عبد التواب بركات - العربي الجديد-
ظل كثير من قادة دول العالم، ولا سيما الكبرى منها، مشغولين أكثر بالقضايا السياسية، تاركين أمن الغذاء وتوفير موارده للمستثمرين ورجال التجارة، لكن يبدو أن الأمر قد يختلف خلال الفترة المقبلة، فتدبير موارد الطعام، خصوصا للدول التي تعرف أعدادا هائلة من السكان سيشغل حيزا أكبر من عمل قادة هذه الدول.
والسيناريو الحالي في دول مجلس التعاون الخليجي دليل على ذلك، ففي الخامس من يونيو/حزيران الماضي فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا على قطر، عبر قطع الطرق البرية والبحرية والجوية معها.
ولم تكن هذه الخطوة مثار بحث سياسي فقط، ذلك أن قطر ظلت لسنوات طويلة ركنا أساسيا في مجلس التعاون، والذي تأسس بهدف التكامل الخليجي، وإنما كان لها صدى واسع اقتصاديا على الصعيد العالمي أيضا، بل ونظرت دول كبرى إلى كيفية تجنب ما تعرضت له قطر بشكل مفاجئ من جيرانها.
ففي الصين، وهي الدولة الأكثر سكانا وصاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كتب لياو شيويه، المحلل في مؤسسة "المسؤولية الجماعية"، عن الدروس المستفادة من أزمة حصار دول الخليج لقطر، والتي قد تفيد دولة الصين وغيرها من الدول في مجال أمن الغذاء.
والمسؤولية الجماعية، هي مؤسسة استشارات استراتيجية مقرها شنغهاي في الصين، وهي واحدة من المؤسسات الأكثر شهرة في آسيا في قضايا الاستدامة والابتكار والقيادة المسؤولة، وتعنى بالقضايا المتعلقة بتنمية المجتمع المدني واستدامة الأعمال والتنمية الاجتماعية في آسيا.
وتساءل شيويه، في مقال على موقع المؤسسة بتاريخ 22 يونيو/حزيران الماضي، ماذا يعني الحصار بالنسبة للسلع الأساسية لدولة قطر؟ ويجيب بأنها مؤامرة مشتركة، خاصة أن ما يقرب من 80% من جميع المواد الغذائية القطرية تأتي من جيرانها أو عبر أراضيهم، والمحصلة النهائية لهذا الحصار هو أن أمن الموارد القطرية يصبح في خطر.
ومع ما تعانيه الزراعة المحلية في قطر من معوقات شديدة، بسبب الموارد المائية الشحيحة، وانخفاض نوعية المياه، والتربة غير الخصبة، والظروف المناخية القاسية، فإن دولة قطر ليست الدولة الوحيدة التي تعتمد بشكل كبير على دول خارجية في تأمين احتياجاتها الغذائية.
ويمكن للعديد من الدول، بما فيها الصين، والتي تتجه للاعتماد أكثر على دول خارجية في تأمين مصادر غذائها، أن تنظر لما يحدث مع دولة قطر، وتأخذ منه الدرس في الدور الذي يمكن أن يلعبه الاستقرار السياسي في توفير موارد حاجات السكان محليا.
يقول شيويه إنه خلال السنوات العشر الماضية اتجهت رغبات الصينيين إلى الاعتماد أكثر وأكثر على الاستيراد من الدول الخارجية في تأمين مواردهم، في ظل ما تتعرض له موارد الغذاء والمياه والطاقة من ضغوط.
وفي الصين، كان الغذاء أحد المجالات التي شهدت تزايدا كبيرا في الاستيراد، لما للعلاقة المعقدة بين إنتاج الغذاء من جهة وتوفر المياه من جهة أخرى من زيادة في تعقيد المعادلة. وتشكل الزراعة حاليا نحو 62% من إجمالي الطلب على المياه في الصين.
وبسبب محدودية الأراضي الصالحة للزراعة والموارد المائية الصالحة للاستخدام في الري، أصبحت الصين مستوردا صافيا للأغذية.
وإذا أخذنا في الاعتبار الكم الهائل من المياه المستخدمة في الزراعة وإنتاج الأغذية، فإن الأمة معرضة لمخاطر شح المياه غير المباشرة في البلدان التي تستورد منها الصين هذه الأغذية.
ودعونا نأخذ عام 2015 كمثال على ذلك، يقول شيويه، إن الصين استوردت أكثر من 125 مليون طن من المواد الغذائية، منها 82 مليون طن من فول الصويا و4.7 ملايين طن من الذرة و3 ملايين طن من القمح و3.4 ملايين طن من الأرز و10.7 ملايين طن من الشعير و21.2 مليون طن من الحبوب الأخرى، بحسب إحصاءات اللجنة الوطنية للتنمية.
وإن كمية المياه المقابلة لهذه الواردات الغذائية ضخمة بحيث تصل إلى 289.4 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 4.6% من إجمالي موارد الأمطار في عام 2015.
وهذا يعني أن الصين لا تعتمد فقط في غذائها على بلدان أخرى، ولكن حالة المياه هي أيضا محدد كبير. في حالة الصين، ومع قدوم جزء كبير من وارداتها من ولاية كاليفورنيا الأمريكية، والتي تعاني من الجفاف مؤخرا، فإن ذلك يمثل مصدرا حقيقيا للقلق.
فبينما يتزايد الاستهلاك في المدن الصينية ويتوقع أن يزيد سكانها بمقدار 300 مليون شخص، فإن توفير ما يحتاجون إليه من موارد وأغذية سيصبح عاملا محددا لمستقبل الصين.
يقول شيويه إنه في حالة قطر، ومع الثروة العالية وعدد السكان المحدود، فقد تم إحلال موارد الأغذية من الدول الأخرى محل واردات السعودية، ولكن في حالة الصين فإن تقليل المخاطر الأمنية في ظل عدد السكان الضخم هو المفتاح الذي قد لا يمكن توفير البدائل له.
وتمكنت قطر من كسر الحصار، بعدما حركت القانون الدولي لوقف الحظر الجوي غير القانوني على رحلاتها، في حين وسعت من المسارات البحرية بافتتاح خطوط عربية ودولية جديدة.
ولم تكف الوفود القطرية الاقتصادية منذ بدء الحصار عن طرق منافذ دولية جديدة، في مسعى من الدولة إلى تنويع مسالكها التجارية، بينما فشلت دول الحصار في تقويض أسواق الدوحة.
وفي مؤشر على تزايد النشاط التجاري أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة القطرية مؤخرا تسجيل 1590 شركة جديدة خلال شهر يوليو/تموز الماضي، بعدد سجلات تجارية رئيسية جديدة بلغ 1241 سجلا، بينما بلغ عدد السجلات التجارية الفرعية الجديدة 349 سجلا، ما يساهم في ارتفاع الحركة التجارية التي تصب في صالح ميناء حمد.
واستفادت السوق القطرية من تنوع السلع التي لم تعد قاصرة على دولة بعينها، فكثير من السلع التركية والعمانية والإيرانية والكويتية والمغربية والأوروبية، وحتى من دول مثل أذربيجان، تملأ الأسواق، في رسالة قوية حول عدم فعالية الحصار.