خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-
لو كان هناك من شيوخ قطر من هو في مكان الشيخ تميم بن حمد أميراً لدولة قطر، في ظل هذا التوقيت الذي يُحاصر فيه النظام بالإدانات بسبب ما يقوم به من ممارسات إرهابية، رغم نفيه المتكرر بأن تكون دولة قطر أو أي من قياداتها قد فعل ذلك سواء ضد المملكة أو الإمارات أو البحرين أو مصر، لو كان أمير قطر غير تميم لربما فعل ما لم يفعله تميم، بأن يطلب من محكمة الجنايات الدولية أن تحاكم كل من ورد اسمه متهماً من المسؤولين القطريين بالإرهاب على الجرائم المنسوبة لهم، فإن ثبت صحة ما أعلن عنه من وثائق ومستندات تجرّم أفعال هؤلاء ويحكم عليهم بما يستحقونه، وإن لم يثبت ذلك، فعلى المحكمة أن تعلن براءة الحمدين وأي مسؤولين آخرين قيل إن لهم ضلعاً بالمؤامرات التي استمع العالم إلى شيء كثير موثّق منها بصوت الشيخين حمد بن خليفة وحمد بن جاسم وآخرين معهم.
هذا التصور لا يعفي نظام تميم عن مسؤوليته كشريك في هذه الجرائم، باعتبار أن ما يحدث الآن إنما هو امتداد لما حدث في العهد الماضي، بحيث لا يمكن أن نجد مسوغاً للفصل بين الماضي والحاضر، أو القول بأن الشيخ تميم لا علاقة له بكل الاتهامات التي توجه للدوحة بوصفها راعية للإرهاب، إلا لو أن تميم سارع منذ وقَّع على اتفاقي عام 2013م وعام 2014م بالالتزام بما تم توقيعه عليه، ولم يواصل نفس سياسة والده في تبني الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون الدول الشقيقة، لأن استمرارية (قطر تميم) على خطى (قطر حمد) لا تترك فرصة للشيخ تميم للتنصل من المسؤولية، حتى ولو ألقى تبعاتها على والده الحاكم السابق الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم، لأن مجريات وتطورات الأدوار المشبوهة في سياسة قطر في العهدين، لا نكاد نجد بينهما تلك المسافة المتباعدة التي تعفي رموز هذا النظام أو ذاك من المسؤولية الجنائية.
لكننا لن نستبق الأحداث، ونضع نظام قطر في عهديه مداناً اعتماداً على الملفات المهمة التي تملكها كل من المملكة والإمارات والبحرين ومصر بكل ما ورد فيها من الجرائم المتعدِّدة والمتنوِّعة عن الإرهاب المنظَّم الذي ظلت الدوحة تمارسه بخبث ولؤم وخيانة ضد هذه الدول الشقيقة، دون أن تحركها مشاعر الأخوة، فتوقف عبثها، وتآمرها، ومواقفها العدوانية إلى اليوم، وكأن النظام القطري في حالة تنويم مغناطيسي، وأن ما يجري خارج إرادته، أو أنه يتم بدون علمه، حيث يكابر وينفي أن يكون هناك أي صلة له بذلك، متجاهلاً الأصوات والصور والتواقيع التي تدينه، ولا تترك له فرصة للمناورة.
مرة أخرى لو كان من آل إليه حكم قطر بالتنازل أو الوراثة أو الانقلاب - كما هي الظاهرة القطرية - غير الشيخ تميم، تُرى هل سيقبل بأن يواجه هذه العاصفة القوية من الاتهامات الموثّقة بالنكران والنفي كما يفعل تميم الآن ووالده من قبل، وتبرئة الدولة وكل المسؤولين فيها من جرائم تأكد للعالم صحتها، أم أنه سيأخذ خطاً سياسياً معاكساً للسياسة القطرية في عهدي حمد وتميم، وبالتالي يبرز كبطل تاريخي لا يتردد المؤرّخون في الاستشهاد به، واستخلاص تجربته وموقفه وسياسته في التأثير على القيادات الأخرى لتحاكيها في مراحل قادمة، وتجارب مماثلة، لا أدري ولكني لا أعتقد أن من يتحمّل مسؤولية زعامة دولة حتى ولو كانت في حجم قطر، ولديه حس وطني وقومي وإنساني، يمكن أن يكون موقفه كما هو موقف تميم من التطورات في الأزمة القطرية، وأكثر من ذلك، فإن امتصاص غضب الشقيق والجار، كان يمكن لنظام تميم أن ينجح فيه لو أدار معركته بغير هذا الارتباك والغوغائية والهروب من ميدان المعركة بالنفي والإنكار.
