرية للاحتماء بهم، وفي الحالة القطرية، لا أدري من أشار على النظام القطري ليستخدم الحجاج وكأنه بسياسته يؤكد دعمه للإرهاب، وهو موضوع الخلاف مع الدوحة، ولأن إيران صاحبة تجارب في إخراج وتبني مثل هذه الأفكار، فهذا يوحي لنا بأنها هي تحديداً من قامت بإملائه على الدوحة، التي رحبت وهللت به، واعتقدت بأن هذا المقترح سوف يحرج المملكة، فتشتغل به عن متابعة المستجدات التي يتوالى اكتشافها عن الإرهاب القطري، غير أن ما أوحت به طهران للدوحة -ربما- لم يحقق ما كان يتمناه نظام تميم.
غير أن قبول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بصدر رحب بوساطة الشيخ عبدالله آل ثاني، وموافقته على إعطاء تسهيلات وخدمات جديدة للحجاج القطريين لم تعط من قبل لأي دولة أخرى، أقفل النوافذ والأبواب معاً أمام أي حجج جديدة يمكن للنظام القطري أن يلجأ إليها لمنع الحجاج من الوصول إلى الأماكن المقدسة، إلا أن يكون هذا النظام قد كُبل باستشارات لا يملك حق الخروج عليها، أو رفض تنفيذها، أو التفكير بما يخالفها، وكل هذا غير مستبعد، إذ يمكن أن يتم استمرار المنع، بإطلاق حجج تعجيزية، الغرض منها إرضاء أعداء هذه الأمة، حتى لا يتخلوا عن نظام قطر، الذي فقد قوته بانسلاخه من مجموعة الدول الخليجية.
فمثلما عودنا سلمان بن عبدالعزيز على المواقف الإنسانية، فهو في موقفه مع حجاج قطر أكد من جديد أن الخلاف هو مع النظام، مع السياسات القطرية، ومع عدم القبول بالإرهاب، وليس مع الشعب القطري الشقيق، ولا مع أن تكون قطر دولة مستقلة ومستقرة ذات سيادة؛ فقطر - كما يراها الملك - هي في القلب، وفي أحداق العيون، وهي كما المملكة عينان في رأس سلمان، وما يمس قطر من ضرر، إنما يمتد إلى المملكة، وإلى باقي دول المجلس، وبالتالي يعرّض سلامة المواطنين للخطر، وحين تقوم قطر بأعمال وممارسات تنطوي على تهديد أمن دولنا، فهذا شأن النظام، ويجب أن يتم التعامل معه بما يحفظ لنا الأمن والاستقرار، وهذا ما حدث، ولا علاقة له بالحجاج القطريين، ومنعهم من قبل النظام من الوصول إلى مكة المكرمة.
ومع قبول الملك للوساطة، فقد زاد عليها، دون أن يمّن بذلك على أهلنا في قطر، بأن جعلهم جميعاً في ضيافته وعلى نفقته الشخصية، وذلك بناء على ما رفعه نائب الملك الأمير محمد بن سلمان إثر وساطة مقدرة للشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله بن جاسم آل ثاني، بل إن الملك وجه بتسيير طائرات سعودية خاصة لنقل الحجاج القطريين مباشرة من الدوحة إلى جدة، وهنا يؤكد الملك على عمق العلاقات التاريخية بين الشعبين السعودي والقطري والقيادة السعودية والأسرة المالكة في قطر، كما صرح بذلك الأمير محمد بن سلمان إثر تلقيه التوجيه الملكي الكريم، ما نتمنى معه أن يفهم نظام تميم أن خياره في تمكنه من الحصول على القوة التي يبحث عنها هي في تناغمه في السياسات مع دول مجلس التعاون، وتحديداً مع المملكة.
هناك تفاصيل أخرى في موقف الملك سلمان من الأزمة المفتعلة للحجاج القطريين، فقد نص التوجيه الملكي أيضاً على أن يتم السماح للحجاج القطريين كافة بدخول المملكة عبر منفذ سلوى الحدودي دون تصاريح الكترونية، ونقلهم كافة من مطاري الدمام والأحساء إلى جدة على نفقة خادم الحرمين الشريفين، ليضيف بذلك إلى ما أمر به الملك من إرسال طائرات خاصة تابعة للخطوط السعودية إلى مطار الدوحة لإركاب الحجاج قطريي الجنسية كافة، واستضافتهم ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة، وكل هذا يتم لأن العلاقات السعودية- القطرية هي علاقات أخوة راسخة في جذور التاريخ، كما قال بذلك الوسيط الشيخ عبدالله آل ثاني، مضيفاً به إلى ما قاله نائب الملك محمد بن سلمان من عمق العلاقات بين الدولتين.
