ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

سوريا - قراءات في أسباب وتداعيات "التغير" في الموقف السعودي

في 2017/08/26

DW- بالعربية-

انشغل المتابعون للشأن السوري بتصريحات نُسبت لوزير الخارجية السعودية، فحواها الطلب من المعارضة "بلورة رؤية جديدة حيال مستقبل بشار الأسد". ما أسباب بداية "التغير" في موقف الرياض؟ وما انعكاسات ذلك على المعارضة؟

أوردت وكالة "أسوشيتد برس" أمس الخميس (24 آب/أغسطس 2017) أن وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، دعا "الهيئة العليا للمفاوضات" لوضع "رؤية جديدة" حول تسوية الأزمة في سوريا ومستقبل بشار الأسد. واستندت "أسوشيتد برس" في خبرها، حسب ما قالت، إلى مصدر سعودي "مطلع طلب عدم الكشف عن هويته". وأضاف المصدر: "لم يصرح الجبير بوضوح أن بشار الأسد من الممكن أن يبقى في السلطة، لكن، إذا قرأنا بين السطور ما يقال حول ضرورة وضع رؤية جديدة، فما هي القضية التي تمثل الموضوع الأساسي للجدل؟ هل يبقى بشار الأسد أم لا".

لا دخان بلا نار؟

أكد سليمان النمر، رئيس الملتقى الخليجي للدراسات والتحليل السياسي، في حديث خاص لـDW عربية ما يتم تناقله عن وجود "تحول سعودي" تجاه الأزمة السورية، مؤكداً "اطلاعه" على هذا الأمر منذ عدة أسابيع. وعن مصادره أبلغنا النمر أنها "من أشخاص حضروا لقاء الجبير والهيئة العليا للمفاوضات"، ويتابع "بعد ذلك اللقاء بأسبوع أبلغ وكيل وزارة الخارجية السعودية للشؤون السياسية وفداً من الائتلاف السوري المعارض نفس الكلام". إلا أن النمر عاد واستدرك أن الجبير أبلغ الهيئة أنه يجب عليهم الإصرار أن يكون بقاء الأسد "لفترة زمنية محددة" فقط.

وبالمثل يقرأ رئيس تحرير النشرة العربية لصحيفة لوموند ديبلوماتيك قبل توقف صدورها، سمير العيطة، في تصريح خاص لـDW عربية "بداية تحول" ويرى أن السعودية تسير على نهج فرنسا في "التغيير التدريجي" لموقفها في الأزمة السورية. ويشار إلى أن تغيراً طرأ على الموقف الفرنسي، حيث تخلت باريس عن مطالبتها بتنحي بشار الأسد كشرط مسبق للمحادثات رغم أن المسؤولين الفرنسيين ما زالوا مصرين على أنه لا يمكن أن يكون جزءا من مستقبل سوريا في الأجل الطويل.

"انشغال بملفات أخرى"

من بين أسباب بداية التحول في الموقف السعودي يورد سليمان النمر: "أولاً، تسعى السعودية الآن للتركيز أكثر على الملف اليمني وإنهاء الحرب وصولاً لإيجاد نظام هناك حليف لها أو مهادن على الأقل

ثانياً، تعمل السعودية في الوقت الحالي على الاهتمام أكثر بالأوضاع المحيطة بحدودها. ومن هنا جاء تحسن العلاقة مع العراق لتأمين حدودها من الميلشيات المحسوبة على إيران. ثالثاً، تعمل على تأمين الأوضاع الداخلية في مجلس التعاون وعدم السماح لإيران بالتدخل من خلال فرض الوصاية على الشيعة في المنطقة".