نحن لا نتحدث عن تغيير في النظام القطري، ولا نشغل أنفسنا بهذا الجو المليء بالتكهنات والتوقعات، فالمواطنون القطريون هم المعنيون بالبحث عن دروب وخطط تحمي دولتهم من الانهيار لا غيرهم، غير أننا حين افترضنا بأن يكون غير تميم على كرسي إمارة الشقيقة الصغرى، فكان ذلك للتأكيد والتذكير بإمكانية أن تكون هناك خيارات قطرية أخرى في المواقف والسياسات والأجندة (ربما!) لو كان من يتولى إدارة شؤون البلاد غير تميم، أقصد أي شيخ آخر من شيوخ قطر، وهو طرح افتراضي يخضع للحوار والبحث والنقاش وطرح التوقعات، وأظن أن تميم لو سبق هذا التصور الافتراضي، بأخذ المبادرة، وقدّم نظامه إلى محكمة الجنايات بشجاعة، لكان في هذه الخطوة قد أخذ مكانه الطبيعي في معالجة أزمة قطر مع أشقائها وجيرانها، غير أنه عاند وكابر ومارس النفي والإنكار، ولم يكتفِ بما تقوم به القنوات السياسية والإعلامية التابعة للنظام في تبني هذا الموقف الصادم، وإنما سارع شخصياً في توجيه خطاب ملأه بكثير من المغالطات والاتهامات، بل ورفض قبول الطلبات التي قدّمتها الدول الأربع لإعادة العلاقات مع قطر، وفتح الحدود معها متى التزم بذلك.
أي أننا أمام حالة (تميمية!) لا تختلف كثيراً أو قليلاً عن الصورة الانطباعية عن فترة الحمدين في حكم البلاد، إذ لا نرى شيئاً قد تغيّر، ولا سياسات قد تبدلت، بما لا يمكن لنا أن نجد فارقاً بين عهدي الوالد والابن، إلا في التنازل عن الحكم الذي يلفه الغموض، ولم نعرف أسبابه الحقيقية إلى اليوم، فيما ظل الشيخ حمد بن خليفة يأمر وينهى، وكأنه ما زال على سدة الحكم، كما أن الشيخ حمد بن جاسم أصبح وجهاً مألوفاً في القنوات الفضائية منذ قطع العلاقات مع قطر، وكأنه ما زال رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية، مما يضعنا أمام حالة عصيان، أو حزب معارض، وليس أمام نظام يفترض فيه أنه يتماشى في سياساته بحسب ما يحقق مصالح لقطر وللدول الشقيقة التي نالها ما نالها من إرهاب الدوحة.
قطر تحتاج إلى من يقودها بحكمة وبتعامل صادق، والتزام بما تتطلبه العلاقات الدولية من شروط، سواء أكان هذا القائد تميم أو غيره، ومن المهم ألا تترك الدولة القطرية تُدار بعقلية القبيلة أو الأسرة أو الفرد، إلا إذا كان من يقودها مهيأ ليضع نفسه في خدمة الشعب، مؤتمناً على مصالح البلاد، فلا يتصرف بما يخل بذلك، ولا يعمل بما يقوّض ما بناه الأجداد بسواعدهم وأفكارهم وإخلاصهم، وهذه مسؤولية تميم في المرحلة القطرية الحالية المضطربة، مسؤوليته أن يتجاوز التحديات، وأن يفلت من القناص الإيراني، ويرسخ تعاونه مع أشقائه، فلا بدائل عنها، إن هو ينشد الاستقرار لقطر، ويسعى لحمايتها من الطامعين، وأن لا تكون البلاد رهينة ومكبلة بأيدي أعدائها.
ما نراه الآن - وهذا شيء مؤسف - أن أبواب قطر أصبحت مفتوحة لمن هبَّ ودبَّ، من دول وكيانات ومنظمات وأفراد، وهناك سباق محموم بين هؤلاء، كل يريد أن يسبق الآخر، ويأخذ غنيمته من هذه الدويلة الصغيرة التي أفاء الله عليها بالغنى، ورزقها من حيث لم تسعَ بالغاز والنفط، وأصبح القطري فيها لا يشكِّل إلا رقماً صغيراً في التركيبة السكانية، وحتى هذا الرقم الصغير ليس له من رأي يعتبر، أو وجهة نظر تقدَّر، أو مسؤولية تُناط به، فكل شيء في قطر هو للأجنبي، للقواعد العسكرية، لإيران، للإخوان المسلمين، لحزب الله، للحوثيين، لحماس، للقرضاوي، وعزمي بشارة، لكل الأبواق الإعلامية التي شكَّلت حزاماً يمنع قطر من أن تتناغم في سياساتها مع أشقائها، فيما أن الإعلام البغيض المحسوب على قطر هو المتآمر بتشجيع الأعداء لعبور الأنفاق والجسور إلى حيث صناعة الإرهاب في قطر.
هل بعد هذا الاستطراد، يمكن لنا القول بإن في قطر من يمكن أن يغيِّر بوصلة اتجاه السياسة القطرية لو كان من يحكم الدولة غير تميم، فيعترف بالأخطاء، ويعتذر عن بعض السياسات، ويؤكِّد ندمه على ما تعرضت له الدول الشقيقة من إيذاء، ثم يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيقدِّم النظام القطري في عهديه إلى محكمة الجنايات الدولية، وكل المحاكم ذات الصلة، لتقول كلمة الفصل، بما يجعل من مستقبل علاقات قطر بأشقائها تسير حينئذٍ دون هذه التراكمات من المؤامرات والإرهاب والتحريض والتطرف والتدخل في الشؤون الداخلية للغير، وأن صفحة جديدة مليئة بالتفاؤل والأمل بين قطر والدول الأربع قد تم فتحها بعد سنوات من العلاقات المتوترة مع دولة قطر.