وأمام هذا الموقف الحكيم والإنساني والعاطفي لخادم الحرمين الشريفين وسمو نائبه الأمير محمد بن سلمان، لابد لنظام تميم أن يراجع سياساته، ويتعمق في تداعياتها على أمن المنطقة واستقرارها، وأن يأخذ من حكمة الملك سلمان ما يجعله في وضع يمكنه من أخذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة، بعيداً عن التهور، وعدم الاهتمام بمصالح الأشقاء والجيران، وسوء الفهم من أن مثل هذه الخلافات إنما ترسخ مكانة قطر، وتزيد من قوة الدولة، وهو فهم خاطئ، وتصرف غير مقبول، ونتائجه تضر بقطر، ويضعها في موقف صعب، وقد بدت ملامح ذلك تظهر منذ قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية معها، ومن ثم قفل الحدود البرية والجوية والبحرية بينها وبين الدول الأربع.
تسلم سلمان بن عبدالعزيز، فقد جاء توجيهكم الكريم بمثابة البلسم على الجرح القطري، مؤكداً من جديد على إنسانيتكم وعاطفتكم ومحبتكم لأهلنا في قطر، وسيكون موقفكم هذا صفحة مضيئة في تاريخ العلاقات السعودية القطرية، ونبراساً للعلاقات بين الدول العربية التي يجب أن تعود إلى هذا الموقف النبيل، تسترشد به، كلما هزتها خلافات مفتعلة أو مسببة، لتطويقها بما لا ضرر ولا أضرار.
وبهذا القرار يفتح الملك سلمان صفحة جديدة، يكتب فيها إشارات جديدة لما ينبغي أن تكون عليه السياسة القطرية في المستقبل، فالأوهام والشكوك والمؤامرات لا تدار بها الدول، ولعل النظام القطري يستلهم من حكمة الملك، وبعد نظره، وهذا الموقف النبيل غير المستغرب منه، بأن يتراجع نظام تميم عن دعم الإرهاب، والتخلي عن سياسة التحريض، والتطرف، والتدخل في شؤون الدول الشقيقة، فهذا وحده من يبقي قطر أقوى مما لو استمرأت الاستمرار في السياسة المضادة للثوابت التي كانت عليها قطر قبل أن تجرها إيران إلى معسكر الدول الخارجة والمتمردة على قوانين العلاقات الدولية.
أرجو من النظام القطري ألا يفتعل أسباباً أخرى جديدة يتكئ عليها لمنع الحجاج القطريين من أخذ فرصتهم في الحج هذا العام بعد كل التسهيلات التي قدمها خادم الحرمين الشريفين بناء على ما رفعه لمقامه الكريم نائب الملك الأمير محمد بن سلمان إثر وساطة الشيخ عبدالله آل ثاني، فهذه فرصة نذكر بها نظام تميم بأن يعيد حساباته في كل الموضوعات مثار احتجاج الدول الأربع على الدوحة، وأن يستفيد من الموقف السعودي بشأن حجاج قطر بإظهار التجاوب المرن مع مطالب الدول الشقيقة، والوصول معها إلى حلول تقفل باب الفتنة، وتزيل مخاوف الدول الأربع، وتعيد قطر إلى المكان والمكانة اللذين تستحقهما.
فهذا زمن التصالح مع النفس أولاً، ثم مع الآخرين ثانياً، والمطلوب من قطر أن تتصالح مع نفسها، وأن يمتد ذلك إلى التصالح مع أشقائها وجيرانها المتضررين من سياساتها، وليس أسهل من أن يتراجع المخطئ عن سياساته، وأن يتناغم من جديد مع سياسات الأشقاء التي تؤمّن وتحافظ على المصالح المشتركة، وهذا يعني فيما يعنيه، أن تودع قطر وإلى غير رجعة كل الممارسات العدوانية، وتقطع الصلة بكل الدول والتنظيمات والكيانات والأفراد الذين ورطوها بأعمال وممارسات لا مصلحة لها فيها.