ويذهب الباحث في "معهد الشرق الأوسط" بجامعة سنغافورة، فنار حداد، في تصريح لوكالة فرانس برس نفس المذهب: "استضافة الصدر في الرياض وأبو ظبي تظهر للمنافسين الإقليميين، وخصوصاً إيران، أن السعودية والإمارات قادرتان على الاستفادة من الشيعية السياسية في العراق والتأثير فيها". يوافق الباحث في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، مايكل نايتس، على هذه الفرضية بالقول إن السعودية والإمارات "ترغبان بتطوير تحالفاتهما داخل العراق من أجل صد النفوذ الإيراني". وعلى الأرض تُرجم التقارب بزيارات لمسؤولين رفعي المستوى والإعلان عن قرب فتح معبر عرعر الحدودي بين البلدين والإعلان عن تشكيل لجنة تجارية مشتركة بين البلدين.

"التغيرات على الأرض"

من جانبه يرى سمير العيطة، الاقتصادي والكاتب الصحفي، أن الأسباب الرئيسية هي "التغيرات على الأرض، وأبرزها التقدم الروسي المدعوم أمريكياً والتفاهم بين تلك القوتين والذي تُرجم في "اتفاق الجنوب"، الذي "أبعد الأتراك والإيرانيين والإسرائيليين عن دائرة التأثير في الجنوب السوري". وقد تم التوصل للاتفاق في 9 تموز/يوليو الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا على هدنة في ثلاث محافظات هي درعا والسويداء والقنيطرة. وقبل أمس الأربعاء (23 أغسطس/آب 2017) أعلنت وزارة الخارجية الأردنية أن مركز عمان لمراقبة وقف اطلاق النار في جنوب سوريا باشر عمله بمشاركة ممثلين عن الأردن وروسيا وأمريكا.

 ويورد العيطة سبباً آخر وهو "محاولة السعودية البحث عن علاقات جيدة مع الصين وروسيا وغيرها من الدول، بعد اهتزاز العلاقات مع قطر وتركيا".

فشل اجتماع "توحيد" المعارضة

انتهى الثلاثاء الماضي (22 آب/ أغسطس 2017) اجتماع في الرياض بين "الهيئة العليا للمفاوضات" و"منصة القاهرة" و"منصة موسكو" دون التوصل إلى اتفاق لوضع استراتيجية مشتركة تفاوضية وتشكيل وفد موحد "لجميع أطياف المعارضة السورية" إلى مفاوضات جنيف مع النظام في شهر سبتمبر/أيلول القادم. غير أن أهم نقطة حالت دون الخروج بنتائج هي "مستقبل الأسد". وأعلنت الهيئة في بيان صدر عنها عقب المفاوضات أن الأطراف المشاركة فيها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بسبب إصرار "منصة موسكو" على عدم طرح موضوع تنحية الأسد كشرط مسبق في اجتماعات جنيف. وأكدت "الهيئة العليا للمفاوضات" وجود "قدر مهم من التفاهم مع منصة القاهرة".

ومن جانبها أعلنت الأمم المتحدة أنها "لا تزال تقيّم نتائج محادثات الرياض بين الحكومة السعودية وثلاث من جماعات المعارضة السورية وعلى هذا الأساس ستتخذ قرار عقد محادثات جنيف في سبتمبر/أيلول".

من سيدفع الثمن؟

يبقى السؤال أي من أطراف معادلة المعارضة السورية سيدفع ثمن إعادة التموضع السعودي الجديد. يشدد سليمان النمر على أن "المملكة تحاول تخفيف التزاماتها تجاه المعارضة السورية المسلحة تاركة الشق العسكري للولايات المتحدة". ويدلل النمر على كلامة بزيادة التدخل العسكري الأميركي في الشمال والجنوب السوريين. غير أنه يعود ويؤكد أن "السعودية ما زالت تتبنى المعارضة السياسية" وأن "التأييد السياسي" سيزيد.

أما سمير العيطة فيعتقد أن السعودية "لن ترفع يدها عن المعارضة" (الهيئة العليا للمفاوضات)، غير أنها "ستعيد هيكليتها". ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: بأي اتجاه؟ عن ذلك يجيب العيطة: "يشكل الائتلاف الجسم الأكبر في الهيئة العليا للتفاوض. وهو مدعوم قطرياً. وفي ظل الأزمة الخليجية سيتم تحيده أو يأخذ دوراً أقل بكثير من دوره الحالي".